“رمضان شهر القرآن ” عنوان ندوة نظمتها مؤسسة رسالة السلام
الموريتاني:
الزمان أنفو _ ناقش مفكرون وباحثون وعلماء مساء اليوم السبت موضوع “رمضان شهر القرٱن”؛وذلك في ندوة أقامتها مؤسسة رسالة السلام بفندق الخيمة .
وافتتح مدير التوجيه الإسلامي الدكتور محمد الأمين ولد شيخنا باسم وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الندوة، بتأملات حول رمضان كحيز زماني قرٱني.
واعتبر أن موريتانيا في عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تعتبر بلدا يكفل للجميع حرية التفكير والرؤية في إطار الإسلام السمح، الذي يسع الجميع.
وقال إن موريتانيا ترحب بالمشاركة الفاعلة لمؤسسة رسالة السلام في صياغة رؤية وسطية تجمع عليها الفعاليات الفكرية الإسلامية، وتعتمد التناغم والتكامل منهجا وشعارا
معربا عن شكره وتقديره لرئيس المؤسسة الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، على جهوده الإصلاحية.
وتناول الكلام بعده الأستاذ حي معاوية حسن رئيس المؤسسة في موريتانيا وغرب إفريقيا مهنئا الحضور بمناسبة شهر رمضان، باسم رئيس المؤسسة الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي.
وبسط الأسس المرجعية للرؤية التي سيتناول فيها المحاضرون الموضوع.
أما الدكتور الولي ولد طه مدير الإعلام والنشر بوزارة الشؤون الإسلامية فقد تحدث عن رسالة التسامح والود والحب والدعوة التي يحملها الإسلام؛ مستعرضا العديد من آيات الذكر الحكيم التي تحث على التسامح والمحبة والدعوة بالحسنى.
وتحدث الأستاذ الروائي والشاعر الشيخ ولد نوح عن طبيعة منهج الإسلام في المجادلة والحوار مع الٱخر انطلاقا من القرٱن الكريم، وما يحث عليه من احترام المخالف وتقديره ومجادلته بالحسنى، مستعرضا أخلاق الرسول عليه السلام، والتي زكاها القرآن من خلال قوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) وما أمره به سبحانه وتعالى من مجادلة بالحسى ومقابلة للإساءة بالحسنى، إذ يقول الله (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) ويقول (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
وتناول الأستاذ محمد ولد أفو ضرورة تصحيح بعض المواضيع المفتاحية في علاقتنا مع القرٱن، والتجديد في فهم النصوص وتنزيلها لتحقيق المناط؛ مستنكرا مفهوم “النسخ” الذي كان فرصة لإلغاء أحكام العديد من الآيات القرآنية؛ حيث اعتبرها رجال الدين منسوخة، مبينا أن النسخ لا أساس له من الصحة، وأن الآية التي يستدلون بها على وجوده تم تحريف معناها وهي قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) إذ بين الباحث هنا أن الآية تقصد بها المعجزة وليست الآية القرآنية.
الدكتورة تربه بنت عمار أستاذة التاريخ الإسلامي بجامعة نواكشوط تحدثت عن الخصوصية الفكرية والمنهجية لمنطقة المغرب العربي، التي تعايشت فيها في مرحلة تاريخية كل الرؤى والأفهام للإسلام في احترام وحسن جوار، واستعرضت الدكتورة إهمال المسلمين للعقل وما لعبه من دور في تكريس سيادة الروايات التراثية وتقديسها، داعية إلى إعادة قراءة ذلك التراث وتنقيته من كل الدسائس والمصائب، خصوصا المناقض منها للقرآن الكريم.
الأستاذ المفكر النبهاني ولد أمغر تحدث عن محورية الوحي في الرؤية الإسلامية، معددا الشواهد والأمثلة من القرٱن الكريم.
وقال الأستاذ النبهاني: خلال هذه الندوة المباركة رمضان شهر القرآن كانت لي حديث متأمل في ظلال الآية الكريمة (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم)
إن هذا الأمر الرباني الصريح في وجوب الاستمساك بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، المنزل على نبيه وعبده محمد صلى الله عليه وسلم، يبين أهمية هذا الوحي في حياة كل مسلم مؤمن.
و إن من أعظم أسباب الفلاح، والهداية في الدنيا والآخرة، أن تجعل أمرك كله تبعا للوحى به تدعو وتنذر، قال تعالى آمرا نبيه صلي الله عليه وسلم: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ). وأمره أن يصدع بذلك بين الناس: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) و (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّه وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ). وأمره سبحانه وتعالى أن يكون تذكيره وإنذاره بالوحي قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) [ وقال سبحانه: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) وقال تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) وقال تعالى: (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ) وقوله (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) .
وبين الله سبحانه وتعالى أن جهة اهتداء النبي صلي الله عليه وسلم إنما تكون بالوحى وأمره صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ذلك فقال له: (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ). ولما كان الوحي هو أعظم ما ينجو الناس به، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستمسك به، وهو أمر لكل من أراد الفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) . ولذلك تجد أن سبب ضلال من ضل من العباد يكون لانحرافه عن الوحي، وعلى قدر ابتعاده على قدر ما يكون من انحراف. • ولا يمكن لأحد أن يجد للوحي مثيلا، أو يصل لتمام الهداية من غير طريق الوحي، وكل ما يمكن أن يجعله أهل البدع من طرق توصل إلى ذلك، فهي لا تثبت حقا إلا والتزم أهلها بسببه باطلا جديدا. • كما أن الله سبحانه قد قطع الطريق على من رام في غير الوحي سبل الهدى، فقال عز وجل: ( وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا). فكل ما يمكن أن يقال عنه أن فيه خير لابد أن يكون ذكره الوحي أو دل عليه، إن نصا أو إشارة، بأتم بيان وأحسن تفسير، ولا سبيل للعقل أن ينفرد بإدراك كمال طرق الهداية، فالعقل قد يدرك طريقا للهداية، لكن لا يستقل ببيانه على الوجه الذي يتم الإيمان به، فإدراكه مجمل، والوحي فيه التفصيل: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء)، والمقصود هنا لكل شيء يتم الإيمان به. • وقد سمى الله سبحانه وتعالى الوحي برهانا، ورتب الرحمة والفضل والهداية على الاعتصام به، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا؛ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا
الأستاذ الدكتور خطري ولد اعل ولد اباهي تحدث عن موضوع الندوة من منظار قرٱني عملي يعتمد الفهم الصحيح والممارسة النابعة منه.
من جهته استعرض الدكتور أحمد ولد الحافظ قضيَّة “حريَّة المعتقد” في الخطاب الإسلامي العام، وقال نلحظ في هذا الصدد أطروحتين؛ أطروحة قرآنية وأطروحة تراثية، تحملان الكثير من التباين، بل والتناقض، إن وضع مقارنة بين تعاطي الخطاب الإلهي مع حرية المعتقد من جهة، وتعاطي المرويَّات التاريخيَّة معها من جهة ثانية؛ يوضح لنا ذلك التباين والتناقض؛ ففي الوقت الذي تتواتر كل الآيات القرآنيَّة على مبدأ حريَّة المعتقد، وطبيعية الاختلاف العقدي، في ذات الوقت تأتي المرويّات لتقرِّر فرض عقيدة واحدة (موحدة) على الناس .
يقرِّر الله -تبارك وتعالى- في محكم كتابه أنَّ إرادته اقتضت تنوُّع المعتقد وتعدّده، وأنَّ الذي يحاول جمع الناس على رأيٍ واحد أو عقيدة واحدة يحاول خرق وتحدِّي إرادة الله ونواميس كونه؛ فالاختلاف سنَّة كونيَّة موجودة وباقية أبدا { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين}.
جانب من الحضور
ويوضح القرآن ذلك، وبصورة مطلقة وصريحة؛ إذ يقول الله تبارك وتعالى { لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّين} وهو إعلان لا لبس فيه لإطلاقية حرّيَّة المعتقد؛ إذ جاءت الصيغة -وفق فقهاء اللغة- بأقوى صيغ العموم في اللغة العربيَّة؛ إذ هي نكرة في سياق النفي والنهي معا؛ أي لا إكراه في جميع الصور المتعلقة بحرية المعتقد؛ لا إكراه قبل أن ندخل في الدين، ولا إكراه أثناء وجودنا فيه، ولا إكراه بعد خروجنا منه.
كما يعطي الله جل وعلا في صريح كتابه حريَّة الإيمان والكفر (معا) لعباده {وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} ويذهب القرآن أبعد من ذلك؛ فيخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب لا يخلو عتبا، بل واستنكارا {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِين}.
ولا يخفى ما حمله هذا الأسلوب من استنكار؛ أي ليس لك إكراه الناس على إيمانهم؛ بل لا يعدو دورك إبلاغهم وإنذارهم، أمَّا قرار الإيمان أو الكفر فهم وحدهم المخوّلون باتِّخاذه ويوضح هذا المفهوم ويشرحه في قوله جلَّ وعلا {فذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر} هذا المبدأ الإلهي الذي أعطى الحرّيَّة للإنسان في المعتقد، تتَّضح عموميّته وتجرده -أكثر- حين نرى كيف يستعرض القرآن الكريم حقّ المؤمنين في ممارسة الكفر بعد الإيمان، تماما، مثلما يملك الكفار حقّ الإيمان بعد الكفر، والله وحده -وفق النصّ القرآني- الذي يحقّ له معاقبة المؤمنين بعد الكفر، أو مجازاة الكفَّار بعد الإيمان؛ بمعنى أنَّ الكفر إثم وليس جرما (عكس ما سنرى لاحقا في المرويّات) يقول الله تبارك وتعالى {إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلْإِيمَٰنِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْـًٔا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} ويقول الله {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِين} حتى مصطلح “الردة” الذي استُخدم -لاحقا- في الروايات، وكُيّف له حدٌّ (على غرار الحدود) فإنَّه في القرآن لم يكن إلا جزءا من هذه الحرّيَّة (حريَّة المعتقد) يحقّ للشخص ممارسته، دون أن يتعرَّض لأي عقوبة دنيويَّة {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلـئِكَ أَصْحَابُ النّار هُمْ فِيهَا خَالِدُون}.
أي أنَّ الارتداد عن الدين لا عقوبة فيه، ولا شأن للسلطة -سياسيَّة كانت أو اجتماعيَّة- به، فالإيمان لا سلطة عليه إلا للضمير {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًۢا} حيث يدلّ العطف بـ”ثم” على التراخي؛ أي أن الأمر المعطوف حصل بعد فترة من حصول المعطوف عليه، ويؤكِّد التكرار -كذلك- حصوله أكثر من مرَّة؛ بمعنى أن الكفر حصل بعد الإيمان بفترة، وأنَّ هذا الكفر تكرَّر أكثر من مرَّة، ولو كان هناك عقاب؛ لما كان القرآن أتاح للمرتدّ فرصة الارتداد أكثر من مرَّة، وأتاح له متَّسعا من الوقت بين الردَّة والأخرى.. لكن هذا حقّه الذي أعطاه الله، ولا يحقّ لأيٍ كان مصادرته.
ويقول الله تبارك وتعالى توكيدا للآيات السابقة {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـَٔلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۗ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلْإِيمَٰنِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيل} ويقول كذلك {مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُۥ مُطْمَئِنٌّۢ بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} ليس هذا حصرا لكل الآيات القرآنيَّة، التي تقرّ وتؤكِّد حريَّة المعتقد؛ وإنما هو -فقط- استدلال على هذا المبدأ القرآني الواضح والصريح؛ هذا المبدأ الذي يجعل قضيَّة الإيمان قضيَّة ضمير؛ لا سلطة فيها لأي أنواع من أنواع السلطة.. وإذا كان هذا هو مبدأ الخطاب الإلهي وأساسه؛ فكيف تعاطت المرويَّات مع هذه القضيَّة ؟ وهل -فعلا- ناقضت الخطاب الإلهي؟
تنطلق المرويّات التاريخيَّة من عكس المنطلق القرآني إذ تبدأ من مسلّمة “إلغاء حريَّة المعتقد” مؤكِّدة -عبر سلسلة من المرويّات، يصنّفونها بأنها الأكثر صدقا ودقَّة- بأنَّه لا مجال في هذه الحياة لغير المؤمن، وأن الإنسان لا يقبل منه إلا الإيمان، أو العنق، وأنَّ هذه هي أوامر الله -حاشاه- لنبيه -ص- ( أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّه).
هكذا يقرِّر هذا النصّ أنَّ الله أمر نبيه أن لا يترك للآخرين من خيار، إلا الموت أو الإيمان! وهو ذات المعنى الذي ستتعدَّد المرويات حوله وتختلف؛ فإذا كانت الرواية السابقة تشمل الناس كلهم بما فيهم غير المسلمين؛ فإنَّ مرويات أخرى جاءت خصيصا لتلغي حريَّة المعتقد للمسلمين دون غيرهم! إذ تقول بعض هذه المرويات إنَّه يحقّ لكل إنسان (ليس مسلما) أن يبدِّل دينه؛ أمَّا المسلم فإن ذلك لا يحقّ له، وحين يفعله يكون ثمنه قتله حدّا (في زعمهم) “من بدّل دينه فاقتلوه” ورغم مناقضة معنى هذه الرواية للمبدأ القرآني المقر -دون لبس- مبدأ حريَّة المعتقد للجميع (مسلمين وغير مسلمين) رغم هذا فإن الرواية جاءت حاملة معها لبسا لا يليق بنصٍّ يؤسِّس لحكم بهذا الحجم، وهذه الخطورة (القتل) وإذا كان غالبيَّة التراثيّين قد أخذوا من هذه الرواية وجوب قتل المرتدّ عن الإسلام؛ فإنَّ الرواية لا تقول ذلك؛ وإنما تقول بقتل كل من غير دينه، بغضّ النظر عن طبيعة الدين المغير.. أمَّا أولئك الذين يحتجُّون بأن الدين لا يقصد به إلا الإسلام لقوله تبارك وتعالى { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلَام} فإن محاججتهم مردودة عليهم؛ وذلك لأنَّ الإسلام في الخطاب الإلهي يقصد به كل أتباع الديانات الإبراهيميَّة (اليهوديَّة، المسيحيَّة، الإسلام) يقول الله تبارك وتعالى (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون) ويقول وقوله الحق بشأن قصة غرق فرعون (فلما أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) وبشأن يوسف (رب قد آتيتني من الملك.. توفني مسلما وألحقني بالصالحين) إلى غير ذلك من الآيات التي تؤكد مسلمية كل أتباع الديانات الإبراهيمية، إن لم يكن كل أتباع الديانات الموحدة.
وفي هذا الإطار السابق، إطار محاربة حرية المعتقد تتواتر المرويّات وبنفس المعنى، ملغيَّة أي حريَّة للمعتقد، فارضة عقيدة واحدة “لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثيّب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ” .
هكذا نرى الفرق جليًّا بين الخطاب الإلهي: ذلك الخطاب الذي يؤسِّس لحريَّة المعتقد ويرسّخها ويحميها؛ جاعلا من الإيمان قضيَّة قناعة ذاتيَّة، ليس لبشر التدخل فيها، ولا مراقبتها؛ إنها إرادة الله وسننه في خلقه السيارة إلى يوم الدين {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} وبين مرويّات تراثيَّة: تقوم على أساس محاربة حريَّة المعتقد، والتفتيش في ضمائر الناس، والتدخُّل في قناعاتهم، فأي الخطابين الذي يمكن اعتباره خطابا إسلاميا؛ ذلك الخطاب المتماشي مع الفطرة، والذي جاء من عند الله دون خلاف أو شك..؟! أم ذلك الخطاب الذي أنتجه بشر في سياقات محدَّدة، ولأغراض محدودة، ويتنافى مع إخلاص العبوديَّة لله؛ لأنه يجعل الإيمان إكراها بالقوَّة، وهو ما يؤدِّي -بالضرورة- إلى إنتاج المنافقين، وليس المؤمنين، ويؤدِّي -كذلك- إلى تشويه الإسلام وتصويره دينا أحاديا دكتاتوريا، لا يقبل الاختلاف، ولا يقبل غيره.. وأقول قولي هذا وأسأل الله أن يوفقنا لاتباع قرآنه وأن لا يجعلنا من أولئك الذين سيقول فيهم رسول الله غدا (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا).
أما الدكتور سيدي أنجاي فقد تعرض لتكليف الله رسوله بالإبلاغ وحده دون زيادة أو نقصان، موضحا أن غير القرآن ليس إلا افتراء على الله ورسوله، مستدلا بقوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته والله يعصمك من الناس) وقوله جل وعز (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم) وقوله (لست عليهم بمسيطر) وقوله (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم) موضحا أن رجال الدين اختلقوا دينا موازيا ملؤوه بالمرويات وحرفوا به دين الله وشوهوه.
وفي محاضرة الإمام عبد الله صار بين مفهوم التقوى والبر في القرآن الكريم، وكيف تم تجاوزه من قبل الفقهاء ورجال الدين إلى مجموعة من الشكليات التي لا علاقة لها بالسلوك ولا الأخلاق، وهو ما انعكس سلبا على أخلاق المسلمين؛ إذ أصبح مقياس الاستقامة عندهم منحصر في الأمور الشكلية، واستعرض الإمام قوله تعالى (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون).
وفي نفس المنحى كانت مداخلة الأستاذ الطاهر ولد أحمد الذي تحدث عن عدم تمثيل بعض المسلمين لأخلاقيات وممارسات القرٱن، متأسفا على ابتعاد المسلمين من القرآن، وبنائهم لمتاريس تراثية دونه، شادا على ضرورة مواصلة هذا المشروع الكبير، مشروع إعادة المسلمين إلى القرآن الكريم.
واختتمت الندوة بمداخلة تنويرية قدمها الباحث الطالب ولد محمد تحدث فيها عن ضرورة معرفة المسلمين للإسلام كماهو، لا كما حمله الفقهاء التقليديون من حمولة تراثية تثقل النص الأصل ولا تتمثله..
وحضر الندوة عدد كبير من الأساتذة والباحثين والشخصيات المرجعية في المجتمع الموريتاني .
ووزعت على هامش الندوة نسخ من كتاب “ماهو التكليف الإلهي الذي أمر الله به رسوله الأمين” للمفكر علي محمد الشرفاء الحمادي..