موريتانيا وتمنيات مشفق
كتب عبدالفتاح اعبيدن من اسطنبول:
الزمان أنفو – من أفضل ما ينفع المرء بعد الهدايات الربانية و البصيرة الروحانية تجارب حياة خبرها،فلا تكاد تقاجئه مسراتها و مضراتها،و ما بعد الخمسين إلا سنوات الكهولة و الشيخوخة،و تلك كلها مسارات الخبرة و فرص أحيانا لتعميق التجربة و تلخيص الدروس.
و باختصار يمكن القول،إن موريتانيا تعانى من تيه حضاري بالغ،كرس ضياع البوصلة،فأصبحت،كمن يمشى فى الظلام،و هو سالك طريقا موحشا مفعما بالعقابيل،فتارة يصيبه شوك أو مسمار أو يطأ أرضية مريحه خصرة أو مقلقة جافة بائسة!.
و الأخطر ان يقع فى بئر عميقة ،دون سابق إنذار،و ربما وقتها تنتهى،لا قدر الله،قصة مسير مغامر فى ظلام دامس،وسط مخاطر متنوعة متفاقمة و فرص ضئيلة للنجاة الأسطورية!.
موريتانيا تركت حبل التقوى و الهوية الحضارية الإسلامية الجامعة،المنقذة،دنيا و آخرة،و تشبثت بمختلف العرى و المسارات الفكرية و المسلكية الغريبة،التى ما أسعفت أصحابها و مخترعيها الأصليين،فكيف بغيرهم.
نادى بعضنا بأطروحات الشرق و الغرب و بدع أمة هنا و هناك،فتفرقنا شذر مذر،ما بين الرؤى و الأديولجيات البائرة،و مازادتنا إلا رهقا،فمتى نرجع إلى الله و نتمسك بالهوية الحضارية الإسلامية الجامعة،و نتوب إلى الله توبة نصوحا؟!.
و لنعلم إن بداية الطريق الصحيح للإقلاع نحو أوجه النجاح الدنيوي و الاخروي، هو التقوى باختصار،و دون مواربة أو تردد،ميمنة أو ميسرة،و لنعلم أن مجرد قصد الطريق المستقيم المنير،هو بداية النهاية لرحلة التيه و الضياع فى الظلام الدامس و مختلف مخاطره المهلكة.
و قد لا يستسيغ المريض دواءه بسهولة و سرعة،و نفرته منه،ليست دليل عدم نجاعة الدواء،و إنما دليل استحكام الداء،و لنبدء بالتوبة النصوح و التسامح و التعايش الإيجابي،عبر صلة الأرحام الخاصة و العامة،فتلك بإخباره،صلى الله عليه و سلم،طريق و سبيل موصلة يقينا،لرضوان الله و الجنة و زيادة العمر و الرزق،بإذن الله.
و لا يمنع هذا من تعزيز روح العمل و نبذ الاتكالية،و ليعمق كل منا تجربته فيما يحسن من عمل شريف،بقصد رضوان الله و إغناء نفسه عن غيره،مهما كان قربه أو بعده،فوقت الامتحان قصير و لنجعل الأولوية للأبقى و الأصلح،و هو الآخرة و النعيم المقيم عند الله،يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
نعم قلب سليم،مفعم بالإيمان و نوايا الخير و البر للجميع دون تمييز،و الأولوية معروفة مراتبها.
لن أفيض فى هذا المقال الاستشرافي عن عمق الأزمة فى بلدنا فى بعض وجهها الدنيوية التفصيلية التقليدية،مثل السياسة أو الاقتصاد أو غيرهما،و إنما يهمني المناشدة للرجوع إلى هذا الدين،فى بعده الشمولي الصارم المتوازن،و ربما من أبلغ ما قيل ضمنيا فى هذا المعنى:”اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”.
و أما فى سياق التوقع العام ،فلا نجاة إلا بالاستمساك بحبل الله و عروة الدين الحنيف الخاتم،الإسلام ،فهو الشامل لكل الحلول و ربنا القائل:”و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين”.و هو القائل جل شأنه:”و لو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض”.و قال سبحانه و تعالى:”و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا”.
إذن نحن فى موريتانيا و العالم أجمع على مفترق طرق،فإما طريق التقوى و النماء و الفلاح، الدنيوي و الاخروي،و إما الضياع و الدمار والبوار المزدوج،يعنى،دنيا و آخرة،فأيهما سيختار رئيسنا، محمد ولد محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني،طبعا و رعيته على منحى اختياره،لأن الرعية على قلب الأمير؟!.
موريتانيا بحاجة لمراجعات و إجراءات واسعة،بدءً بإلغاء الدستور، و الاكتفاء بمرجعية دستورية مختصرة، مؤسسة شرعا و بوضوح و اختصار،تكريسا للمعانى الإسلامية الناصعة السالفة الذكر،أما نظام الحكم،فيحدده مجلس الحل و العقد و ليس من سواه،استنادا لأفضل صيغ الحكم، عبر التاريخ البشري،ما لم تخالف أصلنا المعتمد،و هو المرجعية الإسلامية،مع إقرار ما لزم من إصلاحات جذرية استعجالية،فى مختلف المجالات،و أولها تكريس القيم و الأخلاق الإسلامية فى الشارع العام و المكاتب و البيوت،ما استطعنا إلى ذلك سبيلا،و تحريم كل ما يخالف الشرع الإسلامي و إلزام الأجانب بعدم التظاهر بما يخالف ديننا،و لهم دينهم و خصوصياتهم فى سياق مدروس، لا يظلمهم و لا يفسد ذوق و مسار تطبيقنا الصارم المتعلق بشرع الله، العاصم من غضبه.
و لعل أخطر مظهر خلل بعد التفريط فى التوبة النصوح الجامعة، هو شيوع الربا و النفاق و التزلف ،للذين يحب بعضهم أو أغلبهم أن يمدحوا بما لم يفعلوا،و فى هذا الصدد ستطبق الحدود و ما لزم من التعزير،ضد كل منافق و مرابى،و تعاقب كل الأحزاب،دون حلها، و يعاقب مرتادوها ،و أعنى فقط الذين يكرسون شهادة الزور و يشحعون الحكام و الرأي العام على التفريط فى الأمانات و تمييعها،و طبعا يحرم الربا و الزنا و الرشوة و كل فعل حرام، على كافة الحوزة الترابية للجمهورية الإسلامية الموريتانية،التى يفضل عودتها للاسم القديم، شنقيط مع إضافة الإسلامية،لتصبح الدولة باسم،شنقيط الإسلامية، و عاصمتها شنقيط، بدل نواكشوط،مع فرض الزي الإسلامي على كل مقيمة فى أرض شنقيط،دون فرض ما سواه إلا فى سياق حفظ الجو العام الإسلامي،و رغم أن مجلس الحل و العقد(أولى الأمر من العلماء و الخبراء )هم من يقرون التحسينات على ديمقراطيتنا، و ليس إلغاء المكاسب السابقة فى هذا الصدد،لكن تنفيذا للالتزام بقاموس مصطلحاتنا،و فى مسار الآية:”و أمرهم شورى بينهم”،سيتم استحداث وزارة باسم الشورى،تكون فرصة لتطوير نظامنا السياسي،على ضوء ازدواجية الالتزام الصارم بالمنهج الإسلامي و الواقعية المتعقلة الحصيفة،المكرسة للاستفادة من تجارب الشعوب و الحضارات فى هذا الكون الفسيح،الذى سنحرص على التعايش معه بروح براكماتية، لا تساوم على الهوية و لا تفرط فى التعايش و الاحترام و التبادل الإيجابي.
و لعل البعض قد يلاحظ ربما ضرورة الترتيب فى بعض الإجراءات الاستعجالية،لكني فى هذا المقام أردت التذكير بتغييب و إهمال الكثير من جوانب الالتزام بالمنهج الإسلامي الشمولي،و فى هذا السياق دائما يفضل استحداث وزارة باسم التحرير ،لتكون فرصة لتعميق التفكير و التنفيذ، من أجل تحرير كل بقعة إسلامية محتلة،خاصة الأقصى الأسير و فلسطين عموما و غيرها من المظالم المزمنة المعروفة،ضد أمتنا و غيرها من ضحايا الظلم فى العالم،بإذن الله،كما تهفو نفسي وقتها، لاستحداث وزارة باسم التنسيق، يكون هدفها تكريس كل جهد ممكن، لنشر الإسلام فى العالم بصورة اختيارية، دون عنف أو مصادرة لحريات الناس و اختياراتهم.
و نرجو بإذن الله،مع تقدم و تعزز الطفرة الغازية و غيرها من الثروات المفترض،إعادة تنظيم استخراجها و تسييرها،و مع التأمين التام للحالة المدنية،أن يكون لكل شنقيطي الحق فى دخل شهري أو أسبوعي، يكفل كافة حقوقه الأولوية الملحة،دون بذخ ينشر ثقافة الاتكالية،لا قدر
الله.
و لعله من الجدير بالرئيس و مسؤولي الدولة استحضار ،أن المسؤولية تكليف قبل أن تكون تشريفا،و أنهم مجرد خدام لدى الشعب،و ليحسنوا خدمتهم ،بإخلاص و تفان، قبل فوات الأوان.