هل من أحزاب مبدئية؟
في خضم التجاذبات السياسية، هبوطا وصعودا، قد يشعر الوطني بالخطر على مصير ومآل الشأن العام في بلده.
وفي هذا السياق تبقى المبادئ عرضة للتلاعب والمقايضة من قبل البعض، تحت ضغط الانسداد السياسي الحاصل منذ فترة.
فهل تتفادى بعض أحزاب المنسقية على الأقل الدخول في دوامة السقوط الحر؟
فالرهان في نظر الكثيرين بعد المرجعية الإسلامية والتمسك باللغة العربية والوحدة الوطنية والحوزة الترابية، أصبح على تضييق الخناق على نظام الإستبداد القائم، الذي ألقي بموريتانيا في أزمات حادة متتابعة…
رسخت حكم المؤسسة العسكرية والأسرة، ولوبيات المال المافيوي، المقربة من الفريقين، وبشكل فاضح متبجح.
وبعدما فضل الكثير من الأحزاب جناب السلطة طلبا للمنافع، وحذرا من الحصار، اختار مسعود وجماعته اختلاق نمط جديد من المعارضة، يوالي النظام بقوة وعلنية، ويرفض رحيله.
لتظل عيون بعض الراديكاليين معلقة نحو المنسقية، لما بقي فيها من ثبات نسبي على مقاومة النظام الاستبدادي القائم.
فهل تستمر بعض أحزاب هذه المنسقية، في هذا الطريق الوعر، أم ستستسلم للضغوط المختلفة من هنا وهناك؟.
إن الرأي العام الوطني الطامح نحو التغيير والخلاص السلمي من نظام العناد والأحادية والمحسوبية، يراقب توجه الأحزاب في هذا الصدد، ويحتفظ في ذاكرته الجمعية بالذين يرفضون التفريط في المبادئ. وإن الأحزاب السياسية، التي ستظل تعكس حرصا أكثر في خطابها وممارستها على مبادئ الوطن وثوابته، وتضحي من أجل إسقاط النظام الفاسد، قد تكون مهيئة أكثر لحصد مكانة أكبر، في نفوس المقترعين في لحظة حاسمة، هذا فضلا عن قيامها بواجبها الديني والوطني، لأنها لم تبارك الظلم وأصحابه، رغم المصاعب والمضايقات المتنوعة.
وقد يغري الركود الحالي، الحاصل في الساحة السياسية الوطنية، بالمزيد من التملص من المبادئ، والمواقف الصعبة، إلا أن الثبات والمبادئ أكثر نفعا ومصداقية وعاقبة، لمن يصبر عليها.
إن مرجعيتنا الإسلامية، بالتمام والكمال والشمولية، ووضوحها في خطاب أي حزب، سيجعله في عمق اهتمام المواطن الموريتاني، لأن الإسلام ومنهجه في الحياة، هو القناعة الراسخة عند الناس، وما سوى ذلك من علمانية وكلام باهت، غير حاسم تجاه موضوع هذه الهوية الإسلامية، قد لا يكفي إطلاقا، لطمأنة المواطن الأصيل، في بلاد شنقيط.
كما أن الوحدة الوطنية وتماسك الشرائح، بمختلف أعراقها ومشاربها، وحماية الحوزة الترابية كاملة، والاعتزاز بلغة القرآن الجامعة، اللغة العربية، كل هذا ينبغي أن يكون واضحا جليا، محل إجماع في خطاب السياسيين والحزبيين الحازمين.
إن الحديث المتكرر عن مبادرة مصالحة وتقارب، طرحها حليف وصديق حميم لولد عبد العزيز، خوف الحرمان من نصيب من الانتخابات محل الجدل، أمر يثير الخوف على تماسك المنسقية، وما بقي من صمودها المهدد.
فلتكن العاقبة ومبادئ الأمة وخاطر المواطن المناضل هي الأولى، في حساب زعماء المنسقية، قبل الانتقال إلى مرحلة تيه، لا ماء فيها، ولا معلم ولا أمل.
إن ما يعيشه الناس من حرمان من ثروتهم، ونهبها من قبل الأقلية، وتواصل وتصاعد حالات العطش، ورداءة الخدمات العمومية، وخصوصا الصحية منها، كل هذا يعبر عن فشل نظام عسكري انقلابي، لا يستحق الشفقة أو المزيد من الإمهال.
وقد يتضاعف الخوف على هوية الأمة الموريتانية ومصالحها الجوهرية، ما دام التهاون قائما، لصالح رؤى نفعية حزبية ضيقة.
إن أولويات المواطنين ومصالحهم القريبة والبعيدة، ينبغي أن تكون مبعث مواقف الأحزاب الوطنية، وليس الحسابات القاصرة,
ولعل بعض أحزابنا تبدأ بورقة اعتراف، مرورا بمرحلة زهو، تدافع فيها عن بعض حرمات الأمة، لتكتسب منها بعض الاعتبار والمكانة، ثم تبدأ تتنازل عن قيمتها الأخلاقية، شيئا فشيئا، طلبا لمكاسب أخرى، بمعايير أخرى.
فهل تسلم بعض أحزابنا، لتكون ذخرا دائما لنشاط سياسي وطني، إيجابي مستمر؟.
إن التمسك بثوابت الوطن ومصالحه السياسية، مهما كلفت من تضحيات، هو الضامن الشعبي الأوحد، لمبدئية أحزابنا وكرامتها، ومستقبلها السياسي.
لقد جرب في التاريخ القريب، لبعض أحزاب المعارضة، الكثير من التذبذب، حيث رحب بعضها في البداية بانقلاب 2008 ، الذي عارضه لاحقا وبقوة.
وتحول آخرون، من المعارضة القوية لذلك الانقلاب إلى الاعتراف بانتخابات2009 المثيرة، وأما أحزاب الموالاة، فقد صم الكثير منها الآذان، عن معاناة الناس، لصالح تأييد شبه مطلق، لنظام فاشل عاجز.
كلها محطات تاريخية ومواقف ترددية أحيانا، تستدعي التنبيه والنصح، قبل فوات الأوان، وانصرام وقت العلاج والتوجه السليم.
بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى”