رسالة حقيقية/محمدالأمين محمودي
الى اخوتي
بعد عقود من ارضائكم وددت فقط لفت انتباهكم الى يوم من أيامي.
أستيقظ ضحى على بيت كبير ليس فيه غيري،أقضي وقتي في شحذ و جرد حبات خرز هي نصيبي من المال والبنين والعمل واللهو،أبي وأمي ذهبا الى الدار الأبدية وأتابع نقاشاتكم عن بعد وأنتم تتحدثون عن بيع بيت الذكريات الكبير وضرورة تحويلي الى بيت أصغر ولكم كامل الحق في ذلك فليس معي أحد ومن الاجحاف تعطيل هذه الثروة ووضع هذا الكنز تحت قدمي سيدة لم تنجب ولم تتزوج ولا أنيس لها غير حبات خرز وسبحة وذكريات جلها مظلم ومحزن وظالم.
حين يزورني أحدكم ليلة في الشهر وأسمع كركرة الأطفال أشعر بسعادة لاتوصف،فهؤلاء أطفال وفيهم دمي،أحتضنهم فينبض قلبي،أحس تأففهم وأشغل نفسي عن تضجرهم باعطائهم الحلوى،وحتى هذه لاتلفت انتباههم مادامت من عندي لأنني الوفية الوحيدة لصاحب الحانوت الملاصق لبيتنا،لا أتبضع في الأسواق ولا أعرف رفوف ونضد السوبر ماركت.
بعد دقائق ستقرر زوجة كل واحد منكم ان حان وقت الذهاب فيبتعد صدى قهقهات الأطفال وتتلاشى صوركم حتى تضمحل فأدخل ناموسيتي وأرسل عيني المنكسرتين صوب سقف خبرت تفاصيله وتخيلت تجاعيد وجهه وأعرف متى تسعل دعاماته الصدئة،انه رجلي وأنيسي ومن أبكي أمامه وأذرف الدموع وأتخيله يضمني ويكفكف دمعي ويشغلني بالأذكار والأوراد.
كنت ذات يوم فتاة جميلة،كنت مثقفة،وكنت أستعد لخوض تجربة الباكالوريا،أحببت ككل البشر،تقدم حبيبي المهندس خاطبا فهددتم بقتله ان فكر في دخول البيت،بكيت وبكت أختي الصغيرة وبكى المناول والسائق والجيران..رفضتم لأنه لايناسبكم،ضحيت به من أجلكم فأنتم اخوتي وحبي لكم فوق كل حب ثم جاء آخر وضحيت أيضا فحبي لكم فوق كل مشاعر وتقدم آخر بعد سنوات من الانتظار ورفضتم وانتحبتم وكدت أفقد عقلي حين هددني أصغركم بالانتحار ان فعلت..لم أفعل لكنني انتحرت عاطفيا ولم أعد مهتمة وفشلت في الدراسة، وبدأتم تتوجسون خيفة من اليأس،وأرسلتم في المدائن حاشرين،رسلكم ملوا البحث لي عن خطيب مناسب وزوج يريح ضمائركم من جلد حالتي لكم ..فشلتم،انتهيتم،استسلمتم..وحين بقيت في البيت أول يوم بعد وفاة والدتي التي لبت نداء أبينا عرفت حجم مأساتي وتجرعت كأسا مرة من الاحساس بالوحدة وعدم الجدوائية،فلا أنا أكملت دراستي ودخلت معترك الحياة ولا أنا أنجبت ولا أنتم قررتم المكث في بيتنا الكبير.
اخوتي
مرت عقود،وعشتم برؤوس مرفوعة بين شيوخ العشيرة وربيتم أبناءكم ولم يتحدث اللسان القبلي عنكم الا بكل خير..أنتم الدم المقدس الذي لم يختلط بمدنس وأولادكم مقدسون رغم ان بعضكم تزوج من عرق آخر وأحدكم جلب فرنسية والآخر تزوج أخت أحد من تقدموا لي..لم أقل أي شيئ ،لم أعترض،لكنني في كل ليلة أرسل عبر السقف رسالة لكل واحد منكم.
أحبك،أعيش على ذكرياتنا معا وحتى هذه لم أدنسها،تركتها كما هي لم أدخل فيها الأغراب حتى لاتشعر بالعار فأنا أحبك لأنني أختك،وأضحي من أجلك لأنني أختك وفي النهاية لاشيئ يهم..فقط قل لأبنائك أن يحاولوا عدم اظهار تضجرهم مني لأنني أحبهم وأتمنى سماع ضحكاتهم فهي آخر مابقي لدي منكم ومني في هذا العالم..أما البيت فبيعه لايعنيني في شيئ، اذ المشتري مهما كان قاسيا سيسمح لي بالطواف به والدخول أحيانا ففيه مهدي ومراهقتي ونفسا والديّ وخطاكم ومقصلتي..أختكم