معلقة الرحيل/ناجي محمد الإمام

من موقع الشاعر نختار إحدى روائعه الخالدة نزولا عند رغبة بعض أصدقاء الزمان:

أزفتْ …:

(مُعَلَّقَــــــــــــــةُ الرحيل)

هاهي ذي أزفتْ وحان الموعدُ

                 وذوى الحنين ونام عنا الفرقد

هاهي ذي أزفت ولاتَ الملتقى

                   لم يبــق للقيا ،فتاتي، مقعـــدُ

إن الهيام وإن لهيـــــــب أُوَارِه

                لفح القلوبَ فسوف يخبو الموقد

أنا مَنْ سَبَتْ كُلُّ الخرائدِ لُبَّـهُ

                  أنا مَنْ لَحَاهُ علـي هواهُ الحُسّد

عُلقتُ كلَّ جميلة.. وأصيلةٍ

                 عندَ الغديرغَــذَا  كُلاها الأَيْبَــــدُ

أطعمتهن سديفها ،وشــواءُها

                    يُخْبِي الجحيمَ قَــتارُهُ المتلبـدُ

أنا يا بثينـــة مترع بمـــــصــائبي

                   ومشـــاعري هَمٌّ ويَمٌّ مُزْبِـــــدُ

أنا يا أميرة شمــعة مصلوبـــــــة

                   أنـا مهجة حَـرَّى وقلبٌ مُسْهَـدُ

أنا شاعر حمل الجمال له الــرؤى

                 أنـــــا من أتاه بما أتـاه  الهدهد

أنا يا بثينة رغم كل شراســـتي

                  طفــــــل يغــــط  وناسك يتعبـد

أنا يا أميمة رغم هول خسارتي

                  حرب الطغاة لدى النزال السيـد

عذراً، ربابُ، إذا قطفتُ، دَريرَةً

                       شفةً تمور وناهـدا يــتلــدَّدُ

إني ، ربابُ، إذا تناهشني الظُّبا

                 أحمي الظِّبا فأنا القويُّ القِسْــوَدُ

عذرا حذام إذا صَليت بنزوة

                       مهراً يـــــنزُّ وثائراً يتمــــرد

ولقد ظفرتُ، قطام، بالحصن الذي

                      في سفحه أُسْدُ الوغى تتـردد

فعفوتُ، سيدتي، وتلك مـــــــروءة

                     عزّت كما عزّ الكَمــيُّ الأصْيَـد

وحملت هودجك الأصيل وناقتي ال

                   ربداء منهلها الحمي و المربـد

مهلاً، قطام، فلستُ أملك مهربا

                   إني إليك ، وإن كرهتُ ، مُقيــد

لكنني و يدي التي صحبت يَدَيـــْ

                  كِ مدى الحنين علي فؤادي ترقد

آليـــتُ،و الأمَلُ المُقَـَيدُ شاهـدٌ

                   والحالُ يشهــــد والشجون العُوَّدُ

أن أستفك مشاعري من قيدهــا

                   والقلبُ إن ملك العواطف يـصمد

إن الحســــام وإنْ تجرّد مشرعا

                     مهما استدام به الجلادُ سيغمـدُ

كم ثورة في العشق يصلاها الفتى

                   خمـــــدتْ وكان يظـنها لا تخمدُ

همدتْ لظى جمر الغضا من بعدمــا

                 وَلَعَــــتْ وكان يخالـــها لا تهـــمدُ

تتغـنجيــن كبــانة مســـــــــحورة

                    ولقدْ ســلوتُ ،كما سَـبـيْتِ،زُمُرُّدُ

عُذراً، خُناسُ ، فلستِ غير قصيدة

                    إنّ القصائد غضةً  تَتَــــــــــــأَ وّدُ

مهلاً, بثينةُ ، كُنْتِهَا، أنشــــــودةً

                     وكذا القريضُ إذا رعتْـــهُ الخــرَّدُ

و الشعر، فاتنتي ، غزالٌ أهيـــفٌ

                      يخضلُّ من بَرَدِ الغمائم أُ مْلُـــــد

يمضي الرُّخاءُعلي رخاءٍ خَلْفَـــهُ

                             وأميمةٌ ، وتَغارُمنه مَهْدَدُ

أَبَداً.. تَرَي وَهَجَ الحديث يُذِيبُني

                            قلْ : إنما أنا شاعرٌ يتفصَّـدُ

يتألَّــقُ الوجعُ اللذيذُ بمَفْـــــــرِقيِ

                          شعراً يرتلـه السُّهَي و السرمدُ

أحْسو الطلاء، و أحتسي عطر الطلا

                           وأُرجِّع النغـَــــم الذي لا ينـــفدُ

ولقد بعــــــثتُ مع الصدى أنشودة

                          نشوى الحروف بها يُصَلّي العُبَّدُ

ورأيتُ في الملإ الرحى، فعرفتــــهُ

                            قطبَ الرحا وإذا مداهُ   الصيخدُ

ورأيتُ مهداً راءَ حدْسي .غوثُــه

                            وجــهٌ يُطِلُّ من الغمامة أمــــــردُ

يتأزر الحلم الســـعيد بشاشـــةً

                        تُصحي الشموسَ وحين يصحوتسْجدُ

ولقد جثوتُ تَجِلَّةً لنــــــــــقائه

                            وليَ المـــــقامةُ و الظليـــلُ الأبردُ

أنا من رموشك قد جَبلتُ عيونه

                                وحللـتُ فيه كما يَحِلُّ الصرخد

جل الكلام أتفقهين جلالــــــــــــه

                               إن الحروف غريمتي، قدْ تُعبَــدُ

غَدْراً، قطام، قبسْتِ من أنفاسه

                                راودتـــه ، أتراودينَ ويشهـــد

أوَّاه من زمن الرذيلة كم يــــدٍ

                                   بيضاء يحكمها فؤادٌ أســود

إني أخاف علي الظباء من الظما

                              النبع غيضَ فمن يـــكون الموردُ

إني عليك أخاف منك لأنـــــــني

                                 أنا يا بثينةُ حين أكرهُ أجــــــــودُ

إني الغرامُ ، رَسيسُهُ ، وحَسيسُهُ

                                   و سَقامُه، وأنا الهُيامُ المُفـــئِدُ

وعلي هواك مضتْ ليالٍ خلــتها

                                    حُبــًّا  يدومُ وجـــذوة لا تخمـد

أبداً أُحدِّقُ في محــــــاجر قاتلي

                                    غرقاً و دائي مُــــنتهاهُ المفصـد

لم يُبْقِ لي ألمُ القضية مضــغة

                                   تهـــفو إذا خطر الأغنّ الأغــيـــد

أبقى ليّ الوطن الجريح حشاشةً

                                    كَـــلْمَى يطاردها زنيمٌ  أبلـــــــــدُ

أَغداً أراك لقد حزمتُ حقائبــــي

                                 فالســـــبلُ تـــُبْعِدُ و الزمانُ يبـــــــدِّدُ

ربَّاهُ ! قد بلغ الزُّبى سيلُ الجفا

                              أَغـــداً نكون؟ أَيُخــلِفُ الـــوعـــــدَ الغـدُ

أغدًا يعود إلي البلاد بهـــــاؤها

                                 ليقـــودها الشـــعب العظـــيم الأمجـدُ

وغداً نصوغُ سبائكاً أحـــلامَنا

                               مثل الــــجمان غــــلا حــــــُلاهُ زبـرجـد

وغدًا نُهوضُ بلادنا و وَقـــــودُهُ

                                أرواحــــنا وشــــــبابُنا المتجـــــــــــدِّ دُ

و غداً يسودُ العدلُ كيما ينقضي

                             ظـــلمُ الـــــــعبيد وما جنـــــــاهُ الســـَّـيِّــدُ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى