المعارضة تجدد المطالبة برحيل النظام
أطلق محمد ولد عبد العزيز، غداة استيلائه على السلطة بواسطة انقلاب عسكري، سيلا من الوعود المغرية و الشعارات الخادعة لبعض النخب و الشرائح الشعبية، لكنها سرعان ما تحولت ـ في أعين المواطنين ـ إلى أكاذيب و سراب لا يطعم من جوع ولا يسقي من ظمأ.
فالوعد بتعميم الماء و الكهرباء على جميع المدن و القرى خلال سنة، تحول إلى كذبة بشهادة سكان المدن و القرى الذين يلجئون ـ من حين لآخرـ إلى عرقلة المرور في العديد من معابر طريق الأمل و طريق روصو/نواكشوط و غيرها من شرايين البلاد، احتجاجا على شدة الظلام والعطش الذي يعانون منه.
والوعد بتخفيض أسعار المحروقات و المواد الغذائية تحول إلى زيادات متتالية بمعدلات لا تطاق، إذ ارتفعت أسعار المحروقات بنسبة تزيد علي 51% ، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسب تتراوح ما بين 50 إلى 100% حسب المواد.
ومشكلة الأحياء العشوائية في نواكشوط و نواذيبو، التي تعهد ولد عبد العزيز بإنهائها في ظرف وجيز سنة 2008، تفاقمت بسبب الظلم الذي يتعرض له سكان الكزرات على يد القائمين على هذه العملية، و الظروف المزرية التي ترك فيها سكان أحياء الترحيل.
كما أن الانفلات الأمني المشهود وتفشي الجرائم في جميع أنحاء البلاد خصوصا في نواكشوط و نواذيبو، بدد كل الآمال التي عقدها البعض، في هذا المجال، على حكم العسكر.
ويبدو أن محاربة البطالة والفقر لم تكن تعني في قاموس النظام الحالي غير مضاعفة طوابير العاطلين عن العمل و المتسولين والجائعين.
أما “محاربة الفساد” فقد اتضح أن هدفها هو التغطية على أكبر عمليات فساد عرفتها البلاد عبر تاريخها، إذ يعمل ولد عبد العزيز و زبانيته بصفة فجة على الاستحواذ على مقدرات البلاد الاقتصادية و المالية. فالثروات المعدنية و السمكية تتعرض لنهب منظم، و ميزانية الدولة يتم التلاعب بمواردها يوميا، والتمويلات الدولية تصرف خارج نطاق القانون ( 50 مليون دولار هدية من السعودية، و أكثر من 200 مليون دولار ثمن تسليم السنوسي للسلطات الليبية)، والقطع الأرضية الثمينة توزع حصرا على المقربين من ولد عبد العزيز، ناهيك عن عشرات الصفقات التي تمنح بالتراضي؛ مثل صفقة الطائرات العسكرية المتهالكة، وصفقة الطائرات المدنية، وصفقات برنامج أمل، وصفقة مطار نواكشوط، وصفقات وزارة الصحة سيئة الصيت، وصفقات شركة اسنيم، فضلا عن صفقة محطة توليد الطاقة الكهربائية التي سربت هيئات أجنبية معلومات تفيد بأن منحها تم على أساس رشاوى مقدمة لجهة عليا في البلد.
والواقع أن تظاهر ولد عبد العزيز بمكافحة الفساد باتخاذه لبعض الإجراءات الهادفة إلي تعرية أشخاص ليست له بهم صلة ود خاصة – على غرار ما حدث أخيرا مع المسئولين عن صفقة قطاع الثقافة – لا يلغي حقيقة تستره المتعمد على الفساد الأكبر للمقربين منه و لا يعدو كونه ذرا للرماد في أعين الرأي العام.
وليس التلاعب بملفات حساسة كملف الإرث الأنساني وملف الاسترقاق، وتشجيع التظاهرات القبلية والعشائرية، إلا نماذج تؤكد المخاطر الجدية التي تهدد الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي تحت نظام ولد عبد العزيز.
إن هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة تتزامن مع أزمة سياسية و مؤسسية متفاقمة، ما فتئت المنسقية تحذر من تداعياتها، وهاهم فاعلون سياسيون آخرون في الساحة الوطنية يؤكدون نفس الرؤية، حيث أجمع قادة أحزاب المعاهدة من أجل التناوب السلمي وأحزاب أخرى منسحبة من الموالاة من بينها أحزاب التحالف الوطني، بالإضافة إلى لفيف من الهيئات المدنية و الشخصيات الوطنية المستقلة، أجمعوا كلهم على وجود أزمة سياسية ومؤسسية خطيرة يستدعي حلها تضافر جهود جميع الخيرين في البلاد.
. ذلك أن جميع مؤسسات الدولة في حالة شلل و كافة سلطاتها مختزلة في شخص محمد ولد عبد العزيز.
فالسلطة التشريعية في البلاد فقدت شرعيتها بسبب التأجيل اللا دستوري للانتخابات البرلمانية، والسلطة التنفيذية عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من مطالب الشعب وتمارس الإقصاء و التهميش في حق معارضيها، أما السلطة القضائية فلم يعد اسمها دالا على مسمى، بعد أن تكررت تدخلات ولد عبد العزيز في عملها، مما أفقدها صفة الاستقلالية المفترضة في من يحكم بين الناس بالعدل، حيث يتم تعطيل تنفيذ أحكام القضاء ويسجن الناس أحيانا دون المرور بالقضاء و يطلق سراحهم تارة بدون إذن من المحاكم المختصة.
فكيف لا ندعو، والحالة هذه، إلى رحيل نظام ارتكب كل هذه الجرائم السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في حق الوطن؟
كيف لا نطالب برحيل رئيس يخرق الدستور ويتلاعب بتعديلاته ولا يعبأ بباقي قوانين الجمهورية؟
كيف لا نطالب برحيل رجل يوظف موقعه في الرئاسة لجمع المال لنفسه، نهارا جهارا؟
كيف لا ندعو إلى رحيل رئيس يصر على رفض تطبيق القانون رقم 2007/ 054 الصادر بتاريخ 18/ شتمبر/ 2007 المتعلق بالشفافية المالية في الحياة العامة، الذي يلزم رئيس الجمهورية بنشر تصريح بممتلكاته و ممتلكات أبنائه القصر؟
كيف لا نطالب برحيل رجل منغمس في فضيحة أخلاقية لم تستطع التلفيقات و الأكاذيب تغطيتها في الوقت الذي كان من المفترض أن يكون قدوة للجميع؟
كيف لا ندعو إلى رحيل رجل متهم بإقامة علاقات مشبوهة مع شبكات المخدرات؟
كيف لا ندعو إلى رحيل رجل متهم بإقامة علاقات مع شبكات تبييض الأموال و تزوير العملات؟
كيف لا نطالب برحيل رجل متهم بتقديم رشاوى لجهات أجنبية مقابل تزكية انقلابه سنة 2008؟
كيف لا نطالب برحيل رجل ينتهج المراوغة و الخداع مع شعبه؟ يوقع الاتفاقيات مع المعارضة ثم يتنصل من التزاماته، ويبرم التفاهمات مع عمال الشحن والتفريغ في الميناء فينقض تعهداته، ويتعهد لعمال الجرنالية في شركة اسنيم بتلبية مطالبهم فينكث عهده!
كيف نثق في نزاهة انتخابات يديرها نظام عسكري استبدادي ؟
أليس من الواضح أن الهدف من الانتخابات التشريعية و البلدية التي شرع ولد عبد العزيز في تحضيرها من خلال حملة سابقة لأوانها هو صرف الأنظار عن الأزمات المتفاقمة التي يتخبط فيها نظامه والفضائح التي تحاصره من كافة الجهات؟
ألم توضح الاستقبالات الفاترة لولد عبد العزيز خلال زياراته الكرنفالية لولايتي داخلة نواذيبو و اترارزة مستوى وعي الشعب لحقيقة الرجل و شغفه بإطلاق الوعود المخلوفة ؟
إن منسقية المعارضة الديمقراطية إذ تذكر أن دور الأحزاب في الأنظمة الديمقراطية الطبيعية يقتضي، كما هو مبين في ميثاق الشرف ووثيقة 11 مارس التي تسطر ضوابط المشاركة في المنافسات الانتخابية الصحيحة، المشاركة في المنافسات الانتخابية، لتعلن:
ترحيبها بأية انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، تديرها سلطة توافقية، وتجري في ظل حياد تام للإدارة والمال العام و الإعلام العمومي والقوات المسلحة وقوى الأمن، ويُضمن فيها حياد نفوذ الدولة اتجاه المواطنين وخاصة الموظفين ورجال الأعمال. رفضها الحازم لأية انتخابات مناقضة لهذه الصفات، وهو ما تؤكد كافة المؤشرات على سعي ولد عبد العزيز إليه، حيث الإدارة مجبرة على الانحياز لمرشحي النظام، وقادة المؤسسة العسكرية منخرطون باندفاع في الحزب الحاكم، والمال العام والخاص مسخر للموالين لولد عبد العزيز، و جميع القائمين على الإعلام العمومي من الوزير إلى مديري مؤسسات الإذاعة و التلفزيون و وكالة الأنباء كلهم أعضاء قياديون في الحزب الحاكم.
دعوتها الشعب الموريتاني إلى خوض جميع أشكال النضال الديمقراطي من أجل رفع المظالم التي يتعرض لها، والتعجيل برحيل النظام القائم لفتح المجال أمام التناوب السلمي على السلطة عن طريق انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تُشرف عليها حكومة يثق جميع الفرقاء في نزاهتها وحيادها.
نواكشوط، 07/ يوليو/ 2013.