على هامش: “رحلة مع الحياة للدكتور محمد المختار ولد أباه / محمد عبد الله بكاي
الزمان أنفو _
من محاسن الصُدف أن أقتنيَّ النسخة الإلكترونية لسيرة حياة الدكتور: محمد المختار ولد أبّاه في
“رحلة مع الحياة” وأنا في نقاهة صحية تُلزمني موانعَ القراءة والتزود.
فمن ذا الذي سيتقيد بإرشادات وأدبيات أخصائي عيون لا يُعاني سُطوة جاذبية العنوان وهيمنة شهرة صاحبه، وأي أثمد أجلى للبصر من متعةِ تَتَبُّعِ صاحب الهمة القعساء والعبقرية الفذَّة الدكتور والمفكر محمد المختار ولد ابَّاه.
ورغم ذلك أتساءل دوما كلما طويتُ آخر صفحة من سِفْرِ هؤلاء العظماء هل في فصول حيواتهم التي قرأت بنَهمٍ بالغ ما هو جدير بهذا التميز والألق والشهرة الباذخة؟
أتردد قليلا ثم أستدرك أنه ربما يَعزب عن ذهني أن كيمياء العبقرية ألقت بهؤلاء إلى ذُرى العاليات دون ترصد منا للحظات معارجهم وإشارات إقلاعهم في رحلاتهم الخاطفة ذات الامتدادات والاتساعات الرحبة.
ثم لا يلبثوا أن يدرِكوا فجأةً أنه لم يعد بإمكانهم أن يُتحِفوا بما هو نفيس فيُودعون سرعى ومقص الفناء يدَّب في دوحتهم الفتيَّة وهم لايزالون في نضارة من مَيْعَتِهم وعِزًا من شبابهم ولعلي من قبيل الاستحضار الممزوج دوما بتأمل سُحَنِ الفائزين ببراءات الاختراع وبصمات الابتكار أجثو أمام لورانس پراگ الحاصل على جائزة نوبل للفيزياء ولَمَّا يسلخ من إِهابه ثلاثا وعشرين ربيعا لا غير.
– سيد العابرين المرحوم لبروفسير المرحوم يحي ولد حامدون الفائز بميدالية فيلدز المعادلة لجائزة نوبل للرياضيات “العقدُ الفريد” يتألق دون أن يطول أو يتسع لغير الخالدين من أمثال هؤلاء.
ودون أن أذهب بعيدا في الإطلاق فإنَّ كوكبةً يسيرة من هؤلاء الأفذاذ لازالت تتفجر حيوية وعافية بعد أن وضعت أرجلها في لُجَّةِ المئة الثانية من السنين.
– الألمعي هنري كسينجر صاحب النظريات الجيوسياسية لازال لديه ما يُدلي به في حرب أوكرانيا التي شبت هذه الأيام، يدخر من مكون حصافة الرأي ما يلقيه في روع كل رئيس يحل بالبيت الأبيض منذ ما يربو على ستين سنة.
– العظيم إدگار مورين خاتمة فلاسفة الإيكزاكون يُمضي على إهداءات مؤلفاته في نشوة ورشاقة متفردة، يحاضر ويساجل ويفحم.
– الموسوعي الدكتور محمد المختار ولد ابَّاه أحد العباقرة الذين لا يزدادون مرة واحدة وإنما حداه الطموح والنبوغ لولادة ذاتية أخرى ليصبح القامة الفارعة التي تصالح فيها المثقف الرافض والسياسي الطامح والطيار الماهر والأكاديمي الرزين وبين هذا وذاك المترجم عن الله تعالى في معاني كَلِمِه لِجهابذة الشاطئ الآخر أحفاد فولتير وجان جاك روسو.
الشاب الذي هالته الصعقة الأولى في مشاهدة الآخر مجسما في البشرة الأوروبية البيضاء للمصورة والموثِّقة والسائحة أوديل دي بيكاندو ثم التعرف على ناطحات سحاب أبي تيلميت ودوِّي رطانة الجنود وبدلاتهم المزركشة…. سيتعرف بعدئِذٍ على فطاحلة أعرق الجامعات الأوروبية حيث سينسج عِلاقات مع نوابغ الفكر من: أركون والمنجرة ورواد المستشرقين وغيرهم، بل سيصبح أول مبَرَّز في الآداب ببلاد المنكب تماما كما تُوج الرئيس الشاعر ليوبولد سيدار سنغور حيث كان أول مُبَّرز في النحو الفرنسي للجارة الجنوب.
أُحجم أن أُساير رحلة ولد ابَّاه الا في خطها الأفقي المتميز لخُلوِّي من المقومات المؤهلة لتقييم تجربة من في مثل الشخصية العلمية والثقافية الدكتور محمد المختار.
استهلالا بالدولة “المستحيلة” مرورا بطموحات الحدود القَلِقَة وانتهاءً بتسنُّم الوظائف والمنابر الدولية الكبرى سطَّر الكاتب فصولا من حياته ستبقى مثارا يتعاوره الإعجاب والجدل.
تتكئ الرحلة على منخول الذاكرة والسرد الآسر أكثر مما تجنح للإجابة على التساؤلات التاريخية الكبرى للبلد، والاعترافات التي تحتاج التوقف عندها من أرباب السِّيَر الكبرى.
موريتانِيَّا كما كان ينطقها المختار “المؤسس” كادت أن تضيع تحت أقدام التاريخ ويُختزل حيِّزها في رحلة الفراسخ التي قطعها القائد اعل شنظورة والشاعر ولد رازگه.
الدولة التي أراد له