موريتانيا الموازية: المظاهر وآليات المواجهة
كتب الصحفي المصطفى محمد البو :
الزمان أنفو ـ قدلا يدرك الكثيرون – في عصر الثورة الرقمية – أن أغلب الصور النمطية سواء غير المكتملة أو المشوهة حول أي بلد أو الطرح الإعلامي بشكل عام، تتكون عادة من خيوط الشبكة العنكبوتية عبر آراء مشتركة لمجموعة معينة اتجاه أخرى، وكلما كان الاستخدام لها أكبر أي الإنترنت كلما كانت وجهات النظر لهذا الطرف الحاضر أكثر انغراسا على حساب الطرف الغائب.
الحضور على شبكة الإنترنت بمثابة حرس حدود افتراضي يرد على أي محاولة تشويه أو تضخيم أو تقليل، ويُمَكن من طرح الحقائق المجردة، لكن قبل التطرق لآليات الرد والمواجهة، لنتعرف على موريتانيا الموازية التي لا نعرفها، ولم نعش فيها، وتكاد تكون واقعا لكثيرين على الشبكة العنكبوتية من ضحايا التلفيق والتهويل، ولغيابنا التام عن الرد عليها تاركين المجال لهذه الصور المشوهة، ولمن يقف خلفها للانتشار أكثر وحصد مصداقية أكبر…
الأسئلة المعتادة والأجوبة المفضلة حول موريتانيا عبر محركات البحث
السؤال الأول:
لماذا موريتانيا بلد خطير جدا؟
لاحظوا أن السؤال تخطى فرضية خطورة موريتانيا، فأصبح واضحا من خلال صيغته أن البلد خطير فعلا.
هذه الإجابة أو الرد لم نكتبه نحن بل اعتمده غوغل بعد تصويت لمستخدمين مُغيَبِين على رابط لموقع خاص بالبدو حول العالم أو سكان الصحاري عبر العالم فكان كالتالي:
“فقر، وعمليات إرهابية مستمرة، وجرائم وحشية، وعصابات مسلحة تجوب الشوارع، وإذا كنت أوروبيا فأنت معرض للاختطاف والقتل في أية لحظة، حدود البلد كلها غير آمنة وهي بلد متزمت ويفرض لباسا معينا على الأجانب”.
السؤال الثاني:
هل موريتانيا بلد آمن؟
هذا السؤال يعبر أيضا عن الصورة النمطية التي التصقت في أذهان الآخرين عنا مجسدة حالة من الخوف أو التخوف من البلد.
والجواب المفضل عند محرك البحث هذه المرة جواب صحي نظرا لجائحة كورونا، لكنه سلبي كالعادة، فجاء محذرا من أي سفر إلى موريتانيا كونها بلد يشهد تفش خطير لفيروس كورونا
السؤال الثالث
هل يُسمح بالتصوير في موريتانيا؟
هذا السؤال يعكس انطباعا واضحا حول تشبيه موريتانيا بالبلدان المغلقة والمنغلقة، والإجابة عليه تؤكد هذا التحليل، حيث ورد فيها أن قضية التصوير صعبة جدا إن لم تكن محظورة، بفعل الحضور الكبير لرجال الأمن ومراقبتهم الصارمة للأجانب والتضييق عليهم.
السؤال الرابع
عدد العبيد في موريتانيا؟
العبودية في موريتانيا عبارة عن واقع معاش حسب الإنترنت ويصدقون فعلا أن تجارة الرقيق تمارس في وضح النهار في البلاد، ولم يعد السؤال حول وجودها من عدمه، بل تخطى إلى التساؤل عن أعداد العبيد، وأماكن التحفظ عليهم، وأتت الأجوبة بأن البلاد تحوي أكبر نسبة من العبيد في العالم وبأن أكثر من 200 ألف موريتاني ما زالوا مستعبدين بشكل صريح ومحرومين من حريتهم حتى اليوم.
السؤال الخامس
أين موريتانيا؟
سؤال واحد يتكرر كثيرا، وإن بصيغ مختلفة وهو أين موريتانيا؟ وهل هي في غرب أو شمال إفريقيا؟ وهل موريتانيا هي موريشيوس؟
لا يعرف الكثيرون من مستخدمي الإنترنت موقع موريتانيا، فتجدهم يستعينون ببلدان مجاورة لنا لتساعدهم في تحديده، فأحيانا يطلقون علينا البلد المجاور للمغرب أو السنغال.
لم يتم حتى اليوم ضبط الموقع الجغرافي لموريتانيا وهذا ما يفسر غياب معلومة واحدة وثابتة حول هذا الموضوع، فتجدها في غرب القارة تارة، وفي شمالها تارة أخرى، وفي شمال غرب القارة على منصات أخرى مختلفة، أما بالنسبة للخلط بين موريتانيا وموريشيوس فهو شائع جدا، وقد التقيت بأحد مواطني هذا البلد ورد على بشكل دبلوماسي قائلا: إن موريتانيا لا شك بلد جميل، لكن ربما نكون قد استخدمنا الإنترنت أكثر، وأعلنا عن أنفسنا بشكل أفضل، نحن بلد سياحي جدا، وماهرون في جذب السياح إلينا، وبالتالي عندما يسألك محرك البحث “هل تقصد موريشيوس؟” فالسبب تقني يرجع إلى أن السؤال عنا ومحتوانا عليه أكثر منكم”.
موريتانيا في الإعلام الإلكتروني الأجنبي
نظرا لغياب محتوى خاص بنا باللغة الإنجليزية، فإن أغلب وسائل الإعلام الغربية تجد مساحة كبيرة وراحة أكبر في تمرير رسائلها حول بلدنا، والتي تكون سلبية عادة، كما أنها تستخدم كورقة ابتزاز باعتبارها وثائق وحقائق، بينما الحقيقة أنها مجموعة من الأكاذيب يقف خلفها يمين متطرف وإعلام صهيوني أو متعاطف مع الصهيونية، وقد يكون تابعا لبلد عربي علاقاتنا معه متوترة، فيهاجمنا عبر إعلام غربي لكنه يموله فيوجهه متى شاء.
عناوين إخبارية عن موريتانيا
لفت انتباهي أن بعض العناوين عن موريتانيا تحمل شحنة من التشويق والغموض، وكأنهم اكتشفوا سرا كنا نخفيه لقرون عن العالم فتجدها…
The untold truth about slavery in Mauritania
The unspeakable story about human rights in Mauritania
Slavery and its silent victims in Mauritania
خلف هذه العناوين على البي بي سي و الغارديان وفوا نيوز(قصص لم تُروَ عن العبودية وحقوق الإنسان في موريتانيا) فقرات موغلة في التضليل والتضخيم، وتتضمن إحصائيات غريبة أيضا، حتى أنهم لم يراجعوا أيا من المنظمات المناهضة للعبودية في البلاد، واختاروا اعتماد معلومات كاذبة يكونون هم مصدرها أو يحيلونها إلى نشطاء مقيمين في الخارج يعتمدون على التهويل والخداع من أجل الموافقة على حصولهم على اللجوء في تلك البلدان، فهم يخافون حسب ادعائهم من العودة حتى لا يتم استعبادهم في موريتانيا، ويبدو أن إدارة بايدن قد انتبهت إلى هذه القضية وبدأت في ترحيلهم إلى البلاد لانتفاء شروط اللجوء عنهم.
ويعتبر تقرير Mauritania: Slavery’s last stronghold “موريتانيا آخر معاقل العبودية” الذي بثته قناة السي أن أن من التقارير المتحاملة على البلاد، والذي أظهر موريتانيا كسوق نخاسة كبير في مكان مجهول في الصحراء الكبرى، حيث لا وجود لأي نوع من أنواع الحياة أو مظاهر الإقبال عليها، وكأن كل إمكانيات الفريق الهائلة تركزت على تغييب أي صوت متفائل أو موضوعي حول الظاهرة مع إعطاء المساحة الأكبر للغبار والجفاف، ولمن أطلقت عليهم الضحايا، والذين من الواضح أنه تم تلقينهم فإن كانوا ضحايا فعلا فقد أصبحوا ضحايا مرة أخرى لنوع جديد من العبودية الذهنية التي راح ضحيتها الكثيرون بفعل تجار القضية الذين ربحوا ماديا عبر تحويلات بنكية ومعنويا عبر شهادات فخرية مزيفة.
عندما يستخدم الإعلام الغربي عبارة Islamic state أو دولة إسلامية للتعريف بموريتانيا فهم يقصدون معنى مختلفا تماما عن الترجمة الحرفية، معنى يحمل شحنات من التزمت والتعصب والتطرف لأن هذا ما تعنيه العبارة في أبجدياتهم الإعلامية، وقد استخدموها في تغطيات وتقارير مختلفة، مما يعني أننا لسنا البلد المنفتح والمضياف الذي نعتقد أن الآخرين يروننا عليه.
كموريتاني أبحث عن بلدي على الإنترنت كنوع من الفضول لأرى أهم انطباعات الأجانب حول البلد وأهم المواضيع التي لفتت انتباه وسائل الإعلام الأجنبية، للأسف ليس من بينها مناظرنا السياحية أو ثرواتنا الطبيعية أو تاريخنا أو ثقافتنا وإنما تربّع موضوعان على قائمة الأكثر بحثا واهتماما حول البلاد وهما:
Force-feeding and Slavery
يعتبر التسمين القسري أو لبلوح والعبودية من أكثر القضايا التي تشغل الأجانب حول موريتانيا، وقد تناولها الإعلام الغربي في مناسبات عديدة، ولهذا الأمر مبررات من أهمها الغياب التام للمحتوى الجاد وبلغات مختلفة والفوضوية الكبيرة في الوصول للمعلومات وإقصاء الخبراء والمتخصصين في المجال.
إذن موريتانيا باختصار في نظر أصحاب العيون الزرقاء الذين يتحكمون بالإعلام العالمي تمويلا وتوجيها، بلد استعبادي متزمت منغلق فقير جدا لا وجود فيه لأي مظهر من مظاهر الحياة العصرية، يكره الأجانب خاصة الغربيين بشكل كبير ويفرض على النساء الأجنبيات لباسا خاصا، بلد متخلف يطبق التسمين القسري على الفتيات ويحظر التصوير والحياة بشكل عام ولا يُنصح أبدا بالسفر إليه لأنه بلد خطير جدا جدا”.
هذه الصور النمطية ستستمر لكن لها حل بالتأكيد قد يساعد في التخفيف من التشوه الذي تسببت فيه أو الاقتراب من تفكيك المُتخيل عنا، وهذا الحل يكمن في خطوات بسيطة وهي:
- تخطي حاجز اللغة من خلال تأسيس منصات ناطقة بلغات مختلفة.
-
الحرص على الحضور المكثف للندوات والمؤتمرات والتعبير عن وجهة نظرنا فيها.
-
الحرص على الاتصال بأي جهة تنشر خبرا كاذبا عن البلاد وتصحيحه لها.
-
بدل انتظار الآخر حتى يتحدث عنا، نقدم نحن أنفسنا للعالم عبر وسائل إعلام مختلفة.
-
اختيار متخصصين في الإعلام والترجمة للإشراف على مواجهة الصور النمطية حول البلاد.
-
دعوة إعلاميين أجانب لمنتديات في البلاد ليتعرفوا عليها أكثر ويلتقوا المثقفين والنخبة.
-
تنظيم منتديات للتبادل الإعلامي والثقافي بين موريتانيا ودول غربية.
العالم أصبح فعلا قرية واحدة، لكن هذا من النحية التقنية، لكن من الناحية الإعلامية هناك انشطارية حتمية وأبدية، وهي “نحن والآخر” “وهذا الآخر” هو نحن في نظرهم، وسيستمرون في استنساخ الصور النمطية عنا، وبناء المُتخيل السلبي حول حضارتنا وثقافتنا، وعليه حان الوقت لنستيقظ ونستخدم نفس الأدوات في هذه المواجهة، وإن بطرق مختلفة عنهم، فنحن لا نريد سوى تصحيح المفاهيم المغلوطة حولنا، والرد على الأخبار المزيفة، والحرص على عدم السماح لأي جهة بالتحدث نيابة عنا.