إلى عبد الفتاح السيسي/ حبيب الله ولد أحمد
حضرة الفريق /
ربما يحق لمواطن موريتاني، مخاطبة مواطن مصري، حتى وإن اختلفت المواقع والمواقف و(الأحجام) بينهما.
سيدي أناشدك أن تسحب الجيش من الميادين، وتبعده عن المعتصمين والمتظاهرين سواء كانوا من شيعتك أومن شيعة مرسي، وتنشره حيث يجب أن يكون، هناك في سيناء، وعلى خطوط المواجهة مع إسرائيل لحماية الأرض والعرض.
لقد تأسس الجيش المصري العتيد، لتوجيه السلاح إلى الأعداء، لا إلى صدور المواطنين المصريين، مهما كانت درجة الخلاف معهم، بل حتى لو حملوا ضده السلاح..
سيدي الفريق /
ما رأيناه في رابعة والقائد إبراهيم، وغيرهما من الميادين والمساجد في مصر كلها من ضحايا وصراخ، ودماء وعويل، وبؤس وحصار، وخراطيش ومسيلات دموع، ورصاص حي و”ميت” في شهر رمضان المبارك(ليس مقبولا أن يفطر المصريون بمسيلات الدموع ويسحروا بالرصاص الحي)، غير مقبول أيا كانت الجهة التي تقف وراءه.
إن الجيش من واجبه حماية الناس، كل الناس، وليس إرهابهم، وأنتم لا تحتاجون تفويضا باعتباركم قائدا عسكريا، ووزيرا للدفاع، ورئيسا فعليا للبلاد، ويمكن لكم التحرك لفرض الطمأنينة وإعادة الاعتبار لمصر كيانا ومؤسسات ولحمة وطنية.
إذا كان من بين المعتصمين المؤيدين للرئيس المخلوع مرسي من يريد العنف، ويحن إليه، وله تاريخ طويل معه، فإن دعوتكم للتفويض كانت مع الأسف تناغما عجيبا، (لا تكفى الصدفة وحدها) لتفسيره مع دعاة العنف والفوضى في الطرف الآخر.
سيادة الفريق /
صحيح أن المصريين – كما كل العرب – يريدون دولة كيان وطني قوي موحد جامع مانع، يضمن حقوقهم، ويحترم ثقافاتهم، وخصوصياتهم الدينية والحضارية والعرقية، ويحرص على تأديتهم لواجباتهم، وهو الكيان الذي يتناقض مع الدولة التيارية (العبائية) الضيقة التي أثبتت تجربة محمد مرسي فشلها، فبدت مخلخلة هزيلة ضعيفة، وكانت مرآة تعكس وجها فكريا وسياسيا واحدا من الوجوه الفكرية والسياسية المصرية ، وتعتم أن تظهر عليها بقية الوجوه السياسية والفكرية المصرية المتعددة..!!
سيدي/
لسنا مع الإخوان المسلمين وإن كنا نحترمهم، ونقدرهم، ونعرف حجمهم الضارب في الوطن العربي كله، وحقهم في الحصول على ما يترتب عن ذلك الحجم، ولكن بطرق ديمقراطية حقيقية وصافية المنبع.
نعم نختلف معهم سياسيا وفكريا (ربما ظلمنا أنفسنا بظلمنا لهم وربما ظلموا أنفسهم بظلمهم للآخرين)، ولا تروق لنا بعض الممارسات التي دأبوا عليها في الوطن العربي، وأدت – مع الأسف – إلى انفراط عقد الكيانات العربية القطرية، ودخولهم تاريخيا في حروب داخلية مشهودة كان أبرزها وأكثرها دموية وإيلاما للجسد العربي في مصر ضد عبد الناصر، الذي اتهمهم واتهموه، وذهب مع الجيل الذي حاربه منهم إلى الله ليحكم بينهم وهو خير الحاكمين.
والحقيقة أن”انقلابكم الثوري” (أو ثورتكم الانقلابية) على الرئيس مرسي كان متوقعا وطبيعيا بعد أن فقدت مصر البوصلة، وبدأت تحكم من داخل “عباءة”ضيقة، وسادت الفوضى، وغاب الأمن، وأطل الجوع والبؤس على كل الأرض المصرية..(قيل للأمانة إن فلول حكم مبارك ومجاميع القوميين واليساريين والمؤسسة العسكرية هم من فوت الفرصة على مرسي ليملأ مصر عدلا كما ملأها سابقوه جورا وذلك باختلاق المشاكل وتأليب الناس عليه وهو القوي خطابيا الضعيف نفوذا وشخصية).
إن الديمقراطية التي أوصلت مرسي إلى الحكم ليست طاهرة، ولا منزلة من السماء، ولولا دعمكم في المؤسسة العسكرية المصرية لها، وتغليفها بمال قطر وإعلامها وفتاواها ودعمها السخي، لما وصلت بمرسي إلى سدة الحكم، وإنه في الحالة العادية في الوطن العربي فإن “الديكتاتورية الحميدة” أفضل بكثير من “الديمقراطية الخبيثة”، وتحديدا ف”الديكتاتورية الحميدة” تفرض هيبة الدولة واحترام مؤسساتها حتى مع ما تقوم به من تجاوزات قد تكون كارثية أحيانا..!!
إنها تبنى المؤسسات الطبية والتعليمية، وتكرس الإحتكام لقوة الدولة ومؤسساتها، وإن كان من سيئاتها الكثيرة أنها تنتج “ملكا إلها” لا معقب لقراراته (وينصح بتركها في متناول الشعوب العاجزة نخبا مدنية وعسكرية عن وضع ديمقراطية حقيقية يمكن الركون إليها)
أما الديمقراطية الخبيثة فهي أن نذهب إلى صناديق الاقتراع نفاقا وشراء للذمم، وإملاء من الخارج، لنقدم للناس حاكما ضعيفا مهزوزا يحتار في تنفيذ أوامر المحيطين به من “أم العيال” إلى الشيخ السياسي، مرورا بصديق الطفولة، وصولا للحليف الأجنبي..!!
إنها تريد للناس أن يشبعوا ديمقراطية جوفاء، ليموتوا ضعفا وغيابا للأمن، وتجويعا و”ولاية لفقيه” و”كرامة لولي”..!!
إن أمريكا ليست متماسكة بفعل الديمقراطية مثلها مثل دول الإتحاد الأوروبي، إن هو إلا تحالف وطني قديم جمع كل الأديان والحضارات والثقافات تحت علم واحد يجدون في ظله حقوقهم ويقومون على تموجاته بواجباتهم..!!..ولذلك فكيان وطني ديكتاتوري قوي، هو أفضل بكثير – بالنسبة للشعوب القبلية العشائرية التي لا تفرق بين “تعدد الزوجات” و”التعدد السياسي” – من كيان ديمقراطي هش في أحسن الحالات يغيب فيه الناس باعتبارهم أقليات ضعيفة(صناديقيا)..!!
سيادة الفريق /
لست في موقع يؤهلني للنصح أو المشورة، غير أن ألمى لإراقة دماء المصريين العظماء، والذين لا افرق بين أحد منهم، جعلني أفكر في أنه عليكم فعلا وضع حل عاجل وفوري لهذه الأزمة البغيضة.
إن الحل بسيط شريطة استحضار الواجب والمسؤولية الوطنية والقومية والإنسانية، فأنتم كما مرسي، و عدلي منصور، والشيخ الطيب، والأنبا تضاورس، وحمدين صباحي، وعمرو موسى، والكتاتنى، والعريان، والبلتاجى، وبديع، يمكنكم جميعا – وبقرار موحد – التراجع عن “الانقلاب الثوري”(أو الثورة الانقلابية”) والطلب – بأريحية – من مرسي أن يتنحى طواعية حقنا للدماء، فتعود أنت وجنودك للثكنات، والشيخ إلى أزهره، والأنبا إلى كنيسته، والآخرون إلى مواقعهم الطبيعية، وبعد ذلك تتكون لجنة حكماء أو “استشاريين” يعهد إليها بترتيب أوضاع جديدة، فتحكم تلك اللجنة الموسعة – والتي لا تستثنى من عضويتها أحدا – البلاد عبر مرحلة انتقالية، يحددها دستور جديد مجمع عليه، يفضى إلى انتخابات يلتزم الجميع باحترام نتائجها أيا كانت، وبضمانات دولية محايدة، مع التأكيد على إبعاد الجيش نهائيا عن الشأن السياسي، وإعطاء حقيبة الدفاع لرجل مدني، ويبقى للرئيس (القائد الأعلى للقوات المسلحة دستوريا) وقواد الأركان وحدهم الحق في إعادة الجيش لدوره الحقيقي والطبيعي، محاربا في حالة الحرب، ومزارعا في حالة السلم..
إن قرارا بهذا الحجم بات ضرورة ملحة، هي نفسها الضرورة التي أباحت تنحية الرئيس مرسي، فدماء المصريين بحاجة لرجال رشداء يحقنونها بالعقل والتبصر والوطنية والنية الصادقة، وبجعل الوطن المصري العظيم فوق كل اعتبار.
سيدي الفريق /
كلمة أخيرة
اعلم أن الإخوان المسلمين – مهما كانت أخطاؤهم ومهما كان حجم الخلاف معهم – تيار تاريخي قوي متجذر خالط لحم الشعوب العربية وعظمها، وهم “لباب” شجرة مصر العظيمة ولا يمكن اجتثاثهم، ولا تجاوزهم، ومن غير المقبول – تحت أي ظرف – مصادرتهم، أو محاولة القضاء عليهم، أو محوهم من الخريطة، حتى لو كانت “خريطة طريق” عابرة كتلك التي رفعتم شعارها غداة “ثورتكم الانقلابية” (أو “انقلابكم الثوري”) على مرسي..!!..ثم إنه من الحماقة والمجازفة واللعب بالنار، استهداف الإخوان، واستفزازهم وجرهم إلى حرب أهلية، لم تزل رصاصتها في جيوب أغلب تنظيماتهم السرية المسلحة شديدة المراس..!!
كنا نريد تصحيحا حقيقيا لأخطاء مرسي، ولكن ب”الأزرق” وليس ب”الأحمر” كما حدث مع الأسف..!!
لا يمكن لأي كان تبرئة أحد، أو اتهام أحد الآن في هذه الفتنة التي تعم مصر، والتي هلك فيها “سعد” قبل أن يهلك “سعيد”..!!
إن مصر العظيمة لا يمكن أن تبقى فريسة صراعات تيارية ضيقة عابرة، ولا قطعة شطرنج، تترنح فيها – إلى جانب بيادق إسرائيل وأمريكا – بيادق الإمارات والسعودية، بعد انزياح بيادق قطر وتركيا..!!
مصر يجب أن تخلع ثوبها الدموي لترينا مرة أخرى وجهها الحنون الدافئ الجميل، ليس لأنها أم الدنيا، ولكن لأنها قلب العرب وحصان عربتهم والمضغة التي إذا صلحت صلح الوطن العربي كله وإذا فسدت فسد الوطن العربي كله.
عليكم أيها المصريون أن ترددوا بعقولكم الكبيرة، وقلوبكم الطيبة، وليس بألسنتكم فقط:
( بلادي بلادي بلادي لكِ حبي و فؤادي بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي مصر يا أم البلاد انت غايتي والمراد وعلى كل العباد كم لنيلك من أياد بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي مصر انت أغلى دره فوق جبين الدهر غرة يا بلادي عيشي حرة واسلمي رغم الأعادي بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي مصر يا أرض النعيم سدت بالمجد القديم مقصدي دفع الغريم وعلى الله إعتمادي بلادي بلادي بلادي لك حبي و فؤادي بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي مصر أولادك كرام أوفياء يرعوا الزمام سوف تحظى بالمرام بإتحادهم وإتحادى بلادي بلادي بلادي لك حبي و فؤادي بلادي بلادي بلادي لك حبي و فؤادي)
إنها تستحق عليكم ذلك..
شكرا حضرة الفريق