رفقة المعلم ولد ابريد الليل؛ تنضج أفكار في الفروسية
كتب عبدالله حرمة الله:
الزمان أنفو _الجمل المؤدب المتقن الترويض، إذا دأبنا على ظلمه بالضرب على الرأس والنخس في البطن فلابد أن يرفس يوما فيعطب أو يعض فيأكل”
امتنعت عن الإختلاف العلني، والحياد الخافت، متمسكا برزانة الوفاء؛ بعد دعوة المعلم محمد يحظيه ولد ابريد الليل علنا ” الارتفاع عاليا”، ومناجاة ” المحافظة على الوقار”، يوم عقد الرماد ناصيته، وجف حلقه، لتنكسر مِقرعته، ويسرج على عجل بوما يرتعش ذعرا؛
لم يكترث من تفرغ لحياة الفكر، مسعفا ” البنيان المائل” بأفكار جديدة وشخصية حول القضايا العامة، أسست لإديولوجيا وطنية منسجمة مع خيار الوحدة التقدمي.
مكث في عالم الأفكار ثائرا على البعد المادي الملموس للحياة العامة، من خلال تصور جامع وصياغة حصيفة لمسارات بديلة.
كزعيم قومي و منظر تقدمي، نحت قاموسه الخاص المشبع بالخلفية الحضارية للأمة مصححا مسار ” الغول”، بسمو قيم الاهتمام برمزية ” مصلحة الإبل”، كمشترك قومي استعاد مجده في الصحراء الكبرى وأثرى الأبعاد الاستراتيجية لحسم موازين القوى بين الأمم، بعد أن هزم الفيل وأعفى جيوش القرود وحيد شامخا دياثة الخنازير.
استلت بصيرته من ليل التاريخ الخيوط الأولى لفجر ” التصحر الكبير” وإشراقة وصول الجمل الصحراء الكبرى من الجزيرة العربية، بقرن كامل قبل ميلاد المسيح عليه السلام، حيث حلت بركاته مرافقا ممارسة وتداول السلطة مطوعا فتوة الشناقطة لنشر الحضارة والنهوض بأرواح وبنيان الشعوب، هنا وهناك : خلف أفق الهوان والهمجية.
استنهض رعب الصحراء همم المتفرغين لمصلحة الإبل، كل ما أنذر بخطر قادم، كانت تصده، وتعود أدراجها حامية للظفر أمام خيام الوبر.
تروي الملاحم العابرة للصحراء دور القوافل في تجارة الملح والذهب وتدفق الحجاج والثروات على حواضر شنقيط، وادان، ولاتة و تيشيت.
بعد خسارة الجمل لمعركة اللوجستيك في الوسط الحضري، يبقى ملاذاً آمناً، بخصائص مصرفية مستوفية القيمة، وصندوق ضمان اجتماعي ومعاشات لأصحابه.
خلال حملة نابليون على مصر بهرته سرعة ومهارة المقاومة وتمكنها من التعاطي مع ظروف الصحراء على ظهور الجمال، فبادر بتدريب قادة جيشه على ركوب الإبل، قبل إنشاء كتيبة للجمالة في التاسع من يناير 1799 تكفلت بمواجهة المقاومة التي طالت نيرانها ضواحي القاهرة، وكان لهذه الكتيبة دور حاسم بفضل سرعة الجمل وقدرته على المناورة وتأقلمه مع ظروف الصحراء القاسية. وقد اختبر نابليون بنفسه ركوب الجمل العربي، حيث صدمت آنذاك صورته على ظهر الجمل الرأي العام الفرنسي ، واشتغل الفنانون على رؤية بونابرت التي أسدت دفعا لرواج أطروحات المستشرقين في القرن التاسع عشر.
التمايل الهادئ لنابليون على ظهر الجمل العربي طبع في عقول جنوده صورة أمير الحرب الذي يشير في نفس الوقت إلى الهدف المراد تحقيقه ويلجأ إلى جيشه لتشجيعه على السير خلفه.
بعد أكثر من قرنين، لا زالت الصحراء مصرة على تحميل الجمل رسائلها الأكثر إلحاحا لفرنسا، بعد تحييدها للحركات الإرهابية من بعض مدن الشمال المالي، دون إبداء أبسط حماس لوضع حد لمعاناة سكان أزواد.
أهدت السلطات في تمبكتو للرئيس فرانسوا هولاند جملًا عربيا، هو في الواقع ، بعير مثير للجدل، سُرق من مالكه بعد تدمير منزله بسبب القصف الفرنسي أثناء الهجوم على تمبكتو ، ويعيش الآن في مخيم للاجئين.
و بمجرد أن اقترب الرئيس منه، رغى البعير، حيث شعرت مراسم الإيليزي بالحرج من هدية الرئيس، الذي كانت الاستحضارات جارية لنقله في طائرة عسكرية بعد تطعيمه إلى حديقة للحيوانات في فرنسا. لكن تحفظات الاستخبارات الفرنسية التي لم يفصح عنها تقرر بموجبها إيداعه لأسرة مالية في العاصمة باماكو، على أن يقدم وزير الدفاع آخر أخباره خلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء.
وبحسب الصور التي بثتها القنوات التلفزيونية، بدا فرانسوا هولاند محرجًا من شخصية الحيوان الذي رفض بشكل صارخ محاولات المداعبات الرئاسية، ليعلق الرئيس الفرنسي بعد ابتسامة حرج عريضة لنظيره المالي “سأستخدمه بقدر ما أستطيع كوسيلة نقل”.
فقدت السلطات الفرنسية أثر البعير، قبل إعلان وزير الدفاع الخبر المروع لرئيس الجمهورية بموت الهدية الرئاسية، وتناقلت نهايته المأساوية العديد من الصحف الدولية ، مثل التايمز ، وهافينغتون بوست الأمريكية ، والتلغراف ، والإندبندنت.
إن الاحتفاء بثقافة الصحراء، يفرض التشبث بالمكانة التي يحتلها الجمل كرمز حي لهوية سكانهافي أداء القوافل لكوريغرافيا بديعة تجسد روح الوحدة، التضامن و الضيافة العربية ، وتقاليدهم ، وثقافتهم السائدة داخل شعوب الصحراء.
كما أن الجمل جلب مقومات الحرية ، و أرسى أجواء الاسترخاء ، كمصدر فخر للشعوب العربية، والأمم الأخرى التي جربت سر تفوقه وسيادة حضارة سنامه.
عندما اعتبرت ” عقولنا” المحنطة في غسيل النعناع ورغوة الشاي الباردة، الخيارات التقدمية ” انحرافا” عن نهج أعالي الفردوس، و الرجعية بمقاس الوعي ونشاط القواطع المنهمكة في مضغ علك مستعمل، محاولة فاشلة في فهم “رسالة الغفران”؛ و إحكام وثاق الإرث الطبقي المقرف، واختفاء دور السينما والمسارح والمراكز الثقافية من حياتنا العامة، وهجرة الفلسفة والأدب؛ والفكر من مكتباتنا؛ ساعتها استشعر فارس الوعي حبيب ولد محفوظ الخطر، فبادر بمراسلة الجمل في بث خرافي لهمومنا وهواننا المنذر بخروجنا من حضارة فتلنا بعناية جديل قافلتها.
عبد الله يعقوب حرمة الله