في سجل الذكريات «أضواء على التصفيق» / محمد فال ولد بلّال
الزمان أنفو ـ
شاركت بين 1998-2000 في ندوات وملتقيات متفاوتة بفرنسا تهتم بإعداد وتخريج قيادات سياسية. وكنت حينئذ نائبا في الجمعية الوطنية وعضوا في البرلمان المشترك بين أوروبا وإفريقيا والكراييب والمحيط الهادي (UE-ACP). وفوجئتُ بأنّ برنامج الإعداد يتضمّن مادّة مستقِلة بعنوان “التصفيق” : كيف ومتى وأين يكون التّصفيق؟
وتعلمتُ منه أنّ التصفيق أنواع، منه:
– التصفيق الترحيبي مع دخول فخامة الرئيس، وغالبا ما يكون حارا ويستمر لدقائق، ومعه الوقوف احتراما وتقديرا لفخامته،
– والتصفيق المتجدد أثناء الخطاب كلما توقف فخامته عن الكلام ليلتقِط أنفاسه، ويتواصل حتى يشير للناس بالتوقف..
– والتصفيق المبرمج والموجَّه الذي يُطلق بالاتفاق المسبق مع قائد “الجوق” من داخل القاعة. وإشارات شيخ الأوركسترا متنوعة، منها: “نصرٌوووونْ”! و منها: “صفگُوووو”! و منها: “أهيييييه”! وأكثرها طرافة إشارة مجنون الحزب الجمهوري حين يقول للرئيس معاوية في مهرجاناته: “والله، دَمُ أنت ماهُ دم ناموسْ”!.. ههه
– وتصفيق التحية والوداع عند انتهاء الحفل ونزول فخامة الرئيس من المِنصّة وغالبا ما يرافقه القيام إعجابا بفحوى الخطاب..
– والتصفيق “السياسي” هذا يختلف عن التصفيق “الفنّي” والمنظّم، أي “المَدُّوب”، الذي يطلق مع رقصات “اكْنُ” مثلا، و”لبْليْدَه”، و”الشّرعَ” و”الجَّرْ”، و”بَنْگَه”، إلخ،،، أو التصفيق الخاص “بالهولگان” الإنجليز في ملاعب كرة القدم وغيرهم من المشجعين المتشددين.
– وتعلمتُ أنّ المستوى الثقافي والاجتماعي يحدّد أسلوب التصفيق، فسيدات المجتمع الراقي ذوات “الحَنّاء” الجميلة يصفقن بأصابعهن على عكس السيدات الكادحات العاملات اللاتي تصفّقن بكامل اليدين والكفّين،
– أمّا تصفيق المشاهير والساسة فهو يختلف عن الكُل، حيث تحكمه قواعِد وآداب ابروتكوليّة على صلة بالأناقة واحترام الجمهور. لذلك، تراهم يصفقون بأطراف الأصابع (روص لصباع)، ولا تسمع لهم صوت.
– وممّا أذكره من تلك الدروس أنّ التصفيق له تاريخ عريق يرجع إلى العروض المسرحية الإغريقية، وكان في بدايته حرّا وصادقا؛ ولكنّه سرعان ما تخلّى عن العاطفة والتِّلقائيّة والصّدق، وصار “مادّة” تحتَ الطلب منذ أن انتشرت المسارح الفنية والسياسية واحتدمَ الصّراع بين الفِرق والأحزاب، وظهرت “جوقات المصفقين” التي تمتهِن العمل لحساب الأطراف المتنافسة بغرض دفع الجماهير إلى التصفيق لما تقَدِّمه، مقابل مبلغ من المال. ظهر تصفيقٌ “مُفبرك”، لا يأتي في معظم الأحيان بدافع الصدق والإعجاب الحقيقي، وإنما بدافع الطمع والخَوف. ويذهب بعض الخبراء في علم الدلالة إلى وجود ارتباط قوي بين شيوع التصفيق داخل أي مجتمع من المجتمعات وبين تراجع قيمة “العقل” و شيوع عقلية “القطيع”.
ومن أروع ما قيل عن التصفيق السياسي في بداية تسعينيات القرن الماضي، گاف لأستاذي وأخي العزيز الحسن ولد الطالب، حفظه الله ورعاه، قال:
گمْت امخلّط من لخلاگَه @ وامنادم ما صفّگْ باگِ
أصحابِي عادو صفّاگَه @ وانَ ما صالح تصفاگِ
وصلني هذا الگاف حين كنتُ أجتر مرارة فشلي في انتخابات مجلس الشيوخ ضد الحزب الجمهوري، قلتُ:
حد إصفَگ يجبر لمگاد @ والحظرَ والتّرشَ لعاد
حامِي كفُّ، ماهُ معتاد @ تصفاگُو مدُّوب ءُلاگِ
وان حازمني يا الجوّاد @ عنيّ باگِ دون اتفاگِي
بيّ لعناد ، ءُ بيّ زاد @ عنّي وسانِي خلّاگِي
گمت امخلّط من لخلاگَه @ وامنادم ما صفّگْ باگِ
أصحابِ عادو صفّاگَه @ وانَ ما صالح تصفاگِ