وكالة التنمية الحضرية و المهمات الصعبة

مثل التوسع الأفقي لمدينة نواكشوط إحدى العراقيل التي تواجه عملية تنمية وتطوير وعصرنة المدينة كما يلقي بظلاله على المظهر الحضاري لها كعاصمة تعيش نموا ديمغرافيا متزايدا نتيجة الهجرة الداخلية من الريف الى المدينة.

من هنا شكل توفير السكن إحدى الإشكاليات المحورية التى واجهت وتواجه السلطات العمومية والتى تتطلب البحث عن حل جذري ودائم وجد تطبيقه اخيرا من خلال خلق وكالة للتنمية الحضرية في موريتانيا.

وإذا كانت مهمة الوكالة الجديدة تتلخص بالأساس في إعادة تأهيل الأحياء العشوائية القائمة وتوزيع القطع الأرضية وإخلاء الساحات العمومية وشق الطرق وبناء المؤسسات الخدمية من مدارس ومصحات وأسواق فهي مسؤولة أيضا عن كل ما تتطلبه عملية إعادة التأهيل بشكل إجمالي من الناحية الفنية والإشراف.

تحدى الكزرة.. وتجربة الحي الساكن

يعود إنشاء وكالة التنمية الحضرية الى العام 2001 لتحقيق مهمات عديدة ومتشعبة لم يكن من ضمنها موضوع إعادة تأهيل الأحياء العشوائية، ومع ظهورإرادة السلطات الحالية في القضاء على هذه الظاهرة انيطت بالوكالة مهمة الإشراف على عملية إعادة تأهيل هذه الأحياء.

وعلى الرغم من التجربة الميدانية للوكالة في مقاطعة الميناء، مثلت زيارة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز سنة 2008 لمنطقة الحي الساكن والتزامه بالقضاء النهائي على ظاهرة “الكزرة” بداية العمل الفعلي للوكالة في هذا الصدد وتم إحصاء كافة سكان الحي لتنتهي عملية إعادة التأهيل أواخر 2010 و تمكنت كل أسرة في الحي الساكن من الحصول على قطعة أرضية في المكان الذي كانت تقيم به أو بالقرب منه، وتم شق الشوارع وتوفير بنية تحتية متكاملة من مدرسة ومركز صحي وسوق شعبي، وشبكة طرق وكهرباء. من هنا يوضح القائمون على الوكالة جاهزتها وجديتها في القضاء على هذه الظاهرة بشكل كامل ونهائي وان كان من الصعب جدا تحديد أجل دقيق لإكمال هذه العملية، نظرا لتعقيداتها وتشعبها وما تتطلبه من شفافية كاملة، ومن استصلاح للقطع الأرضية، وتوفير البنى التحتية الأساسية لجعلها قابلة للسكن اللائق.

ويوضح مديرالوكالة السيد اعلي سالم ولد مناه أن عدم تعاطي الحكومات السابقة مع ظاهرة “الكزرة”زاد من تفاقمها وان السلطات العمومية اليوم تتعاطى مع هذه الظاهرة بصرامة وبإرادة صادقة وفعلية للقضاء عليها بشكل نهائي مشيرا الى أن المنهجية المعتمدة الحالية تقوم على إعداد وتوفير كل ما تتطلبه هذه العملية من الناحية المادية واللوجستية والبشرية ومن استصلاح للقطع الأرضية، وتوفير البنى التحتية الأساسية لجعلها قابلة للسكن اللائق.

عملية التأهيل.. مجهود وعراقيل

شكل المجهود الكبير الذي حققته وكالة التنمية الحضرية في مجال تأهيل القطع الأرضية في فترة وجيزة قفزة نوعية تثبت أهمية حجم ما تحقق في هذا المجال؛ حيث تمت تسوية وضعية ما يناهز 6000 أسرة في الحي الساكن، وإحصاء ما يقارب 20000 عائلة في عرفات، وفتح ما يزيد على 40 شارعا رئيسيا كما أنها في مرحلة متقدمة لفتح ما يقارب 600 شارع ثانوي، بالإضافة إلى إخلاء الساحات العمومية؛ و ترحيل ما يقارب 7000 أسرة و تهيئة منطقة مستصلحة لإيواء واستيعاب هذه الأسرتم تأهيلها وتوفير كل المستلزمات الأساسية فيها، على صعيد الطرق والمصحات والكهرباء…

عملية لا تخلو من صعوبات وان أصرت الحكومة على أن يتم ترحيل الأسر المعنية إلى منطقة مؤهلة تماما بكل ما تعنيه الكلمة تتوفر فيها كافة مقومات السكن اللائق والبنى التحتية والخدماتية الأساسية أبرزها عقلية المواطن في التعاطى مع العملية وعدم تفهمه للإجراءات المتبعة من قبل الوكالة.

وفي هذا الصدد أوضح المدير أن وكالة التنمية الحضرية لا تملك عصا سحرية لحل كل الأمور ذات الصلة بمشكلات السكن وان التوجه الجديد للسلطات ينبغي أن تتم مواكبته بصدق ونزاهة وجدية وشفافية ،مشيرا الى أن هذه الإنجازات لا يمكن أن تتحقق بدون إشراك الجميع ومشاركتهم ومساهمتهم الجادة والفعلية في ذلك.

مواطنون .. وتثمين الدور

من خلال زيارة ميدانية لما بات يعرف بأحياء الترحيل فى العاصمة يدرك الزائر الاختلاف البين بين ظروف السكان سابقا وظروفهم الحالية ،بين وضعية مساكنهم سابقا ومحيطهم السكني الجديد ويزداد الزائر اطمئنان على مصير سكان هذه الأحياء كلما حاورهم وقارنوا وضعية اليوم بوضعية الأمس غير المأسوف عليها.

محمد ولد أعبيد الله احد المرحلين من مقاطعة الميناء عبر عن ارتياحه لقرار الترحيل والظروف التى تم فيها منبها على أن المنطقة التى تم ترحيلها منها تفتقر لابسط وسائل الحياة وتشهد اكتظاظا في المساكن والاعرشة يحول دون وصول الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء ان وجدت ونقل وخدمات صحية وان منطقة الترحيل الجديدة تم تاهيلها بما يضمن استفادة المواطن من الخدمات الأساسية.

ولا يخفي محمد في حديثه رغبته الجامحة فى زيادة مستوى هذه الخدمات وخصوصا خدمات النقل من والى هذه الأحياء حتى تتمكن ساكنتها من الاستفادة من مركز المدينة.

وفي المقطع 17 بعرفات أوضحت خديجة بنت نوح وهي تشرف على بناء منزل صغير بالقطعة الأرضية الممنوحة لها في أطار مخطط تأهيل الأحياء العشوائية لنواكشوط أن عملية الترحيل وضعت حدا لمعاناة سكان الأحياء العشوائية التى استمرت أكثر من ثلاثة عقود من الزمن متمنية أن يصاحب العملية توسيع في دائرة الخدمات المقدمة للمواطنين. وبين محمد ومريم تتباين الاراء حول إجراءات عملية تأهيل الأحياء العشوائية في نواكشوط من حيث السرعة والنجاعة وتوسيع دائرة المستفيدين، ومن حيث زاوية النظر الى الانجازات المحققة ليتفق الجميع في النهاية على الإشادة بالمجهود المبذول من طرف وكالة التنمية الحضرية كهيئة حديثة استطاعت أن تضع يدها على جرح الأحياء العشوائية النازف منذ أزيد من ثلاثة عقود وان تجد له الدواء المناسب او على الاقل الضمادة التى توقف نزيفه.