جامعة العلوم الاسلامية بلعيون تشارك في ندوة دولية في مدينة ليل بالشمال الفرنسي حول “تجديد الخطاب الإسلامي في الغرب من أجل تعزيز الحوار والعيش المشترك”
يشارك نائب رئيس جامعة العلوم الاسلامية بلعيون د. محمدو ولد المرابط في الندوة الدولية المنظمة في مدينة ليل-الفرنسية، من7-9 يونيو 2013، وذلك بمناسبة الاحتفاء بالمدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية 1434هـ/2013م. من طرف المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ومعهد ابن سينا للعلوم الإنسانية، حول موضوع: “
تجديد الخطاب الإسلامي في الغرب من أجل تعزيز الحوار والعيش المشترك”، حيث قدم بحثا تحت عنوان: “دور المسلمين في الحوار بين الحضارات في ظل التنوع الثقافي”،أستهله بمقدمة ذكر فيها أن العالم الإسلامي والغرب المسيحي توجد يبينهما قواسم مشتركة،يمكن معها إيجاد بِساط من العيش والتعاون، وان تجديد الخطاب الإسلامي بضوابطه أمر مشروع وجائز. بل قد يرقى إلى درجة اللزوم والوجوب،وذلك بحسب متطلبات الواقع ودرجات الاضطرار والاحتياج إليه. لأن الاجتهاد الفقهي بالمعنى التخصصي الدقيق من المستلزمات في كل زمان ومكان،إذ تقتضيه الحياة وتجددها وتطورها مع حركة الإنسان. ومن ثم فهو ضرورة شرعية دينية وحاجة إنسانية واقعية. واليوم فقد أصبح الخطاب الإسلامي “الحضاري” أكثر نضجاً وإدراكاً لحاجاته الحقيقية،وأكثر تفهُّماً للواقع الإسلامي والعالمي،وعنده من المرونة ما تجعله على استعداد لتقبل التجديد والتطوير،وهو ما انعكس على رؤيته للغرب التي نلمس فيها تطورا وتحسنا وتأكيدا على الحوار والتعايش السلمي بين الثقافات،بعيدا عن إيديولوجيا العولمة،بعد أن أصبح العالم أمام إشكالية مستعصية تتمثل في “عصر العولمة ومسألة تزييف الثقافة و أدلجتها”. ومن هذا المنطلق وقف الباحث في المحور الأول على معاني بعض المفاهيم وتأصيلها مثل: ـ الحضارة والثقافة والتنوع الثقافي،وكيف أن مصطلح ثقافة يرتبط بمجتمع معيَن ومحدد الهوية، في حين أن مصطلح (حضارة) يُستخدم ليشير إلى مجموعات أكثر اتساعا وأكثر شمولا في الزمان والمكان،وأن كل حضارة هي ثقافة،وليست كل ثقافة حضارة،وبين أن عملية التثاقف بين المجتمعات تتم طوعا أو قسرا وهذا هو البعد الإشكالي للثقافة المتمثل في أنها نتاج تصادم الجماعات من جهة وحوار الثقافات والحضارات من جهة أخرى.وأن هذا البعد الإشكالي في الثقافة رافقه ما يمكن أن نطلق عليه “الأوهام الثقافية”التي تولدت عنها مقولات نهاية التاريخ،وصدام الحضارات،وثالوث القوة(العنف،الثروة،المعرفة) المتمثل في امتلاك مصادر المعرفة وحرمان الآخرين منها. وسلط الباحث الضوء على:التنوع الثقافي وحوار الحضارات، وجزم أنه لا يمكن تصور حوار حقيقي بين الثقافات والحضارات إذا لم يكن هناك اقرار بمبدإ التنوع الثقافي، مبينا في النقطة الثالثة من المحور الأول المتعلقة بالحضارة الاسلامية والتنوع الثقافي، ان الحضارة الاسلامية اتسمت بتعاملها الإيجابي مع التعدد والتنوع في الدولة الإسلامية،حيث عمل المسلمون على وحدة قائمة على التنوع والقبول به باعتباره فطرة إنسانية،وخُلُق إسلامي ومظهر إيجابي من مظاهر الإسلام الذي يؤكد على قيم الحوار وأدب الخلاف،لما في ذلك من انصاف للخصم واحترام للرأي الآخر وتفضيل لأسس التنوع الثقافي. وبما أن العولمة تعتبر من أهم التحديات التي يواجهها التنوع الثقافي تطرق الباحث لإشكالية: ـالتنوع الثقافي والعولمة،وبين انه بالرغم مما تنطوي عليه العولمة من الايجابيات إلا انها تمثل في واقع الأمر تحديا حقيقيا للموروث الانساني المشترك لأن التنوع الثقافي يدل على غنى العطاء الفكري للعقول البشرية على اختلاف ظروفها وبيئاتها،عكس العولمة التي تسعى الى فرض نموذج ثقافي واحد مهيمن يلغي النماذج الثقافية المتنوعة الأخرى. ـوفي المحور الثاني من البحث حدد الباحث مفهوم الحوار باعتباره أنجع أساليب الخطاب بين الحضارات والأديان والثقافات المختلفة،مبينا: ـمعنى ذلك الحوار وطرقه الناجعة،ومكانته في الدين الإسلامي،انطلاقا من أن الأديان لا تصنع الحروب،لأن الإسلام والمسيحية والديانات الأخرى لم تدخل في صراع بأنماطها المقدسة أي بالنصوص الكتابية المنزلة بل المؤسسات التي تمثلها،وهي نقطة جوهرية محط الانتباه والتأكيد لأن الصدام الحضاري الذي يتحدث عنه البعض،ليس صداما حول المسيح (عليه السلام) أو محمد(صلى الله عليه وسلم)،بل هو صراع بالقوة على الثروة والنفوذ،وفي هذا المجال بين الباحث ان المسلمين ادركوا طبيعة دينهم وعالمية رسالته،فقاموا يدعون الناس إلى هديه،فبدأ الحوار بين المسلمين ومشركي قريش،وسجل القرآن نماذج كثيرة – استعرض الباحث أمثلة منها – من هذه الحوارات التي تولى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم الرد على المشركين. واكد الباحث في خاتمة البحث ان الوقائع الدالة على التجديد أكثر من أن تحصى،من ذلك ظهور المجددين من أعلام الفقه والفكر الإسلاميين على مر عصور تاريخ المسلمين،وقيام المؤسسات الإسلامية المعاصرة التي نهضت بمشروع التجديد والاجتهاد في مجالات الحياة المختلفة.ثم إن التجديد تحتمه طبيعة الحياة وضرورات الحوار والتواصل والتفاعل مع الآخر.وان التجديد في الدين الإسلامي حقيقة شرعية،وضرورة إنسانيه،وله ضوابطه ومجالاته،وان على الدول ان تعمل على: ـ تعزيز مبدإ الحوار بين مكونات المجتمع العربي والإسلامي والمجتمعات الغربية، ـ وتفعيل القوانين والتشريعات والنظم الدولية والإقليمية والمحلية المتعلقة بالتنوع الثقافي، ـ إعادة النظر فيها،مع التأكيد على احترام المجتمعات والأفراد،وعدم المساس برموزها الاجتماعية والدينية، ـ وتشجيع البرامج والخطط والمشاريع الخاصة بإدماج التراث الثقافي بالتنمية من خلال الاهتمام بالسياحة الثقافية وتوفير مستلزمات تنميتها،وتعزيز مساهمات العلماء والمفكرين والأكاديميين والمشايخ والمجتمع المدني ودعم دورهم في الحوار الثقافي والحضاري، ـ والتصدي للتيارات الهادفة إلى الاستغلال السلبي للتنوع الثقافي، ـ والاهتمام بالثقافة الشعبية من خلال إظهار الجوانب الثقافية الداعمة للتنوع الثقافي واحترام سمات الهوية الوطنية،بالإضافة إلى تشجيع المؤسسات والهيئات والقطاع الخاص للمشاركة في الأنشطة الثقافية والحضارية وإحياء التراث الإسلامي، ـ فتح نوافذ الحوار الفكري والثقافي مع كافة المجتمعات بالمشاركة في المعارض والفعاليات الدولية،والعمل على تضمين المناهج الدراسية مفاهيم ومضامين التنوع الثقافي، ـ وتشجيع وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي على إنتاج برامج توعوية هدفها زيادة الوعي بقضايا التنوع الثقافي.