لا للإنقلابات نعم للإصلاح
كتب عبدالفتاح اعبيدن - اسطنمبول:
الزمان أنفو- لم تكن الديمقراطية يوما من أولويات الغرب عموما و فرنسا خصوصا فى مستعمراتها السابقة،و إنما كانت تبعية العبيد السابقين المستعبدين مجددا، بطرق جديدة ما بعد خروج المحتل الفرنسي، هي الأولوية عندهم.
فظل الكثير من تلك المستعمرات ،المستقلة اسما، فى دائرة لفرنك الافريقي، ذى الحماية الاقتصادية الفرنسية،و مع ما يوفره لفرنسا من أرباح خيالية سنويا،و قد أنعم الله على موريتانيا من دول غرب افريقيا بسك عملتها الخاصة سنة 1973، و تأميم مفرما، التى ظلت قرابة نصف قرن مصدرا للحديد و دافعا للصناعات الفرنسية ،و أما غيرنا فى دائرة غرب افريقيا و بقية دول الساحل، فبقي يرزح تحت التبعية الثقافية و الاقتصادية و الأمنية،إلى أن جاء خطاب ميتراه فى مدينة لابول،سنة 1990، فدعا المالك على استحياء عبيده للجنوح للديمقراطية،ربما تفاديا للأسوأ ،و هو ظهور دول جديدة، بصياغة تقوم على خصوصياتها الحضارية،و أما الديمقراطية فكانت فخ و طعم الانظمة الافريقية الجديدة،لقمع الحركات الإسلامية و القومية،التى ظهرت بقوة فى عدة مناطق من العالم،لم ينج منها الشمال الافريقي و لا الغرب الافريقي،و تسارع التحول الديمقرطي التعددي المقيد،محليا و خارجيا،بالأطماع الخارجية و الرواسب المحلية المتنوعة،و لم تبتعد سفينة الديمقراطية كثيرا،دون أن تضربها غالبا، بعض الاعتقالات و الاغتيالات و الانقلابات و المؤامرات المختلفة،و أخيرا مع مطلع سنة 2022،بدت غرب افريقيا و كأنها لم تفقه شيئا من الدرس،أسيرة لبعض النخب العسكرية الرافضة للتداول السلمي على السلطة،حيث تستمر الانقلابات و المراحل الانتقالية الخادعة،هنا و هناك،و أضحى المشهد مقلقا مخيفا مرعبا غابويا،بجميع المعطيات،لغة الرصاص و الذبح و استهداف القصور الرئاسية للتحكم فى قرارها السلطوي،مهما كانت نواقص نفوذه و بعده عن المشاريع التنموية الحقيقية المنقذة،مع استمرار رهان أغلبهم على فرنسا،رغم تراجع نسبي لتأثيرها السابق،فى بعض الدول،و خصوصا مالى،التى بدأت تتوق لعملة جديدة و رهانات خارجية أخرى،مع حديث عن الفاغنر الروسي و إن كانت القوات الفرنسية لازالت على الأراضى المالية تترنح و تستعد للخروج القهري الحتمي يوما ما.
و يبدو أن فرنسا باتت مقتنعة بأسلوب الانقلابات و المؤامرات و تعميق بذور و أجواء الفتنة و الصراعات المحلية،على طريقة فرق تسد،و هي تردد بلسان حالها،شطر بيت المتنبى،لا تشترى العبد إلا و العصا معه!.
أجل لاستمرار الاستنزاف و التبعية المذلة،لن يجدوا أنجع من الانقلابات و الفتن الداخلية،ليظل العبد عبدا و السيد ماسك بعصاه فوق ظهر رهينة التجهيل و التجويع و مصادرة القرار.
و مهما بالغ البعض فى عدم تثمين ما نحن فيه من مسافة معنوية و زمنية من شبح الانقلابات،منذو سنة 2008،إلا أنه أفضل مما ترتكس فيه بعض دول الجوار.
و لعل موريتانيا موضوعيا على مشارف خطر انقلابي نسبي ،بحكم احتمالية العدوى و تشابه و تقارب المعطيات فى بعض الأوجه،لكننا حسب معطيات خاصة بتجربتنا الذاتية مع الانقلابات،منذو 1978 إلى 2008،نعتبر اليوم أقرب دول الساحل الخمس للاستقرار و الديمقراطية الافريقية،رغم كل شوائبها.
و لكن من اللازم القول، قبل فوات الأوان و استفحال الوضع،ضرورة القيام بمسح الطاولة،فالفريق العسكري و الأمني،لا يكفى لحماية أي نظام فاشل عاجز عن خلق بدائل واعدة.
فالموريتانيون جاعوا، رغم الحديد و السمك و الذهب و القابلية الزراعية و الثروة الحيوانية و غير ذلك من الثروات الظاهرة و الباطنة و آلاف سواعد الرجال و الشباب ،كما أن الموريتانيين ملوا بعض الوجوه المتكلسة،من مدنيين و عسكريين،أثروا ثراءً فاحشا،على حساب هذا الشعب المغبون المغدور بامتياز!.
إن اتفاقيات الصيد و التعدين،بحاجة استعجالية للمراجعة،فذهبنا و سمكنا ينهب، و نحن جائعون مرضى،نتسكع فى الداخل و الخارج،ضمن أحوال مزمنة تثير الشفقة.
و أما الحكومة ففى أغلب توجهاتها،منشغلة ربما بمنافع ضيقة و مشاريع متعثرة،و هي أقرب لمصطلح تصريف الأعمال.
و ثمة وجوه قابلة للإبقاء و الاستنهاض،و من سواهم ألطف بهم الإعفاء،فى انتظار المحاسبة.
و لكل واحد منا تقييم لحكومتنا الموقرة،لكن لا أستثني منها،سوى الوزير الأول محمد ولد بلال،لما تواتر عنه من الاستقامة و الإقبال على بيوت الله،”لبرود” عيب يرد به ،لكن الكمال لله وحده،كما يشهد الكثيرون لعبد السلام ولد محمد صالح وزير النفط بالاستقامة و الكفاءة و كذلك على نفس المنحى حسنا ولد بوخريص وزير المياه.
و قد لا تعني الإقالة من الحكومة عدم الصلاحية لمهام أخرى،بإذن الله.