حكومة ائتلاف وطني.. كيف تتشكل و إلى أي أفق تسير؟ / الولي ولد سيدي هيبه
مرة أخرى يأخذ رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي، رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بولخير زمام المبادرة و يطالب رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز بالموافقة على تشكيل حكومة ائتلاف وطني ثم يدعو المعارضة إلى قبول حلول توافقية أخرى في حالة رفض نقطة تشكيل حكومة الائتلاف هذه الواردة في المبادرة للخروج من الأزمة السياسية الحالية.
و بهذه المبادرة يدخل رئيس حزب التحالف الشعبي معادلة جديدة في معطى سياسي محلي ما زال متسما بانحراف أطرافه عن محاور التلاقي حول أقل ما هو مطلوب من أجل التهدئة و تجنب الصدام الذي يجر البلاد حتما إلى متاهات التجاذب السلبي بعيدا عن حقل التنظير العلمي الذي هو من أهم أساسيات و أدوات السياسة الرصينة للأحزاب التي تحمل مشاريع أمتها؛ تنظير يفضي باستنتاجاته غاية إلى العمل الميداني:
ـ لبناء الإنسان على قيم المساواة التائهة بين وساوس الماضي التي ما زالت تلقي بظلالها الثقيلة على العقل الجمعوي و بين ضياع خيوط “الهوية الحديثة” التي لا مناص من السعي إلى بنائها في ظل مفاهيم عصر بات بكفر بـ”ظلامية” الماضي التي حاصرتها أنوار تحرر العقل و توحد توجه البشرية إلى المساواة و الديمقراطية؛
ـ للتوحد حول مسألة إصلاح التعليم الضعيف المشوه الذي لم يسلم من صفعات المجاجلة لـ”تجذابات” الفضاء السياسي ذو النزعة الميالة إلى الخطابات و الفلسفات و التوجهات و المقاصد المختلفة لذات “الاختلاف المطلق” و مبدأ “رفض التلاقي”، في انفصام ملحوظ مع متطلبات التعليم العصري، ما أربك القائمين على صياغة سياساته و تحديد هوية مساره و إعداد و تقنين مناهجه؛
ـ لتصحيح مسار الاقتصاد المميع لحساب طبقة التجار و سماسرة القرصنة الجديدة للتجارة الدولية في ظل اختلال التوازنات التقليدية و الخاضعة للمعيارية و القوانين الصارمة؛
ـ لتوحيد الرؤية حول سياسة توجه استغلال مناجم البلد المتنوعة بعيدا عن الأيادي الآثمة و الضمائر الخسيسة لبعض أصحاب الرخص المغمورين و أدعياء الكفاءة و الخبرة الاستشارية؛
ـ لتوجيه الثروة السمكية الهائلة في تنوع كبير إلى الداخل استهلاكا و تصنيعا، و إلى رسم و إخضاع سياسات الصيد البحري و استغلال كل ثروات المياه الإقليمية الوطنية الأخرى لمقتضيات التنمية الوطنية و العدالة الاجتماعية؛
ـ للتلاقي حول سياسة زراعية منهجية عملية على الضفة و خلف السدود و في أحضان البحيرات و تحت نخيل الواحات و رعاية و تطوير الثروة الحيوانية الهائلة و توجيهها إلى أن تكون عاملا اقتصاديا منظما و فاعلا؛
هنا كان يجب أن تكمن، بل و تتراءى للمواطنين كل أسباب وجود الأحزاب و منظمات المجتمع المدني، و من هنا كان و يجب أيضا أن تنبع كل القناعات التي تقوم حولها شعائر السياسة و تحدد مقاصدها و في دائرتها يتحرك الطموح المشروع للفاعلين في نيل ثقة الشعب المطمئن الراضي و الإمساك بزمام أمور البلد الذي يكون حينها مستقرا و ديمقراطيا.
و لا شك أن مبادرة رئيس البرلمان مسعود ولد بولخير التي انطلقت منذ شهور خلت كانت بمثابة تحريك حقيقي لمياه راكدة على الرغم من أنه شكك في “جدوائيتها” حينذاك البعض من مختلف الجهات و الأطراف السياسية و من أصحاب الرأي و المشورة و من المحللين و الإعلاميين و غيرهم فيما تحامل عليها البعض الآخر لاعتبارات تأرجحت ما بين:
ـ “المكيافيلية” من منظور فصلها مبادئ الأخلاق عن العمل السياسي رغبة في إبقاء الوضع على حاله و جني ثماره بالقفز على ضرورات و متطلبات السكينة العامة و الخروج بالبلاد من متاهات “التجاذبات” العقيمة القائمة على الحسابات الضيقة إلى فضاء العمل المشترك على تجسيد الرؤى المتقاسمة، و تبريرا سياسيا و منطقيا لضرورة أو حتى بوجوب الاختلاف المثري لرؤى أخرى تصب عند النهاية في سلة ذات الأهداف و الوجهات؛
ـ الرغبة المشترطة في قيام حوار يفضي عند آخر المطاف إلى تبوء موقع على خارطة الحكم بعدما تحسب حسابات تنازلات كل الأطراف، و بعدما سيتراءى من آفاق “التقاسم المشتهى” للسلطة. و إذ ليس العيب في ذلك فإنه رابض باستخدامه في غير تحصين البلد من منزلقات ضعف الوئام و غياب العدالة الاجتماعية و تبديد ثروات الوطن على أيدي المفسدين و الاحتكاريين و المغمورين المستفيدين و كذا وهن السياسات التنموية الضبابية المعالم و المذبذبة المقاصد.
و لما أن تكللت ـ بالرغم من كل ذلك ـ مبادرة رئيس حزب التحالف مسعود ولد بولخير بأن أعطت صاحبها بعض الثمار متمثلة أولاها في الأهمية التي حظيت بها و ثانيها بأن تقاطرت الردود على اختلاف صياغاتها و مضامينها و قد لفتها معا صبغتا “القبول الضمني” و “رفض الإقصاء”، فإن مستقبل الحوار يظل تحت حصار ثلاثية المعطى العام التي هي:
ـ العزوف المقصود عن قراءة الوضع الحاصل من جراء التراكمات و،
ـ أحادية الموقف و تصلبه في دوامة عدم القدرة على التنصل من ميراث عقلية الماضي و،
ـ الخوف من مواجهة النقد و ضرورة تصحيح المفاهيم.
كيف إذا و الوضع محاط بهذه الغشاوة يمكن التفكير في قيام حكومة ائتلاف وطني كما ورد على شكل مطلب في المبادرة و ذهبت إليه ضمنيا وعلنا بعض الأحزاب في محتويات ردودها على رئيس التحالف الشعبي، رئيس البرلمان، الأمر الذي طالب به الأخير رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز. ثم كيف ستتشكل هذه الحكومة و ماذا عن توزيع حقائبها و على أي معيار سيتم و كيف ستباشر أعمالها و كيف ستحدد الأولويات و تختار المنهج و المرجعيات؟ و كم ستمضي لأداء مهمتها؟
هذه أسئلة من بين أخرى لن تكون الإجابة عليها في ظرف قصير يفصل عن إجراء الاستحقاقات المقبلة من السهولة بالمكان الذي يحصل معه أقل ما يرضي و يبشر بانفراج لصالح الاستقرار و الديمقراطية. و أما عن إجراء الاستحقاقات يقول مسعود ولد بولخير ردا على سؤال ورد في مقابلة أجريت معه سابقا:
“… من شروط الانتخابات حل جميع النزاعات السياسية، وبالتالي تبقى الكلمة للناخب ويكون جميع الناخبين مشاركين وتوفر لهم ظروف مرضية، إذا عرضت على الجميع قبلها، لا سيما الرأي الخارجي والحيادي، حينها يمكن القول إن من لم يشارك، لا يمكنه الحديث عن عدم ملاءمة الظروف لإجراء انتخابات نزيهة، كما لا يمكنه الحديث عن إقصائه، لأن الظروف كانت مواتية ومرضية وتسمح للجميع بالمشاركة”.
إن الأيام القليلة المقبلة ستكون بدون شك حاسمة لتحديد أي منقلب تصير إليه هذه المبادرة حيث كان من المفروض و بغض النظر عن التأويلات المختلفة و منها “الغرضية” و “المناورة” و “الرافضة” و “الموافقة” و “الحائرة” أن تفتح آفاقا للتعاطي مع المقترحات و الحلول أقل جمودا و أن تجعل جميع أطراف الحلبة السياسية أمام ضرورة وضع البلاد فوق كل الاعتبارات و التفكير بتجرد في أن طلب السلطة إذا لم يكن من أجل إحقاق الوئام و نشر العدالة و بناء دولة القانون فإنه حتما يكون سعيا إلى قذف البلد إن عاجلا أو آجلا في أتون الخراب و الدمار قبل التلاشي (لا قدر الله)… و يكون أثرياء البلد و المتخمين، من جراء سوء تسييره و تبديد مقدراته التي ظلوا منذ عقود يودعوا جلها في مصارف خارج الوطن، قد هجروا البلد كما تفعل الفئران عندما تبدأ السفينة في الغرق.