كتب الراحل حبيب محفوظ:
الزمان أنفو _ انصرمت ألفية وحلت ألفية جديدة، لكن ما هي هذه الألفية الجديدة؟ الجواب بأنها ألف عام قد يبدو بسيطا تماماً لأول وهلة، إلا أن هذه الألفية تعني الكثير وستشهد الكثير، حضارات سوف تختفي، أو ستموت كما يقول بول فيري على غرار «بابل» و«نينوى». مليارات من البشر سوف يموتون بما فيهم نحن، أشجار كثيرة سوف تموت وكلاب كثيرة، أطنان وأطنان من السمك، والكثير من الغنم، والدجاج الكثير، وخصوصا الكثير جداً من الدجاج سيغادر «وادي الدموع» هذا وتغادر معه طيور من كل الأنواع.
مقتلة عظيمة بالعرض البطيء لن تنجو منها إلا الحقائب والقنينات البلاستيكية التي ستبقى شاهدا على حضارات بائدة، كنصب من البلاستيك لا يشيخ ولا يتحلل، وتصبح إلى جانبها الأهرامات مجرد سفاسف تركتها وراءها مجموعة من الخرقى، أما «بابل» و«نينوى» وباقي المدن البهيجة في منطقة ما بين الرافدين خلال العصور القبل-صدامية، فلو كانت تعرف الصناعة البتروكيماوية لما وصلت إلى ما وصلت إليه، ولكان بإمكاننا الآن أن نجد الكثير من القطع البلاستيكية متعلقة بالأشجار ومصدرا لعلف الأغنام والحمير، ونعطي مظهراً لما بعد العيد، في حدائق الأطفال أو إعصار في ضاحية ملغاشية.
إلا أن السؤال الذي يهم بالفعل هو: ما الكتب التي ستبقى حتى سنة (3001) ؟ طبعا باستثناء الكتب المقدسة. القليل من الناس اليوم يعرف «ملحمة غلغامش» (القرن الثامن عشر قبل الميلاد) هذه الملحمة التي تعتبر أول كتاب وضعه البشر عبارة عن 18 نشيداً ملحمياً يمجد ملك «أوروك» ويخلد ذكراه حتى وصلت إلينا بعد أن عبرت حوالي 4000 سنة. وهناك الملاحم الهندية المعروفة بـ «المهابهاراتا» ولها نفس العمر تقريباً، إلا أنها أكثر حيوية في الأذهان، وهذه الملاحم عبارة عن مجموعة أناشيد ملحمية تصل إلى 200 ألف بيت اكتسبت طابعا مقدسا متناميا، حتى أصبح أحد أجزائها «بهاجافاد جيتا» إنجيلاً مقدسا لدى الهندوس.