عباس ابراهام يكتب تضامنا مع المستشار المفصول
الزمان أنفو _:في 2010 كتبتُ مقالاً بعنوان “يوبيل التقهقر” كان بمناسبة نصف قرن على الاستقلال. وبعكس مذهب الطبقة السياسيّة الصاعِدة في تلك الفترة، بما فيها رجالات ولد عبد العزيز، الذين أقبلت عليهم الدنيا في تلك الأيام، فإنّ تصوّري للحصيلة الموريتانية كان متشائماً. كان ممن انتبَه إلى تشاؤمي أحمد ولد هارون ولد الشيخ سيديّ، الذي كتَبَ في تلك الفترة مقالاً متماسِكاً اختارَ فيه أنْ يقِف بين المتشائمين من أمثالي وبين المتفائلين من جماعة عزيز.
أحمد- إذا أذن لي بتجريد اسمِه فإنّما أفعَل ذلك عن تقرّب ومودّة- كان دوماً حصيفاً وحاذِقاً؛ وكنتُ أنتبِه له من بين الكثيرين. لقد مضت على تلك الأيام الآن أكثَر من عشر سنوات. يبدو لي بالاستماع إلى مداخلاته أنّه قد أصبَح- مثلي- متشائماً. طبعاً لا أروم بهذا التفنيد؛ فأحمد كان للأمانة واعِياً دوماً بالتحديّات المطروحة للمشروع الموريتاني. وإنّما أنا سعيد بأن أستشعِر أنّ الأوساط المحترِفة في الإدارة أو في المستشارين تشعر بألم الوضع. طبعاً لا يُعجِبني أنّ هذه الطبقة، التي يجب أن تكون ضمير الدولة، الذي يخزُها من الداخِل، ما زالت تدفع ثمن رأيها، أي ثمن دورِها، الذي يُستبدَل بدورٍ آخر لا علاقة له بها: التبرير والتطويع.
الناقوس الذي ضرَبَه أحمد هو ناقوس حقيقي. إنّ نظام غزواني الذي يُسيّر البلد كما لو أنّه طبيعي ولا يحتاج إلى تغيير وتثوير، ليس فقط نظاماً مُفلِساً، بل لا يمتلِك حتّى الأدوات لفهم ما يُفترَضُ أنّه يمارِسُه، ولا يفهَم اللحظات التاريخيّة التي يمرّ بها، مثله مثل النظام الذي سبقَه.
أودّ أنْ أتضامن مع أحمد، وإنْ كان التضامُن قد مُيّع بهذه الأرض. آمل أن يجد الرأي سوسيولوجيا جديدة يمكِنُه أنْ ينهَضَ بها ويعود لممارسة دورِه. لقد استبدِل أهل الرأي بالمُمجِّدين؛ وفي نفس الوقت لم يعد الرأي، وبالأخصّ الرأي الثاقِب يُمؤسَس في التغيير، في تحسين حياة الناس. ولهذا فإن البلد يبدو كسفينة تغرق. لقد حاول خيرة أهل الرأي الذين عرفتهم توجيه السفينة من الداخِل، بإعطائها برنامجاً ولغة وبالهمس الدؤوب في أذنِها. ولكن السلطة تحتاج بُنية وذاتاً وعزيمة وأشخاصاً بحجم التحدّيات. التغيير يحتاج حقيقيين، لا زائفين. فليكُن شعار التشاؤم هو نصيحة ابن المُقفّع: “لا تلتَمِس تقويم ما لا يَسْتَقيم، فإنّ الحجر الصّلب الذي لا ينقطع لا تجرب عليه السيوف، والعود الذي لا ينحنى لا تُعمَل منه القوس”.
يتواصَل النضال!