دور الإعلام في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان
يجمع الإعلام بحقوق الإنسان علاقة عضوية، فبغير حرية الرأي والتعبير، لا سبيل لنهوض إعلامي قوي ومؤثر.. كذلك فإنه بدون تبني الإعلام نشر ثقافة حقوق الإنسان.. تظل حقوق الإنسان مجرد غايات نخبوية، ولا تتحول إلى مطالب وبرامج ينشد الرأي العام تحقيقها.
كما تعزز هذا الترابط عبر التحولات العميقة التي شهدتها منظومة حقوق الإنسان بدءاً من تغلغلها في كل نواحي الحياة بتعزيز ارتباطها بالتنمية، والديمقراطية، ونظم العدالة وغيرها من المبادئ السامية، ومروراً بسياقات تطور آلياتها التنظيمية وانتزاعها مساحات متزايدة من سلطات الدولة الوطنية بنقلها من السيادة الوطنية إلى الشأن العام، ووصولاً إلى تنامي “المشروطية الدولية” التي تربط المعونات والتعاون الدولي بالتقدم على مسار حقوق الإنسان.
كما تعزز هذا الترابط أيضاً عبر التطورات المتسارعة في تقنيات الإعلام، بظهور الفضائيات، والإعلام الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي، وشبكة المعلومات الدولية، وإعلام المواطن، وتحول الإعلام إلى صناعة كبرى.
وتشدد منظمة اليونسكو العالمية على أربع ركائز رئيسية لضمان حرية وسائل الإعلام وهي: حرية وسائل الإعلام، وتعدديتها، واستقلالها، وسلامة المراسلين الصحفيين، ويتخلل تحليلها لهذه الركائز الأربعة مراعاة وسائل الإعلام الرقمية، والمساواة بين الجنسين.
في سياق حرية الإعلام:
يخلص أحدث تقرير“ لليونسكو“(1) والصادر في شهر يوليو 2018 إلى أن التحولات السريعة السياسية والتكنولوجية والاقتصادية التي حصلت في السنوات الأخيرة فرضت ضغوطاً جديدة على حرية وسائل الإعلام، وزيادة السياسيات التسلطية استناداً إلى مبررات من بينها الأمن القومي لتكثيف الرصد المتزايد للمعلومات والتي تتردد فى الإنترنت، والمطالبة أيضاً بنزع هذه المعلومات. ولا يقتصر ذلك في كثير من الحالات على معلومات لها صلة بخطاب الكراهية أو التطرف العنيف والإرهاب، بل ويشمل ذلك موضوعات سياسية مشروعة.
كذلك، حدث تزايد في حالات اقتحام الخصوصيات، وانتشار الرقابة الكثيفة والتعسفية، وتمثل هذه الأمور مصدر تهديد لمصادر الحماية الصحفية، وخرقاً للخصوصيات والتي تعتبرها الأمم المتحدة إحدى وسائل التمكين لحرية الرأي والتعبير، وفضلاً عن ذلك فقد حصلت زيادة كبيرة في أفعال الحجب والفرز لمضامين الإنترنت، كما ظهر اتجاه متنامٍ في عمليات إغلاق لوسائل التواصل الاجتماعي أو لشبكات الهواتف المحمولة أو للمنفذ الوطني إلى الإنترنت، وقد أدان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (بالقرار رقم A/ HRC /32/ L.20 هذه الممارسات بشكل قاطع، إذ تمثل تقييدات لحرية التعبير والحق في الانتفاع بالمعلومات، ولها تأثيرات كبيرة اجتماعية وسياسية واقتصادية.
وفي كل ذلك تفرض قيود على المسئولية القانونية التقليدية المحدودة التي تتحملها شركات الإنترنت عن المضامين التي ينشرها مستخدمو الإنترنت، وقد كانت هذه المسئولية المحدودة على وجه العموم عاملاً إيجابياً لحرية تدفق المعلومات، ومع أنه يجري تسليط الأضواء على الجهات الرقابية التابعة لشركات الإنترنت، فإن هذه الشركات لاتزال متميزة عن شركات وسائل الإعلام التي تنتج أغلب مضامينها إذ تضع بنفسها حدود خصوصيتها ومعاييرها للتعبير وسياستها في انتهاج الشفافية.
وفي سياق تعددية وسائل الإعلام:
حدث توسع في النفاذ لوسائل الإعلام، إذ أصبح نحو نصف سكان العالم يتمتعون بالنفاذ إلى الإنترنت، كما ضاعف البث التلفزيوني المعتمد على الأقمار الصناعية، والانتقال إلى النظام الرقمي من عدد القنوات التي ينفذ الأفراد إليها، ومنذ عام 2012 ازدادت إتاحة مضامين وسائل الإعلام ازدياداً هائلاً، ويعزي معظمه إلى ما يضعه المستخدمون لهذه الشبكات من المضامين ومشاركتها. وفي يناير 2017 أحصت ”موسوعة ويكيبيديا“ عدداً من المقالات يساوي تقريباً ضعف العدد الذي أحصى في يناير 2012، وصاحب هذا الاتجاه تنوع مطرد في المضمون وزيادة في المساهمات الموضوعية بلغات غير الإنجليزية. ولكن واكب هذه الاتجاهات حضور شكل من الضوابط مما سماه البعض “التعددية المستقطبة” من خلال إتاحة انواع متعددة من المعلومات والبرامج مع قصر النفاذ على جوانب محددة منها، وظهور ما يسمى “غرفة الصدى” و”فقاعات الترشح”، خاصة في المناسبات الانتخابية. وما يصاحبها من تكاثر “الأخبار الملفقة”. كذلك استمر الاضطراب في النماذج التقليدية لوسائل الإعلام الإخبارية، فانخفض تداول الصحف المطبوعة في جميع أنحاء العالم وظهرت أنماط جديدة من الملكية المتبادلة، باستثناء منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
في سياق استقلال وسائل الإعلام:
لاحظ تقرير اليونسكو أن الإعلام يخضع لمزيد من الضغوط بسب ترابطات معقدة بين السلطة السياسية والسلطات التنظيمية، وفي محاولات التأثير في وسائل الإعلام وفي الصحافة، أو نزع الطابع الشرعي عنها، وكذلك تقلصت الميزانيات في المؤسسات الإعلامية، وتبرز تجليلات ذلك في عدد من المؤشرات أبرزها: تراجع ثقة الجمهور بوسائل الإعلام، وزيادة التبعية للحكومات، وكذا زيادة اعتماد الإعلام على إعلانات الشركات في بعض الظروف، مما يثير القلق على استقلال التحرير، كما لوحظ في جميع المناطق أن الاستقلال الذاتي للجهات التنظيمية المستقلة تتعرض للضغط، ويفتقر ترخيص مشغلي الإذاعات إلى الشفافية ولا تزال تحركه المصالح السياسية والتجارية بدلاً من المصلحة العامة.
في سياق سلامة الصحفيين:
يرصد تقرير اليونسكو مقتل 530 صحفياً خلال الفترة من عام 2012 حتى عام 2016 بمعدل قتل إثنين أسبوعياً، ويبقى القتل في المنطقة العربية عالي النسبة جداً بسبب استمرار النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار، وكان معظم القتلى من المراسلين المحليين (92%) على الرغم من وجود نزعة إلى التركيز العالمي على قتل المراسلين الأجانب، ويبقى الافلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين هو القاعدة العالمية إذ لم تتجاوز نسبة المحاكمات حالة من كل عشر حالات. كذلك حدث ازدياد كبير في أشكال العنف الأخرى التي مورست بحق الصحفيين بما فيها الخطف والاختفاء القسري، والاحتجاز التعسفي والتعذيب وشهدت المنطقة العربية ارتفاعاً حاداً في عدد الصحفيين المأخوذين رهائن على أيدي مجموعات الإرهاب التطرف العنيف. كما طال العنف الإعلاميين العاملين بالإعلام الرقمي في جميع المناطق.
دور الإعلام في نشر ثقافة حقوق الإنسان:
يتطلب تناول الدور الاتصالي لوسائل الإعلام بشأن حقوق الإنسان، أو كيف يستخدم الفاعلون المتنوعون الإعلام كقناة اتصال، اختبار المعلومات التي تتلقاها وسائل الإعلام وكيف تتعامل معها. وفي دول الشمال تعد وسائل الإعلام المصدر الأكثر أهمية في استقاء المعلومات عن حقوق الإنسان لمعظم الناس من خلال طريقين أولهما : باعتبار الإعلام مصدراً للمعلومات عن حقوق الإنسان من خلال التغطية الإخبارية المحلية والدولية وتحقيقات المراسلين. ومن خلال دوره كعامل سياسي ومعنوي يقرر إثارة قضية معينة أو يطالب بعمل أشياء معينة، وثانيهما: من خلال دوره كحامل للمعلومات التي تتبناها منظمات حقوق الإنسان، وهو يعد أهم الجسور وأكثرها فاعلية بين هذه المنظمات والرأي العام سواء في تغطية موضوعات معينة أو شن حملات في موضوعات معينة أو نشر تقارير عن دولة معينة.