مسار الربيع العربي بقلم .عبد الصمد ولد امبارك
لقد عرفت البلدان العربية حراكا اجتماعيا غير مسبوق في تاريخها الحديث ،نتيجة لتنامي الوعي بالحقوق و الواجبات وتصدر المطالب العرائضية مقدمة التظاهرات الشعبية ، المنادية بالتغيير والتجديد في انماط التعاطي مع الشأن العام ،بعد ما انكسر جدار الصمت من خلال انقلاب القيم والمفاهيم علي الركود المهيمن و الاحتكار القائم .
لقد ادت لانتفاضة الشعبية منذ البداية إلي سقوط الأقنعة من خلال تلاشي انظمة الاستبداد في مصر وتونس وليبيا واليمن مع تبديل خارطة الطريق لبقية البلدان العربية ، بشكل ادي الي ظهور ماباة يعرف بالربيع العربي الذي لم يعمر طويلا امام تلاحق الفصول الصيفية والشتوية الدامية ،نتيجة انفجار وتيرة العنف من خلال الاغتيالات السياسية في تونس وليبيا من جهة والمواجهة الصريحة بين الارادة الشعبية والشرعية الدستورية في مصر من جهة اخري.
لقد وصلت الأوضاع العربية اليوم إلي مستوي المأزق او الأزمة الشائكة ذات المعوقات المعقدة وما يزيد هذه الوضعية تأزما ، تراكم المؤشرات القوية لظواهر العنف والإرهاب والتطرف الداخلي ،بالإضافة إلي انقسام النخب السياسية علي نفسها وانفصالها عن المواقف الجماهيرية العامة ، نتجت عنها عدة اخفاقات بينية طفت علي المشهد السياسي العربي في معظم حلقات تطوره.
فالأنظمة التي افرزها التحول المفاجأ علي مستوي القمة لم تكن منسجمة الي حد التحكم في الشأن العام , لواقع شعوب تعاني تلاحق عدة ازمات سياسية واجتماعية بالإضافة الي بسط نفوذ الازمة الاقتصادية العالمية علي مختلف حلقات العملية السياسية برمتها وتأثيرها المباشر علي النفوذ العالمي في ارادة شعوب دول الربيع العربي ، من خلال فرض المصالح الغير متكافئة مع توسعة الرؤية الاستراتيجية للهيمنة و التسلط في مصير شعوب المنطقة علي شاكلة النظرة التقليدية في خلق تحالفات اقليمية و دولية مؤثرة في مسار الثورات العربية ، التي ادهشت اكثر من مراقب ، بفعل صدمة وتيرة الاحداث المتتالية دون سابقة في المنطقة.
فقابلية التأقلم مع متطلبات العصر من حراك سياسي واجتماعي نتجت عنه في بعض النماذج نتائج وخيمة ، حملت معها انتفاضة الشارع العربي المطالب بالتغيير والتجديد الذي أثمر ينابيع الربيع العربي والذي فرض نفسه كمعادلة إقليمية لا مناص منها في وجه غطرسة التحولات المتسارعة ، بفعل إرادة الشباب القادم من فلك بعيد والذي أصبح هو الآخر يفرض نفسه كخيار بديل يحمل أكثر من دلالة. ذلك أن تعاطي النخب مع هذا الحدث أظهر أن هناك حاجة ملحة في إحداث تأمل و تفكير للإصلاح قبل الوقت بدل الضائع حول الحراك الشبابي المتنامي بصورة جدية.
الشيء الذي انجب عدة انماط من الاحكام الضعيفة العهد بالممارسة السياسية نتيجة التحكم المبكر الي صناديق الاقتراع مع عدم استيعابية حاجة الشعوب العربية في مسالة التغبير ، دون الترتيب المسبق للفرضيات الازمة لقيام انظمة سياسية قوية منسجمة مع تطلعات شعوب المنطقة في الامن و الاستقرار في ظل انظمة ديمقراطية تتماشي و خصوصيات هذه البلدان.
فاستلام السلطة لا يعني بالضرورة القدرة علي الاستقرار والاستمرار من خلال التحالف مع اكبر قدر من القوي السياسية في اطار تشكيل تحالف قوي مسيطر علي كافة مناحي الحياة ،خاصة في فترة اولية لاحقة لصعود التيارات الاسلامية في مجمل هذه البلدان ، نتيجة لعدة عوامل يأتي في مقدمتها عامل الخبرة و
التنظيم المتقدم علي باقي مكونات الثورة ،التي ظلت تعاني التبعثر و الاخفاق مع تشتيت الجهود الداخلية التي حالت دون ترتيب الامور العامة ، علي شكل يرضي كافة مكونات الطيف السياسي في بوتقة تتلاءم و متطلبات العصر من خلال الحوار والتفاهم.
ينضاف الي هذه الخروقات الانفة تهميش القوي الشبابية التي قادت الثورة ،حيث استبعاد الحراك الشبابي الذي كان المحرك لتجربة الثورة الوليدة من مشهد سياسي معقد التركيبة و متنوع التأثيرات المتبادلة ، التي مافتئت تطفو علي السطح ، بفعل تلاحق وضعية الغليان الشعبي و ظهور حركة تمرد ، كردة فعل علي فشل الثورة الاولي في تحقيق أهدافها و ما آلت اليه الامور من تأثيرات علي الشارع العربي ، ادت في بعض الاحيان الي تدخل الجيش تحت قناع الارادة الشعبية لتغيير مسار الثورات الحديثة العهد و بالتالي الخروج علي المألوف بانقلاب عسكري ، اصبح الشغل الشاغل و المهيمن علي مجريات الأحداث قصد الوصول الي مخرج للازمة المصرية الحالية .
فمنذ 30 يوليو تعيش مصر تطورات دراماتيكية متسارعة ، انقسم فيها الشارع المصري بين مؤيد للشرعية الدستورية و مؤيد لتدخل الجيش لصالح انهاء حكم الاخوان المسلمين والتي تتعقد اكثر فأكثر تزامنا مع موقف القوي الإقليمية والدولية المؤثرة في مصير دول الربيع العربي ،لما لها من وقع بفعل الدور التركي والإيراني بالإضافة إلي الموقف الغربي – الأوروبي والأمريكي – مما ولد تداعيات ما بعد الثورات العربية .
في البلدان العربية أظهرت التجربة الديمقراطية أن الانظمة القائمة غير قابلة لتأقلم مع الواقع اليومي لهموم المواطن العربي , نظرا لاختلاف البنية و عدم قابلية الجسم العربي على التطور و النمو الشمولي لنظريات التغيير البناء و الهادف ، لأنها لم تكن وليدة تطور فكري و لا إنتاج تجارب اجتماعية ذات طابع منهجي تفضي الي محصلة نهائية , كي تعطي ثمرة خصبة تؤكد علي بعد الاستقرار و الاستمرار في إقامة أنظمة سياسية قابلة للتناوب السلمي على السلطة و تحقيق
طموح الشعوب في إقامة شراكة حقيقية في التوزيع العادل للثروة و تحقيق مشاركة سياسية فعلية لكافة الطوائف و المكونات الموضوعية لقيام مجتمع مدني سليم ، خالص لإرادة الشعب ، و نابع من تطلعه في تكريس الحقوق و الحريات الاساسية ، تفضي إلى مؤسسات دستورية تمثل إرادة الشعب باعتباره الغاية و الوسيلة لمرتكزات الديمقراطية التعددية .