على هامش الرحلة إلى الحسينية: قصة الصراع والوفاء العظيم

altتأخذ نفسا عميقا وتتنهد فاطمة وهى تتذكر الحياة بجانب “اكرج” قبل 40 سنة في الحسينية عندما كانت التماسيح بالعشرات وقبل أن يبطش بها قوم “موشيات” القادمون من إفريقيا …….

كنا نخرج صباحا لنعد أسنان التمساح وهو نائم كانوا بالعشرات على ضفاف “اكرج”.

آه.. لقد تغير كل شيء ها أنا اليوم عجوز مقعدة أعيش وحدي لا أبناء ولا أهل ولا زوج والحياة صعبة إنها بلا طعم.. تقولها وارى الدمع قد تحجر في مقلتيها، تتوارى قليلا حتى لا أراها ولكنني أراها وأحسها…

شققت طريقي وسط النخيل المعربد في كل مكان باتجاه “اكرج” حيث ترتاح التماسيح وتنتظر قدرها في الحصول غذاء على ضفته أو داخل مياهه. ..

تشير فاطمة كنت اجلس هنا قبل 40 سنة كان ذلك اليوم يوم عيد الأضحى وكنت الوحيدة التي اشترت لى جدتي ملحفة “من النميرات” وكان ذلك يومها أمرا يؤرخ له في حياتنا ف “الخنط” غير متوفر ولا توجد سيولة أصلا وكنت شابة قوية البنية و”مترفة” لان جدتى تشترى لى ملحفة كل سنة وليس ذلك بالأمر الهين آنذاك كان ذلك مبعث فخر لي بين رفيقاتي و لأنني أيضا كنت وحيدة جدتي فقد حظيت بمعاملة خاصة بعد وفاة والدتي وأنا بعد صغيرة، تمسكت بى جدتي التي خصتني باللين و الصرامة في نفس الوقت. كانت تنظر الى وتقول أنت عوضي في هذه الدنيا ولقد شاء القدر ذلك و عوضي أنا على الله عسى أن يلتقي الجمعان في دار الآخرة…

كان الوقت صباحا وكنت اركن هناك إلى جوار الخيمة وأنا سعيدة ب”ملحفتى الجديدة” ويجلس ابن خالي وصديقه في الجهة الأخرى داخل الخيمة عندما سمعت صيحة تعرفت على الصوت بسرعة إنها “عجلتي” نعم هي … كان الصوت قادما من جهة “اكرج” أدركت للوهلة الأولى أن مكروها أصابها وان الأمر يتعلق بناحية الماء حيث تصطاد التماسيح فرائسها..

من خلف الأسلاك الشائكة تراءت لي العجلة ورجلاها متجهة إلى الأعلى وتسحب سحبا إلى أعماق الماء وجدت نفسي أقفز فوق الأسلاك الشائكة وبعد الأسلاك الشائكة قفزت أيضا في المياه فالحياة في تلك اللحظة بالنسبة لي تساوى حياة عجلتي , في لحظة خوف عليها لم أتذكر أن المياه مليئة بالتماسيح وتنتظر اى فريسة سيما التي ترتكب الحماقات وتقفز في الماء لهوا أو لعبا أو خوفا مثل حالتى….

استطعت اللحاق بما تبقى من رجلي “عجلتي” طافيا فوق سطح الماء وأمسكت بهما سحبتها وسحبها هو في الاتجاه الآخر حاولت غرس رجلي في الوحل تحت الماء وفعلت وسحبت مرة أخرى وسحب هو أيضا إلى الأعماق أصررت على الإمساك بها وبينما هو يسحب استجمعت قوتي وانحنيت إلى الأمام لأتمسك جيدا واستدرت نصف دائرة وسحبت بأقصى قوتى ورميت ما سحبت إلى شاطئ “اكرج”وكانت المفاجأة…..لم اصدق المشهد التمساح والعجلة معا على الشاطئ وقد أفتكت العجلة منه وهى حية ..

سمعت زغرودة إنها جدتي إنها تعنيني وتفعل ذلك من اجلي أيضا, استقر بصري على بطن التمساح انه ابيض ومن المستحيل أن يتخذ التمساح هذه الوضعية إلا إذا كان بين يدي إحدى المجموعات الإفريقية التي صالت وجالت هنا وانتزعت جلود هذه التماسيح وقتلتها خلال سنوات السبعينات والثمانينات وحتى بداية التسعينات.

يا للهول سقط التمساح على ظهره وظهرت بطنه البيضاء وانقلب إلى وضعه الطبيعي في سرعة البرق وتوجه إلى الماء، عندها تذكرت أنني في خطر قفزت قفزات متتالية إلى خارج الماء ونسيت أن أهم شيء كان بالنسبة لى في ذلك اليوم هو “التمختر ” بين خيام الحي وأنا “مفصلة بملحفة النميرات “.. هي تسرد وأنا استمع انتقل بى المشهد إلى تذكر فاتن حمامة وهى تنفش ريش فرخة أمام منزلها. في فلم أفواه وأرانب لتقول للجيران:” نحن نأكل اللحم”.

وتضيف فاطمة :لقد استطعت أن انتشل “عجلتى” من خطر مؤكد وبدأت مرحلة علاج صديقتي وعجلتي أشهرا حتى شفيت تماما لقد كانت تنام معي وتتبعني إلى الجيران و تأتى ليلا تشتم كل أفراد الأسرة بحثا عنى حتى تميز رائحتي و تبدأ بفرك الأرض حتى استيقظ اتركها أو أعيدها إلى بقية القطيع لقد ارتبطت بها وارتبطت بى …

لقد استمرت علاقتي الخاصة والمحيرة للجيران بتلك العجلة سنوات قبل أن يأتي احد الأيام لأنتظرها دون جدوى لم تعد في الوقت كعادتها انتظرتها ولم تعد مساءا قررت البحث عنها ووجدتها قد فارقت الحياة في وحل البحيرة وقفت ابكي عجلتي التي ربطتني وإياها علاقة امتدت جذورها عبر قلبينا استسلمت للقدر وعدت احمل الحزن وانظر كل مساء إلى القطيع يعود دون أن تعود معه يتفطر قلبي حزنا إلى أن مرضت جدتي وتوفيت أيضا فجاء حزن آخر أنسانى الأول و أنا كما ترين انتظر نفس المصير ..

لقد حزنت أنا أيضا وتأثرت وأنا استمع إلى قصة فاطمة والعلاقة التي ربطت فاطمة وعجلتها وأدركت كم تغير الإنسان وأصبح أكثر قساوة !!!…..

مكفولة منت ابراهيم: ناشطة حقوقية

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى