من المسؤول الأكبر عن المجاعة العالميّة الوشيكة؟
كتب عبد الباري عطوان:
الزمان أنفو ـ
كيف يُؤكّدون أن بوتين يُواجه الهزائم وقوّاته تُحقّق انتصارات في “ماريوبول” وتُؤمّن الطّريق البرّي الاستراتيجي إلى القرم وتُوشك إحكام سيطرتها على دونباس؟ ولماذا سيُعيد إيقاف الغاز الروسي عن فنلندا وبولندا وبلغاريا أوروبا إلى عصر الفحم الحجري؟ ومن المسؤول الأكبر عن المجاعة العالميّة الوشيكة؟
في الوقتِ الذي يتحدّث فيه الإعلام الغربي بإسهابٍ عن تلاحق الهزائم بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقوّاته، وأسلحته القديمة، الصّدئة، وغير المُتطوّرة، تعكس الوقائع على الأرض، العسكريّة والاقتصاديّة منها، صُورةً مُغايرةً تمامًا، خاصَّةً بعد استكمال الجيش الروسي سيطرته على ميناء ماريوبول الاستراتيجي، وتأمين الطّريق البرّي بين البر الروسي وشبه جزيرة القرم، واستِسلام أكثر من ألفيّ جندي وفنّي كانوا يتمركزون في مصانع أزفوستال، وإلقاء سِلاحهم ونقلهم مُطئطئي الرؤوس إلى موسكو.
لو كان الرئيس بوتين مهزومًا، واقتصاده مُنهارًا، لما أقدمت شركة غازبروم الروسيّة على وقف إمدادات الغاز إلى فنلندا، وقبلها إلى كُل من بولندا وبلغاريا عقابًا للدول الثلاث على رفضها التّجاوب مع شُروطها لتسديد فواتير الغاز المجلوب من روسيا بالعملة الوطنيّة أيّ “الروبل”، فالمهزوم لا يفرض شُروطًا، وصاحب الاقتصاد المُنهار لا يُوقف تصدير غازه، ويُغلق أبواب مصرفه المركزي أمام المِليارات من العُملة “الصّعبة” مِثل الدولار واليورو.
***
الغاز الروسي يُغطّي 40 بالمئة من حاجات أوروبا، وحتى هذه اللّحظة لم تنجح مُعظم الجُهود الأمريكيّة والأوروبيّة في إيجاد البدائل، فمع اقتراب موسم الشتاء القارص، وبُدون الغاز لن تكون هُناك كهرباء تُوفّر التدفئة، وتُشغّل المصانع في القارة الأوروبيّة بشقّيها العجوز والشّاب، وهُناك تقارير جديّة تتحدّث حاليًّا بإسهابٍ عن زيادة احتِمالات العودة إلى الفحم الحجري، أيّ أكثر من مئة عام إلى الوراء، إن لم يكن أكثر.
الاقتصاد الروسي كان وما زال المُستفيد الأكبر من هذه الحرب التي أدّت إلى ارتفاعٍ قياسيّ في أسعار الغاز والنفط، وفّرت فائضًا تُقدّره بعض الأوساط بأكثر من 20 مِليار دولار شهريًّا على الأقل، الأمر الذي سيُغطّي جميع نفقات الحرب الأوكرانيّة، وربّما أكثر، بينما قد يضطر الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الاقتراض من الصين لتغطية المُساعدات التي أقرّها الكونغرس لأوكرانيا بطَلبٍ منه، وتبلغ قيمتها 40 مِليار دولار كدُفعةٍ أولى سريعة.
“الروبل” الروسي الذي كان دائمًا محور سُخرية المحلّلين الاقتصاديين الغربيين يعيش هذه الأيّام أحسن أيّامه، ويُحَلِّق في السّماء السّابعة، فقد ارتفع سِعره إلى 60.23 روبلًا مُقابل الدولار وهذا رقمٌ قياسيّ بالمُقارنة مع سعره في بداية الحرب الأوكرانيّة قبل ثلاثة أشهر، أيّ 140 روبلًا للدولار، فهل ازدياد العملة الوطنيّة قُوَّةً أمام عُملات الخُصوم مُؤشّرٌ على الهزيمة؟
القوّات الروسيّة، وحسب تقارير وكالة “رويترز” العالميّة للأنباء تُواصل الآن تقدّمها في لوغانسك، وتُوشك أن تُحكم سيطرتها بالكامل على إقليم “دونباس” الاستراتيجي، في جنوب شرق أوكرانيا، ولم تُساعد صفقات الأسلحة الحديثة المُتقدّمة التي تُرسلها واشنطن وحُلفاؤها إلى أوكرانيا في إيقاف هذا “القضم” الروسي بالتّقسيط المُريح للأراضي الأوكرانيّة خاصَّةً المناطق التي يتحدّث مُعظم سُكّانها باللغة الروسيّة.
المؤسّسة العسكريّة الروسيّة تصف إرسال الولايات المتحدة الأمريكيّة وحُلفائها الأوروبيين هذه الأسلحة بأنها “حرب بالإنابة”، وبدأت بالتلويح بالرّد بصواريخ “سامارت” الأسرع من الصّوت، ونظيرتها “إسكندر” والأولى، أيّ “سامارت” يُمكن أن تصل إلى لندن في أربع دقائق، وإلى السّاحل الشّرقي لأمريكا في أقل من سبع، وقادرة على خلق تسونامي ضخم يُغرِق عشرات المُدُن إذا ما جرى تحميلها برؤوسٍ نوويّة.
***
لا نفهم لماذا لا تدفع دول مِثل بولندا، وبلغاريا، وأخيرًا فنلندا ثمن وارداتها من الغاز والنفط الروسيين بالروبل الروسي، أو اليوان الصيني، وتُفَضِّل العودة إلى عصر الفحم الحجري، أيّ أكثر من مئة عام إلى الوراء، فإذا كانت تُراهن على أمريكا، فالأخيرة خسرت حرب أنبوب الغاز القطري عبر الأراضي السوريّة، وحُروب النفط في العِراق وإيران، وأخيرًا في السعوديّة والإمارات أقرب حُلفائها في الخليج، أمّا الاقتصاد الأوروبي الحليف فيدفع ثمنًا باهظًا، نتيجة السّياسات الأمريكيّة المُرتبكة وعُنوانها الأبرز قرع طُبول الحُروب، فالتضخّم وصل إلى أرقامٍ قياسيّة في أوروبا (بريطانيا 10 بالمئة)، واضطرّت أمريكا إلى التدخّل لتوفير الحليب لأطفال ألمانيا، وغلاء المعيشة، ونقص الغذاء والمجاعة العالميّة باتت كلّها العناوين المُرعبة للمرحلة المُقبلة عالميًّا للأسف.
أمريكا دمّرت الشّرق الأوسط، ونهبت ثرواته، وقبله أمريكا الجنوبيّة، والآن جاء دور أوروبا، وكُل هذا من أجل الحِفاظ على عرشها كقُوّةٍ عُظمى وحيدة تحكم العالم بدكتاتوريّة مُطلقة، حتى لو ورّطت العالم بأسْره في حربٍ عالميّة نوويّة أُولى.. وهذا قمّة الغطرسة والأنانيّة وقِصَر النّظر واللامسؤوليّة.