أذن السلطان طويلة( من قصص تجسس الدولة قديما)
المقال كتبه وكيل الجمهورية أحمد المصطفى قبل أعوام الزمان انفو تعيد نشرها ..لأن "أذن السلطان"لن تقصر يوما ..فسيظل الموضوع القديم جديدا .
الزمان أنفو _ كَانَ ابنُ عم والدي أحمدُو ولد محمد محمود ولد المصطفى رجلا كريما ظريفا، حادَّ الطبع، وكان من لِدَاتِ الرئيس المؤسس المختار ولد داداه رحم الله الجميع، تقاسم معه مرح الطفولة، والشباب في بتلميت، وأسَّسَا مع آخرين ـ كما كان جاريا به العرف وقتها ـ عَصْرًا سَمَّوْهُ “قريش”، بين عصري الأنصار والأشراف، لكنه لم يشتهر شهرتهما، ولم يلبث أن تفرق رجاله، ويقول “الأشراف” في أدبياتهم إنه لم تقم له قائمة بعد ظهورهم، حيث سحبوا الأضواء والشهرة منه، وتسرب بعض نبهائه إليهم.. فتح أحمدُو محلا تجاريا بالتَّقْسِيط في “كَبِّتَالْ/ مدينة ر” بعد أن جاء إلى نواكشوط في أول من جاء إليها، قادما من غينيا بيساو، التي يسميها “بُرْتُكِيصْ”، (سماها الموريتانيون بهذا الإسم قديما، وهو تحريف للبرتغال، التي كانت تستعمرها).. تَعَوَّدَ أن يبسط فراشا في ظله مساء، ويقيم الشَّايَ، ويقدم الفاتن الجديد في ذلك الوقت “أَمْبُورُ بِيرْ”، فيجتمع عنده بعض الأصدقاء والجيران ورجال بتلميت، ويتعاطون من الأخبار ما تيسر لهم بأريحية وسطحية الموريتاني في ذلك الحين.. يعرفُ البعض أنه كانت للرئيس المختار ولد داداه رحمة الله عليه معارضة قوية في بتلميت لأسباب مختلفة، ولذلك كانت أجهزة الدولة المختصة تهتم بتعقب وجمع المعلومات حول ذلك.. تنبهت إدارة الأمن لمجلس شاي أحمدو المسائي بوصفه مكانا تُتَدَاول فيه أخبار أهل بتلميت، ويمكن من خلاله كشف مُوَّالي ومُعارضي الرئيس المختار، فكلفت شرطيا بلباس مدني بحضوره بانتظام.. في أحد الأيام استهلَّ الشرطي المجلس جوابا للسؤال الموريتاني الأول “أشطاري”؟، بأنه لم يجد طارئا سوى أن الرئيس المختار ذهب في راحة إلى نواذيبو، وأنه يقضيها في منزل جديد شيد له خصيصا على شاطئ البحر، إذا مدَّ رجليه في تكيته داعب الموج قدميه.. عَلَّقَ له أحمدُو: “هَذَا مَاهُو تَنْزَاهْ وَلْ مُحَمَّدٌن وَلد دَادَّاهْ”، سأله العميل السري: “تَنْزَاهُ شَنْهُ”؟، فردَّ عليه: “إِعُودْ أَعْلَ عَلْبْ بُتِلِمِيتْ إِصَلِّ فِي الْجَمَاعَه، أُيَسْمَعْ حِكَايَه زَيْنَ، أُيَجْبَرْ حَدْ إِجِيبْ أَمْعَاهْ نَزْلَه مَنْ ظَامَتْ، أُيَتْوَاطَ الدَّحْمِيسْ يَوْصَلْ الرَّحِمْ، وَمْنَينْ إجِ اللَّيْلْ إِرُوحُ أَعْلِيهْ أَخْلَفْهُمْ وِكُومْ شُورْهُمْ إِعَدَّلْ أَعْلَ الْمَارْكَلْهَ مَنْهُمْ، وَمْنَيْنْ تَلْحَكْ الْعَتْمَ إِكُومْ شُورْهُمْ أَمْعَ أَفْلَانْ أَيَحَلْبُوهُمْ، أُيَجْبَرْ حَطَّ مَنْ الْعَيْشْ الصَّالَحْ بَارْدَه”.. انفض المجلس عند المغرب، وبعد ساعة من ذلك جاء أفراد من شرطة المفوضية المركزية، وطلبوا من أحمدو أن يغلق محله ويذهب معهم إلى المفوضية.. بات معهم في الرطوبة والباعوض، ومحله مغلق، دون أن يعرف سبب توقيفه، وعند كل سؤال له عن حاجتهم فيه يقولون له “حَنِ إِجِ كُمُصِيرْ”.. عند التاسعة من صباح الغد حضر كُمُصِيرْ، ورأى جليسه بالأمس يدخل عليه ملثما فعرفه، وبعد أن غادر أدخله.. بعد كثير من الأسئلة، وصل به إلى لُبِّ الموضوع، حيث فهم أحمدو خلفية توقفيه، حين قال له: “أَنْتَ أَتْعَيَّبْ الرَّئِيسْ، وَدْكُولْ عَنُّو كَذَا أُكَذَا”، فردَّ عليه منتفضا: “يَبُويَ هَذَا تَمُرْكُ أَنْتَ، المُخْتَارْ آنَ أُهُوَّ أَخْلَايْكْ فَشْهَرْ وَاحَدْ، أُمْتْعَاكْبِينْ أَعْلَ لَبْزَازِيلْ، وَرْبَيْنَ فَبْلَدْ، أُكَنَّ نَتْحَاوْصُو أَكْرَاطَتْ الْعَيْشْ عَندْ أَفْلَانَ منت أَفْلَانْ، أُوَّ للهْ مَا يَعْلَمْ عَنَّكْ حَابَسْنِي أَعْلَ ذَ مَا شَفْتْ ذَاكْ، أَكْبَظْ عَيَّطْ أَعْلِيهْ مَنْ تَلَفُّونَكْ ذِي أُكُولُّو عَنَّكْ حَابَسْنِي”.. اسقط في يد الكُمُصِير، وقام بتهدئته، وطلب منه أن ينتظره أمام المكتب، وطلب من أحد عناصر الشرطة أن يأتيه بعلبة لبن.. وبعد دقائق استدعاه، واعتذر له، ووجه له نصائح، مفادها أن الرئيس لا يقال فيه مثل هذه الكلام أمام الناس، حتى ولو كان الشخص صديقا له، وأن للدولة آذانا طويلة “وَذُنْ السَّلْطَانْ أَطْوِيلَه”، وأن عليه دائما التزام الحذر.. رجع أحمدو إلى محله وفتحه، وتوافد عليه الجيران والأصحاب سائلين عن سبب توقيفه، وفي المساء هيأ فراشه وشَايَهُ كالعادة فجاء الشرطي السري، وهو له عارف، فعاجله بقوله: وَهَايْ يَبُويَ أَنْتَ عَايْدْ كَنْتْ أَدْجِينَ تَشْرَبْ أَتَايْنَ أُتَوْكَلْ أَمْبُورُونَ أُتَكْرَظْ فِينَ، صَرْتَكْ يَشَغَلْتَكْ بَعدْ أَلَّ خَسْرَتْ حَكْ مَاتَيْتْ لَاهِي تَرْفَدْ مَنْ عَنْدْنَ مَاهُو عَنَّ أَكْهُولَ وَمْكَمْشِينْ أَنَشَرْبُ أَتَايْ الدَّحِميسْ”.. ضحكت الجماعة، وانسحب الرجل إلى غير رجعة..