اسنيم: تقزيم الدور وسياسة تهميش الكفاءات
مكتشف الخلطة التي أنقذت اسنيم “يجبر” على الاستقالة
“أعزائي الزملاء والأصدقاء، إنه لمن دواعي الحزن العميق والتأثر البالغ أن أعلن لكم اليوم قراري، الذي أنضجتُ التفكير فيه، بالاستقالة من شركة اسنيم. لقد حصل لي شرف الخدمة في مختلف مراكز النشاط بالشركة سواء في نواذيبو أو ازويرات أو على السكة أو في باريس، وقد اعتبرتُ غالبيتكم زملاء ومعاونين.
لقد التقيت، في مختلف مراحل مسيرتي المهنية داخل اسنيم، أطرا مرموقين ووكلاء قادرين وموظفين وعاملين مخلصين. ومعا اجتزنا محنا مؤلمة وتجاوزنا الكثير من المطبات من خلال وسائل كثيرا ما تكون باهتة لكنها مشفوعة بالقدرة على الإبداع والجدية اللامحدودة والاعتزاز بخدمة هذه المؤسسة التي أحببناها كثيرا ومن ورائها البلد بأسره.
إن الحصيلة المتواضعة التي يمكنني أن أقدم، لم يكن بإمكانها أن تتحقق دون مساندتكم الثابتة والنزيهة. لقد علمتموني كل شيء: من سكة الحديد، إلى الميناء، مرورا بالمعدن، فالطاقة، وحتى التجارة. لقد كنت شاهدا خاصا على الكثير من التضحية والبراعة والعمل الجبار الذي قيم به في الظل من قبل جنود مجهولين يعملون غالبا غير كاشفين عن هوياتهم وإنما بتكتم وأناة. إنها ثقافة اسنيم. لا يسعني إلا أن أشير هنا إلى الدعم الدؤوب والثقة التامة التي منحني إياها المدراء العامون الذين تعاقبوا على اسنيم والذين أعبر لهم هنا عن خالص عرفاني. ها أنا ذا أغادر، دون أن يتملكني إحساس بإتمام المهمة (لقد وقعت في أخطاء كثيرة، بما فيها تلك المرتكبة في حق بعضكم مع شديد الندم وكامل الاعتذار)، وإنما يتملكني الإحساس بأنني عملت دون كلل في اتجاه ما بدا لي أنه داخل ضمن المصلحة العامة. إني لأرجو لكم جميعا الكثير من النجاح على المستوى المهني والكثير من السعادة على المستوى الشخصي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”. هكذا، وفي سياق هذه الرسالة التي تفيض وفاءً وعاطفة، أنهى المهندس الخليفه ولد بياه مشواره المهني في شركة أعطاها كل حياته ووهبها كل إبداعاته. فمن هو هذا المهندس؟ وماذا قدم لاسنيم؟ ولد اخليفه مكتشف خلطة الحديد التي أنقذت اسنيم قالت مصادر عليمة ان المدير التجاري السابق لشركة اسنيم، المستشار الحالي للمدير العام، المهندس الخليفه ولد بياه، قدم استقالته على خلفية تعيينه في منصبه الجديد وإبعاده من منصبه السابق. وكان ولد بياه، قبل الإدارة التجارية بالعاصمة الفرنسية، يشغل منصب مدير عمليات الإنتاج (وهي أكبر إدارة بعد الإدارة العامة باعتبارها تضم إدارات الطاقة والمواصلات والسكة الحديدية والقطارات وإدارة مقر الاستغلال والميناء المنجمي) قبل أن يحول مرتين متتاليتين إلى منصبين في الشركة اعتبرهما الرجل نوعا من الاستهداف. الأول عندما عُين الوزير الحالي للطاقة والنفط والمعادن، الطالب ولد عبدي فال، على رأس إدارة شركة اسنيم، فتم تحويل المهندس الخليفه إلى الإدارة التجارية في باريز في إجراء اعتبر آنذاك نوعا من استبعاد الرجل عن العمليات الميدانية للشركة التي كان يتابعها بأدق تفاصيلها. غير أن الخليفه ولد بياه حاول امتصاص الصدمة وقبل التعيين الجديد على مضض. أما التحويل الثاني الذي كان السبب المباشر في الاستقالة فهو تعيينه مؤخرا مستشارا للمدير العام بعدما كان يشغل منصب المدير التجاري للشركة بباريس وهو ما اعتبره ولد الخليفه استهدافا آخر فقرر تقديم استقالته. وبتقديم الخليفه لاستقالته تكون شركة اسنيم قد خسرت إطارا يمتلك كفاءات نادرة ساعد الشركة في تجاوز أحلك الفترات التي مرت بها. يذكر أن المهندس الخليفه ولد بياه عمل أثناء مقامه في الإدارة التجارية للشركة على اقتراح خليط منجمي مبتكر يعرف بـ TZFC أثناء الازمة الاقتصادية العالمية التي تراجعت فيها مبيعات اسنيم بشكل مذهل أخاف الحكومة الموريتانية. وتتكون الخلطة المذكورة من 5 عينات منجمية 2 منها فقيرة و3 غنية من بينها واحدة لم تكن تعرف التسويق من قبل بسبب وجود مادة الفسفور داخلها، ثم قامت الشركة، بعد تزكيتها والموافقة عليها، بتسويقها للصينيين مما مكنها من تجاوز الأزمة بسبب قدرتها على بيع كميات كبيرة لم تكن قابلة للتسويق بفضل خلطها بكمية أقل من المعدن الجيد. ويمثل الخليط المقترح من طرف المدير المستقيل أكثر من 80% من مبيعات الشركة في الوقت الراهن. أي أن المهندس المستقيل هو السبب المباشر في بيع اسنيم حاليا لغالبية منتوجها. ومن بين التدخلات التي أظهرت عبقرية المهندس، إنقاذه للشركة من إفلاس محتوم كان سيوقف صادراتها بعدما تعطلت العجلة المتحركة في انواذيبو، ولم تعد قادرة على التحرك في أي اتجاه. وهي العجلة التي تقوم بسحب المعدن المفرغ ونقله إلى الباخرة عبر الشريط المطاطي المتجول. وكان ذلك في وقت حرج بالنسبة للشركة التي كانت تحاول آنذاك ضرب رقم قياسي في مجال الصادرات. وكانت صناعة قطع الغيار المعطوبة الخاصة بالآلية تتطلب 3 أشهر على الأقل وهو ما لم تكن الشركة قادرة على انتظاره لأنه سيؤدي إلى إفلاسها. فتدخل المهندس الخليفه مقترحا صيغة علمية هندسية يتم بها استعمال العجلة المعطوبة من خلال دعمها بآليات منجمية تسحب المعدن في اتجاه العجلة في تعويض عن حركتها المشلولة. وقد نجحت اسنيم بفضل ذلك في مواصلة تعبئة البواخر لغاية نهاية نفس السنة حيث وصلت القطع الجديدة وتم استبدال القطع المعطوبة. ومعلوم أن الخليفه ولد بياه هو المهندس الذي أشرف على كهربة 15 مدينة في عهد نظام ولد الطايع والتي أسندت مهمتها لشركة اسنيم. كما أنه هو من تولى تقويم شركة سوملك لدى تولي إدارتها محمد السالك ولد هيين بطلب من الأخير وبتنسيق مع السلطات آنذاك. هذا المهندس، صاحب الاختراعات المشهودة، يرغم اليوم على الاستقالة بسبب التلاعب بكفاءاته وتحويله من هنا إلى هناك ومن هناك إلى هنا وفق عملية إقصاء يراد من ورائها إبعاد أصحاب الكفاءات لصالح جيل من الخريجين المدعومين بالثقل القبلي والزبوني على حساب شركة ظلت على مدى تاريخها تمثل أنصع أمثلة السيادة. أبرز أمثلة إقصاء الكفاءات اسنيم: تقزيم الدور وسياسة تهميش الكفاءاتتضم شركة اسنيم اليوم العديد من الأطر السامين ذوي الكفاءات العالية والتجارب الطويلة المفيدة، لكن وضعهم أشبه بالبطالة المقـَـنـّـعة منه بأي شيء آخر؛ مما جعل الشركة تعيش أزمات فنية وتخطيطية لا قبل لها بها. لقد اعتبر الكثيرون أن ما تعانيه اسنيم اليوم ليس إلا دليلا قويا على استشراء الفساد فيها وسوء تسيير المصادر البشرية الكبيرة التي تملكها. فأين هم اليوم أولئك المهندسون العظام الذين تخرجوا من أشهر وأكبر جامعات العالم والذين واكبوا مسيرة اسنيم وأنقذوها من التدهور وجعلوا لها صيتا وطنيا ودوليا لا مثيل له لدى المؤسسات الموريتانية كلها؟.. لنأخذ أمثلة واضحة على إقصاء غالبية أصحاب الكفاءات العالية بشركة اسنيم: المهندس ابراهيم ولد ممادي (المدير السابق للأبحاث، والمدير السابق للمعادن، والمدير السابق للجودة) يوجد اليوم في شبه بطالة إذ لا عمل له. المهندس عيسى ولد أحمدو (المختص في المحطات ومدير العمليات التجارية سابقا في باريس) يعيش بطالة مقـَـنّعة. المهندس الشيخ سيد أحمد ولد سيدي ولد ابهاه (المدير السابق لمشروع الكلب 2) يعيش بطالة مقنعة. المهندس ديدي ولد بيها (المدير السابق لـ “ساما”) يعيش نفس البطالة. المهندس صالح ولد محمد (المدير السابق للتفتيش والتسيير والمصادر البشرية والفروع) يعيش اليوم بطالة مقنعة. المهندس الداه ولد أحمد محمود (المدير السابق لـ “كومكا”) يعيش مكتوف الأيدي في بطالة مقنعة. المهندس أحمد ولد سيدي محمد (المدير السابق للمشتريات) يعيش نفس الوضع. هؤلاء يعتبرون مستشارين. وهي مهمة توكل إلى من يراد له أن يتوقف عطاؤه المهني ويصبح عالة على خزينة الشركة التي تمنحه راتبا باهظا وتقف دون أن يتمكن من تحسين فاعلية ومردودية ومستوى الشركة. كما أن هناك شخصيات ذات كفاءة عالية وليست معينة في أي منصب مفيد للشركة منذ أمد كما هو حال محمد فال ولد التلميدي المدير السابق لقطب الإنتاج. هذا إضافة طبعا إلى المهندس المستقيل الخليفه ولد بياه الذي عين مستشارا للمدير العام كي تقتل عبقريته ويتوقف أداؤه ويُشل عطاؤه مثل سابقيه المذكورين آنفا. من الواضح إذن أن إدارة شركة اسنيم تخضع بشكل لافت للسلطات الموريتانية التي تسعى لتسييس التعيينات وتفريغ المؤسسة من الكوادر وإعادة رسم خارطة التوظيف فيها على أسس قبلية وسياسية بعيدا عن الكفاءة والخدمة. ويشعر أغلب عمال الشركة باستياء كبير مما أدى إلى هجرة بعضهم إلى بلدان أجنبية أو إلى مؤسسات وطنية أخرى، كما أدى بالبعض إلى الاستقالة، فيما يعمد البعض إلى الصمت وانتظار الفرج. العمال والأطر في الشركة المعدنية الموريتانية الاولي غير راضين إطلاقا عن الطريقة التي أصبحت تسير بها مؤسستهم إذ لاحظوا منذ فترة نوعا من الاستهداف الشخصي والتنكيل والمضايقة بحق الاطر الاكفاء وتقديم بعض سماسرتها لتولي الوظائف المهمة في الشركة . ويتحدث العمال عن ان اموال الشركة ووسائلها اصبحت تستغل من اجل ممارسة السياسة التي كانت الشركة بعيدة عنها خلال الفترات الماضية .كما ان الاكتتابات لم تعد تجري بطرق شفافة وأصبحت الشركة تكتتب وفق مبدأ الزبونية وحسب مآرب السلطة. وبخصوص الصفقات، فإن العمال يتمنون إجراء تحقيق جدي لمعرفة مستوى الفساد الذي وصلته الشركة مؤخرا. ويتحدث العمال عن الطريقة التي تم بها تحويل المدير التجاري السابق في باريس، المهندس الخليفة ولد بياه، و التضحية بهذا الكادر المهم للشركة و الذي تعتبر استقالته خسارة لا تعوض. عمال الشركة يطالبون بالقيام تبحقيق حقيقي ومحايد عن عمليات تلاعب كبيرة تضر المصالح الاستراتجية للشركة وللبلد بصفة عامة منها عمليات بيع مشبوهة للمناجم الموريتانية لشركات أخرى غير موريتانية و تغليف ذلك بغطاء ما يسمى “الشراكات الاستراتجية”. اسنيم وممارسة السياسة قال الإدارى المدير العام للشركة الوطنية للصناعة والمناجم، محمد عبد الله ولد أوداعه، إن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز “وقف فى وجه بيع شركة اسنيم وساهم فى إنقاذها”. وقال ولد أدواعه – في تصريح شهير تناقلته وسائل الإعلام– ان “الفضل في المحافظة على الشركة الوطنية للصناعة والمناجم وصونها لأجيال المستقبل يعود إلى إرادة رئيس الجمهورية حيث وقف، في سنة 2008، أمام محاولة بيعها لمستثمر اجنبي”، في تهجم واضح على الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. وأكد الاداري المدير العام لاسنيم ان “الشركة تبنت بفعل إرادة رئيس الجمهورية – الرامية الى الحفاظ عليها للأجيال القادمة مع تمكينها من تعزيز دورها التنموي، سنة 2012 – رؤية جديدة ستمكنها من دخول لائحة الخمس الأوائل لمصدري خامات الحديد عبر البحار بحلول 2025 وذلك من خلال إنتاج 40 مليون طن سنويا بتكلفة لا تتعدى 40 دولارا للطن الواحد”. تصريحات مدير اسنيم اعتـُـبرت “خارجة عن المألوف”، إذ ليس من عادة مدراء اسنيم أن “يصفقوا” علنا، وأن يدخلوا المعترك السياسي إلى جانب طرف معين بتلميعه في الخطابات الرسمية خاصة إذا كان الجو السياسي محتقنا بين قطبي النظام والمعارضة. تهم الفساد وبيع اسنيم بطرق أخرى جاء في تقرير نشرته جماعة “فور موريتانيا” المهتمة بالشأن الوطني من خارج البلاد، أن مصادر متطابقة أكدت أن النظام قام مؤخرا بتوقيع عقدين متوازيين بالتراضي يتعلقان بالتنازل عن مناجم حديد ضخمة لشركات أجنبية و ذلك على حساب الشركة الوطنية للمناجم. وقد مـُـنح العقدان، اللذان يشكلان خطرا على مستقبل شركة “اسنيم” ولا يخدمان مصالح الشعب الموريتاني، عن طريق صفقات “التراضي” التي لم تعد موجودة في موريتانيا نظريا حسب خطاب ولد عبد العزيز في نواذيبو، وإن شرّعها النائب ولد محم بقوله ان “القانون لا يحرمها”. يتعلق الأمر بمنجم “لعقارب” شمال “الكلب”، الذي تم التنازل عنه لصالح شركة Arcelor-Mittalالمملوكة لنفس الهندي الذي قيل قبل سنوات أنه كان على وشك شراء الشركة في عهد ولد الشيخ عبد الله. يبدو أن استراتيجيي النظام يسعون اليوم لبيعها لذات الشخص بطرق أذكى. أما المنجم الثاني فهو منجم “عطوماي” جنوب “القلب” الذي كان من نصيب شركة “SABEK” السعودية. تجدر الإشارة إلى أن رجل الأعمال الهندي “لاكشمي ميتال” صاحب شركة Arcelor-Mittal للصلب و الحديد قد التقى بمسئولين في الحكومة الموريتانية أثناء فترة الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله عن طريق وسيط موريتاني مقرب من النظام الحالي بهدف شراء حصص وأسهم من اسنيم. وقد رفضت الحكومة المورتيانية آنذاك فكرة بيع نسبة من الشركة لرجل الأعمال الهندي، لكنها اقترحت تعاونا على تطوير مناجم جديدة بين الشركة الهندية واسنيم. و قد أثارت زيارة الهندي “ميتال” آنذاك لغطا كثيرا واتهامات لنظام ولد الشيخ عبد الله بمحاولة “بيع اسنيم” ونظمت المعارضة الموريتانية مسيرة ضخمة منددة بالتفكير في بيع الشركة التي تعتبر من الرموز الوطنية. اليوم – يضيف تقرير فور موريتانيا- حوّل النظام الموريتاني شركة اسنيم إلى بقرة حلوب يمول بها مشاريعه وينهب من مدخراتها. ومن خلال هذين العقدين الجديدين وصفقات التراضي المشبوهة يكون محمد ولد عبد العزيز قد أدخل شركة اسنيم نفقا جديدا من فساد نظامه بعد أن تم استخدام كثير من مدخرات الشركة في تمويل حملاته الإنتخابية واستخدام أرصدة أخرى لهذه الشركة في شراء طائرات Mauritanie Airlines التي تمت هي الأخرى بالتراضي مثلها مثل صفقة بناء طرق معبدة أغلبها في العاصمة تمنح صفقاتها بالتراضي لشركة ATTM لتتنازل عنها هذه الأخيرة لمقربين من النظام، و غير ذلك من مظاهر هدر المال العام. ومجمل القول أن شجب بيع اسنيم في السابق، لم يمنع الشاجبين من “بيعها” بطرق أخرى لمؤسسات عملاقة لن تلعب نفس الدور الاجتماعي والخيري الذي كانت تلعبه اسنيم لأنها مؤسسات أجنبية ربحية غير معنية بوضعية الموريتانيين. فالمستشفيات التي توفرها اسنيم، والكهرباء التي توفرها، والمنازل التي تمنح، والمياه التي توزع مجانا، أمور سوف تتوقف نهائيا عندما تكتمل الصورة ببيع كل المعادن والمناجم والمشاريع المنجمية لمؤسسات أجنبية عملاقة، وتجد اسنيم نفسها، بعد سنوات، مجرد مقرات خاوية على عروشها. اسنيم ومأساة الجورنالية مأساة عمال الجورناليه، الذين تستغلهم اسنيم، متشعبة وطويلة. فهؤلاء، الذين يفصلون عن العمل لأتفه الأسباب ودون حقوق، تستعبدهم شركات التاشرونا وتمتص دماءهم بمرأى ومسمع اسنيم بل بتواطئ منها مع ملاكها. لقد عانى عمال الجورنالية من الحيف والغبن وواصلت اسنيم تصاممها أمام مطالبهم الكثيرة، وامتنعت من أن تفرض ملاك الشركات الوهمية من تمكين هؤلاء العمال من الحصول على رواتب محترمة وضمان صحي وضمان اجتماعي وعقد عمل. وقد كانت اسنيم أول المسؤولين المباشرين عما آلت إليه الأوضاع مؤخرا في ازويرات حيث كادت إضرابات العمال تتحول إلى ثورة حقيقية ضد إقطاعية اسنيم وتمالؤ الدولة مع تجار التاشرونا. وكانت احتجاجات عمال الجورنالية قد بلغت مستوى لم تبلغه قط في موريتانيا حين انطلقت، يوم السبت 5-1-2013 ، أول مسيرة راجلة من مدينة ازويرات باتجاه العاصمة نواكشوطللمطالبة بحل الأزمة العالقة منذ شهور. وقال رئيس المبادرة، محمد سالم ولد الغيلاني، في تصريح صحفي، إن المبادرة “تسعى للوصول لرئيس الفقراء الذي تعهد بحل مشكلة الجرنالية مع نهاية 2012، ونحن الآن في سنة 2013 دون ظهور بوادر لحل الأزمة”. مضيفا: “عادت حليمة لعادتها القديمة في التملص من التعهدات، وقررنا هذه المبادرة لأن عمال الجرنالية مضطهدون ومستغلون من طرف أبناء وطنهم. ونريد من الرئيس محمد ولد عبد العزيز إنصافنا”. وقال ولد الغيلاني بأنهم قرروا الوصول إلى نواكشوط سيرا على الأقدام لإيصال رسالة مفادها بأن “مشكلة الجرنالية مازالت قائمة ولم تجد أي حل”. أما نائب رئيس المبادرة، محمد الأمين ولد الداه، فقد قال بأن “الرئيس أصدر مرسوما يلغي فيه الجرنالية ويحلها بشكل نهائي ، لكن المافيا استغلت ظروف الرئيس الصحية وتلاعبت بالمرسوم و أفرغته من محتواه”. تلك المسيرة التي تعد الأولى من نوعها في تاريخ نضالات العمال، لم تجد من الحلول غير مستشار رئاسي جالس تحت شجرة قرب القصر الرئاسي، تقدم لها، كما هي عادته مع أًحاب المظالم، بتعهدات لم يلتزم بها أبدا، مما أدى بالعمال في النهاية إلى تحويل المساعي من طبيعتها السلمية إلى أعمال عنف مدانة وسيئة، لكنها أعطت من الحلول ما لم تعطه المفاوضات والبيانات. حتى الموالاة شجبت طغيان اسنيم!!
طغت أحداث العنف التي شهدتها مدينة ازويرات، والتي تسببت في حرق عمال الجرنالية لمقر الولاية ومقر إذاعة موريتانيا، علي نقاشات إحدى الجلسات العلنية التي عقدتها الجمعية الوطنية لمناقشة مشروع قانون اتفاقية تمويل بناء محطة حرارية في كيفه عاصمة ولاية العصابه. وقد كان سبب هذا الطغيان، حضور وزير المعادن لجلسة مناقشة القانون وهو الذي تتبع شركة “اسنيم” لقطاعه، وكان من بين الوفد الوزاري الذي أشرف علي مفاوضات حل الأزمة مع العمال. وشهدت النقاشات أول شجب علني لنواب من الأغلبية لتعامل الدولة مع مطالب الجرناليه. النائب في الاغلبية عن دائرة نواكشوط، لاله بنت حسنه، قالت إن أحداث ازويرات تطرح جملة من الاسئلة حول أسبابها أولا والتعامل معها ثانيا، مبرزة استغرابها لكون السلطات الرسمية ظلت ترفض التفاوض مع العمال المحتجين سلميا منذ عدة أيام مطالبين بحقوق لهم يعتبرونها شرعية وهو ما تنكره السلطات وإدارات شركات تشغيلهم وتهددهم بالاستغناء عنهم إذا هم لم يتخلوا عن مطالبهم وإضرابهم عن العمل باعتبار ان لاحق لهم في كل ذلك. واستفسرت بنت حسنه وزير البترول والمعادن والطاقة، ولد عبدى فال، الذي مثل الحكومة في جلسة الجمعية الوطنية العلنية، عن أسباب ما حدث في ازويرات وعن أسباب التحول المفاجئ لموقف السلطات العمومية الرافض لمجرد التفاوض مع العمال الي سعيها الجاد لكسب ودهم بأي ثمن والاعتراف لهم بجميع مطالبهم، بمجرد ان تحول هؤلاء العمال من حالة السلم التي حافظوا عليها منذ بدء حركاتهم الاحتجاجية منذ سنتين، الي ممارسة العنف وحرق رموز الدولة، ليكافئوا علي ذلك من طرف الحكومة بالاعتراف لهم بجميع مطالبهم وتلتزم لهم بتلبيتها واكثر من ذلك بعدم ملاحقتهم علي الاعمال التي اقترفوها والتي يجرمها القانون، كما ستعوض لهم عن أيام الاضراب واعتبارها كأيام العمل العادية وهذه قضايا غريبة في دولة القانون وحتي في جميع تشريعات الشغل، التي تنص علي ان العامل يتقاضي أجره مقابل عمله لا مقابل إضرابه عن العمل وحرقه للممتلكات العامة. وتساءلت لاله بنت حسنه عن اسباب عدم تنفيذ الالتزام الذي اعطاه رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز في خطابه في ازويرات بتاريخ السادس يوليو 2009 بالتسوية الفورية ولأول مرة في تاريخ موريتانيا، لأوضاع كافة عمال الجرنالية، الذين يكتتبون صباحا ويسرحون مساء، بترسيم شركة “سنيم” فورا لكل من منهم له مؤهلات وتكوين أولائك الذين لديهم بعض الخبرة واكتتابهم بعد ذلك، أما فئة العمال اليدويين فقد التزم الرئيس بتسوية قضاياها في التشغيل وتسجيلهم لدي صندوق الضمان الاجتماعي واستفادتهم من التعويضات العائلية. وذكرت بنت حسنه بان ولد عبد العزيز، بعد التزامه بتسوية عمال الجرنالية بشكل مفصل وبطريقة لم تستطع اية جهة نقابية كانت او حكومية تحقيقها لهم ابدا، أعطى أوامره الصارمة للمسؤولين المعنيين بتنفيذ هذه الالتزامات، وتساءلت: لماذا لم تطبق التزامات وأوامر رئيس الجمهورية التي مر عليها الآن حولي اربع سنوات قبل أحداث ازويرات. وقالت بنت حسنه إنها ظلت تعتقد بان مشكلة العمال الجرنالية في ازويرات تمت تسويتها بعد التزام الرئيس بذلك ، قبل أن تفاجأ بإضراب هؤلاء 2011 الذي اتبع بإضرابهم 2012 وبإضرابهم الحالي 2013. وخاطبت بنت حسنه وزير المعادن بقولها: “أنتم السيد الوزير عندما كنتم مديرا عاما لشركة “اسنيم” قدمتم لهؤلاء العمال الجرنالية تحفيزات علي شكل رواتب، وهي نفس التحفيزات التي يطالبون بها اليوم ويمنعها لهم المدير العام الحالي للشركة بحجة انهم لا حق لهم فيها، فلماذا قدمتموها انتم لهم حينها إذا كانوا حقا لا يستحقونها؟ وإذا كانوا يستحقونها فلماذا يمنعها لهم خلفكم الحالي؟”. واعتبرت بنت حسنه عدم المفاوضات مع العمال وتسوية ما هو مشروع من مطالبهم وإقناعهم بعدم مشروعية ما هو منها غير مستحق، خطأ فادح يجب محاسبة المسؤولين عنه، كما اعتبرت عدم معاقبة من مارسوا العنف واحتقروا الدولة وسيادتها، امر خطير وسابقة ستشجع كل من يطالب بحق ان يمارس العنف كوسيلة لحصوله علي ما يريد، وتجب معاقبة من هو مسؤول عن ذلك. وقالت النائب لاله ان من القضايا التي يصعب فهمها في مسلسل احداث ازويرات، اعتماد الدولة، كمفاوض باسم العمال، شخص لا يتمتع بأية صفة تخوله ذلك؛ فهو ليس نقابيا ولا مندوبا عن العمال وحتى ليس من عمال الجرنالية لانه موظف رسمي في شركة “سنيم” وفرت له الحكومة فرصة للشهرة في وجه الانتخابات القادمة. وطالبت بنت حسنة الدولة بالسهر علي انصاف المظلومين بدل التمادي في ظلمهم لان ذلك سيؤدي للانفجار كما حدث في ازويرات. واوضحت أن العدالة هي ضمان الاستقرار، وقالت ان هيبة الدولة غابت في اتفاقية إنهاء أحداث ازويرات. أما النائب في الاغلبية عن مدينة نواذيبو، القاسم ولد بلالى، فقال إن قضية عمال جرنالية ازويرات كان بالإمكان تسويتها بأقل كلفة وثمن، قبل ان تتطور الي حالة العنف التي وقعت صبيحة الاثنين، كما كان الحال بالنسبة لحل مشكل عمال نواذيبو، مذكرا بان هؤلاء العمال يناضلون سلميا منذ سنوات مطالبين بحقوقهم وقد ابتكروا نماذج من النضال السلمي متحضرة جدا منها تنظيمهم لمسيرة راجلة من ازويرات الي نواكشوط لطرح مشاكلهم. وقال النائب ولد بلالى، انه من الظلم وعدم الإنصاف تحميل العمال مسؤولية ما وقع من أعمال شغب في ازويرات والتي هي بالقطع مرفوضة، لكن المسؤولية فيها تعود الي المسبب وهو الإدارة في ازويرات والمسؤولين عنها والذين يستثمرون في شركات المقاولة بعمال الجرنالية ويهاجمونهم في نفس الوقت ويرفضون التفاوض معهم ويصفونهم بأنهم غير مهمين في نشاطات شركة “سنيم”، وهذا كيل بمكايلين من جهة وغير صحيح من جهة اخرى، يقول ولد بلالى، الذي أوضح ان عمال الجرنالية يمثلون 50% من العاملين في “سنيم” ويتواجدون في كافة ورشات أعمال الشركة بما فيها الأكثر حساسية في إنتاجها وأمنها وسلامة منشاتها. وانتقد النائب القاسم تصنيف الاغلبية لكل صاحب مطلب ساندته المعارضة، بانه معارض. وقال ان هذا غير سليم وان المطالب يجب ان تبحث بعيدا عن تصنيف أصحابها سياسيا والتعامل معها حسب شرعيتها من عدم شرعيتها لا علي أساس مواقف أصحابها. وطالب ولد بلال بعزل جميع المسؤولين المتورطين بصورة أو بأخرى في قضايا العمال بصورة مباشرة او غير مباشرة وكذلك عدم الاخذ بآراء المنتخبين المتورطين فيها. وبين عدم تبنيه لوجهة النظر التي تقول ان الحكومة تعاملت في حل مشكلة عمال ازويرات مع مفاوض غير مؤهل لذلك، مبرزا ان القانون يسمح لاية مجموعة بتوكيل من تثق فيه للتفاوض باسمها، سيما ان المفاوض في هذه القضية، نقابي مشهود له بتاريخه النضالي دفاعا عن مصالح العمال وقد تعرض في ذلك لأنواع الاكراهات. واختتم القاسم ولد بلال مداخلته بدعوة الحكومة والإدارة الي الاستماع للمواطنين واهل الحقوق.. وبالنسبة للنائب في فريق الحزب الحاكم، عن مدينة ألاك، الحسين ولد احمد الهادي، فقال ان أحداث ازيرات يجب ان تكون لحظة تأمل، لأنها حدثت 2011 و2012 و 2013، واستمرت مدة شهر قبل ان تتطور الي حالة عنف لم تسجل من قبل، حيث كانت كل مرة تذهب لجنة وزراية الي ازويرات للتفاوض مع العمال المضربين، في حين كان من المفروض ان تكون “سنيم” كشركة ذات اقتصاد مختلط، قادرة علي حل مشاكلها دون الدولة، مستغربا بقاء هذه المشكلة مطروحة بدون حل منذ 3 سنوات. وارجع ذلك الي عاملين اثنين، احدهما عجز ادارة شركة “سنيم” عن حلها والثاني عدم مبالاتها بالموضوع والاستخفاف بالتزامات رئيس الجمهورية بحل مشاكل عمال الجرنالية وإعطائه التعليمات من اجل ذلك. وأكد ولد احمد الهادي ان مثل هذا النوع من القضايا لا يمكن أبدا مسامحة المتسببين فيه مهما كانوا لأنه موضوع يتعلق بالسلم الاهلي. وذكر بالمصادقة علي قانون ينظم عمل شركات المقاولة ويضمن للعمال حقوقهم ويحرم علي الشركات الاقتطاع من أجورهم، متسائلا عن اسباب عدم تطبيق هذا القانون، مؤكدا ضرورة تضافر جهود الجميع في الموالاة والمعارضة علي حل مشاكل عمال الجرنالية وغيرها من كافة مشاكل المواطنين للحفاظ علي السلم الاهلي كمسؤولية مشتركة. والي تيرس كبش فداء اسنيم: تقزيم الدور وسياسة تهميش الكفاءاتمعروف أن أي نظام عجز عن حل معضل ما، يبحث عن كبش فداء يُحَمـّـله المسؤولية أمام الرأي العام. وكان من الواضح أن إقالة والي ازويرات إنما أتت للتغطية على طغيان اسنيم وعجرفتها في تعاملها مع مشكل عمال الجورنالية ومحاباتها لملاك الشركات الوسيطة، من جهة، وعدم التزام النظام بتحقيق مطالب العمال وعجزه عن تأمين المدينة من عنفوان غضبهم. هكذا كان لابد من كبش فداء تمثل هذه المرة في والي المدينة رغم ما يقال عن تورط عقيلته في شركات التاشرونا. فإقالة الوالي تذكر بإقالة ولد بكرن من أركان الدرك عند اختطاف الرهائن الإسبان على طريق نواكشوط نواذيبو، إذ كان لابد من تحميل المسؤولية لشخص ما أمام تساؤلات الغرب. وعندما هدأت العاصفة تم تعيينه أمينا عاما لوزارة الدفاع قبل أن يعين مديرا للأمن.
ب عمال الجرنالية؟ أمر وارد في ظل الأنظمة التي تضحي بشخصياتها مؤقتا لإبعاد الشبهة عن ساحتها.