سقطة الأوقية.. / محمد لمين ولد محمودي
كان لابد أن يسقط ولد الرايس (شفاه الله) في ذكرى أربعينية الأوقية الموريتانية حتى يقدم لنا العملة الوطنية على حقيقتها فقد سقطت ثم سقطت حتى ملت السقوط فارتأى تكرما منه أن يسقط نيابة عنها في هذه الذكرى العظيمة…
التراجع المستمر لقيمة العملة الوطنية لا أفهم أسبابه ولكنني كغيري من الناس اكتوى بعواقبه على ما أعتقد.. الشيء المؤكد انه مع بداية ظهور الصحافة الحرة كنا نتقاضى كمحررين متحمسين عشرة آلاف أوقية شهريا عن ثلاثين يوما من العمل والبحث والتحري في عالم لم يرتبط بعد كما هو اليوم، وبهذا المبلغ كان يمكننا تحقيق الكثير، فبعضنا كان ينعت بأنه ثري براتب أهم قليلا من هذا الراتب.
رجال الإعلام كانوا نخبة البلد وطبعا يتمايزون تبعا لكم يعرف كل واحد منهم من الساسة، غير أن المهم هنا أن القاعدة العريضة تعيش على الراتب المذكور.. ومع تراجع قيمة العملة الموريتانية تحول مثل هذا المبلغ إلى لاشيء دون أن نعرف لماذا! .. مشكلتي شخصيا مع عدم فهم الأمر بسيطة وهي أنني لا أصدق الرسميين ولا يمكن أن أصدقهم، فبعد كل انقلاب (الوسيلة الوحيدة للتناوب على السلطة) يبدأ النظام الجديد بذم الذي قبله وسياساته “التدميرية” معتمدا في حملته على نفس الأشخاص الذين وضعوا تلك السياسات، التي لم تكن تدميرية بالأمس صباحا.. يتحدثون عن أنهم كانوا ينفذون مكرهين خططا اقتصادية ضارة وطبعا لم يعترف أحد منهم بأنه كان ينفذ بسبب الإغراء وليس التحذير، والأمران في النهاية يؤديان إلى “النصب” كما هو معروف عند اللغويين.. والأكيد أن لا أحد منهم سيجن ليعلن أنه مازال يقوم بنفس الشيء في ظل الحاكم الموجود في السلطة.. في الجانب الآخر لم تقدم لي المعارضة إلا محللا ماليا واحدا هو أحمد ولد الأفضل وعليه فلا يمكن أن أشكل قناعاتي اعتمادا على رأي رجل واحد لا يتحدث عن الحكام إلا كشر مستطير، طبعا مع ما يتخلل فترات النضال من استراحات خارج جماعة احمد ولد داداه.. السيد الأفضل أحد أفضل المحللين الماليين في البلد لكن كان سيكون أكثر إقناعا لي لو أنه مرة ثمن مشروعا نفذه هيداله أو معاوية أو أي رئيس آخر.
وبما أنني لم أتمكن من فهم قصة العملة، “الصعبة” من حيث توزيعها بين الموريتانيين، الرخيصة حسب أهل المال.. إلا أنني بدأت أعي الأمر.. فقد لاحظت أن راتب صديق لي يزيد باستمرار.. حتى غدت هذه الزيادة عادة يرتب علي أساسها أموره، في بعض الأحيان يقرر أنه سيشتري تلفزيونا بالزيادة المقبلة، ودراجة بالتي بعدها إلى غيره مع أن الراتب من حيث أصله مازال يراوح مكانه، لم يزد ولم ينقص، لكن بما أنه يتبع لبعثة أجنبيه يتم تحويل راتبه بالدولار الأمريكي، وحين يتحول إلى الأوقية يصبح شيئا آخر غير ما كان عليه بالأمس في الخارج وغير ما كان عليه في الداخل نهاية الشهر الماضي… عندها فهمت وتأكدت أن عملتنا في تراجع مستمر وقاتل للمتعاملين بها أي أفراد الشعب الموريتاني.
الأكيد أن الذنب ليس ذنب الأوقية فهي موجودة بكميات كبيرة لكن الضامن لها على ما أعتقد هو الاقتصاد، والاقتصاد هو الثروة، والثروة تقاسمتها مجموعة قليلة من الناس وتركت للبقية شيئا واحدا هو حرية التأمل في مسارات الأرجوحة التي تمتطيها عملتنا الوطنية… على كل، وقد بلغت العملة أشدها وبلغت أربعين سنة فلا أعتقد أن خيرها غلب على شرها ولا نفعها غلب على ضرها والله أعلم..
بقلم: محمد لمين ولد محمودي (خاص “أقلام”)