بعض عتاب موجه للإذاعة الوطنية / تربة بنت عمار
فمما لاشك فيه أن الأمانة تقتضي الاعتراف بالدور الإعلامي والديني والحضاري الكبير الذي تقوم به إذاعتنا الوطنية منذ أكثر من نصف قرن من الزمن ، فمعظم علمائنا ومثقفينا وأدبائنا اليوم هم نتاج للمدرسة الإذاعية ، لكن الشيء الذي يجعل المرء في حيرة من أمره أن تكون هذه القلعة الإذاعية ذات البعد العلمي تختزن مواد ثقافية سامة ونتنة في نفس الوقت ترشح بها بين الحين والآخر ، إنه لمن المستغرب جدا أن تكون إذاعتنا التي نفاخر بها وبدورها التوعوي تحمل في رسالتها الثقافية النبيلة ازدواجية الإنارة والظلام….!!!.
إن الإذاعة الوطنية بدون منافس هي أعرق مؤسسة في البلد وأكثرها ارتباطا بالمواطن ونفعا مجانيا له … أشياء تجعلني أحس بطعنة غادرة عندما استمعت لتصريح من أحد صحافتها الموقرين مقدم برنامج “روضة الصيام ” ذلك البرنامج الذي يقدم مسابقة ثقافية هزيلة يشارك فيها المبتدئون وذو المستويات السطحية …!!. ففي مساء السبت الموافق 18 من رمضاننا المبارك هذا حيث كنت أستمع من مذياع السيارة لتلك المسابقة التي أقرب هي للأحاجي من هي لشيء علمي ملموس ، لكن ذلك لا يهم ما دام للبرنامج متصلون ومعجبون فيما يبدو ….!!!!!!!!. المهم هنا التنبيه لخطورة الانزلاق الذي وقع فيه السيد الصحفي وهو عبر أثير إذاعتنا الموقرة ، ذلك الأنزلاق الذي يحسب على الإذاعة ، حيث كان مقدم البرنامج أثناء طرحه لبعض الأمثلة الحسانية قد وقع اختياره على مثل يقول : ” أعط للنيث إشبر تطام أذراع ” مما يعني أن المرأة إذا حصلت على شبر أرادت ذراعا ، ورغم أن الطموح ممدوح في عرفنا الديني والحضاري ، لكن الأمر إذا تعلق بالنساء فإنه يختلف….!!. ورغم كون طرح هذا المثل شيء بسيط في حد ذاته ، ولم يثير انتباهي لأنه مجرد جزأ من مخزوننا الثقافي ، الذي يحمل الغث والسمين ، لكن السيد الصحفي مقدم برنامج “روضة الصيام ” قد ذهب أبعد من ذلك وهو في عنفوان عطائه وإطرائه من طرف المستمعين مزهوا بقدرته العلمية ، ليأخذ جرعة من المكبوتات التراثية والعقد الذكورية ، وهو على مائدة برنامجه السطحي ليقول مستنتجا: ” إن المرأة لا بد لها من قيد يكون زمامه في يد الرجل لكي لا تتمكن من الحرية لأنها لا تصلح لذلك ، فإذا أرادت التحرك شد القيد لكي تضبط سلوكها من طرف الرجل المتحكم فيها …” هذه طبعا ترجمة مهذبة للذي قال صحافينا الموقر، صاحب الجولات العلمية والإطلالات الصباحية ، والصوت الجوهري الذي يشد سذج المستمعين ويطرب معظم الأميين ….!!!. وختاما لهذه الملاحظة العتابية القصيرة التي أتمنى لها أن لا تفسد في الود قضية ، أود أن أشير إلى أنني هنا لا أعاتب الصحفي المحترم لأنني لا أحبذ توجيه اللوم أو العتاب للأفراد، بل أوجه هذا العتاب لإدارة الإذاعة لكي تحافظ على هذه المؤسسة الموقرة لتظل كما كانت منبرا مستنيرا يضيء درب الذهنية الجمعية المعتمة بفعل التراكم الثقافي العفن ، إني أربئ بها عن الانزلاق نحو هوة الرجعية …!!. إنها الإذاعة التي أتنمى لها أن تحافظ على خطها المستنير وأن لا تكدرها دلاء الهيمنة الذكورية ومشاكستها الإقصائية ….!!!.