لم يكن “الإتحاد ” موحدا فهل يكون “الإنصاف ” منصفا/ سيدعلي بلعمش
لم يكن “الاتحاد” مُوَّحِدا ، فهل يكون “الإنصاف” منصفا؟ / سيدي علي بلعمش
رغم أن الإنصاف لم يكن قط من صفات السياسة و لا من طبعها و لا حتى من مطالبها “التمثيلية” ، إلا أن أي نصف صفة أو ربعها ، مهما كان شذوذها، سيظل قطعا أفضل من “اتحاد” لم يتجسد يوما في غير الاتحاد على الفساد و لم يستطع يوما إخفاء كونه من أجل نهب الجمهورية وتدمير لحمة أبنائها..
كان حزب الاتحاد من أجل نهب الجمهورية تفكيرا “عزيزيا” واضحا ، يُسند ظهره باطمئنان إلى إيرا و افلام (flam)، و بقيادة أهم عناصر تواصل السرية ؛ فكان ولد محم يوصينا بأن لا نقبل أبدا بإفلات ولد عبد العزيز من أيدينا . و ها نحن نذكر الغبي اليوم بأننا لن نترك عزيز يفلت من أيدينا و لن نتركه هو يفلت من ذاكرتنا المعطوبة.
لقد سقط حزب “الاتحاد من أجل نهب الجمهورية” بسقوط قراصنته بقيادة “تأبط نهبا” . و لم تفلح كل محاولات النظام (في التشبث باستمرارية الدولة) ، أن تقنع أي جهة بإمكانية إعادة تأهيله للعب أي دور إيجابي في الشأن العام، تماما مثل استحالة إقناع الشعب الموريتاني اليوم، بأن “لا وجه لمتابعة ولد أجاي” ؛ فما كانت كل مياه البحر تكفي لتنظيف أي من الاثنين و لا كانت الذاكرة الوجدانية للشعب تبدي أي استعداد لتقبل محاولة تأهيل أي منهما..
ثمة جهات طفح كيل تملقها و ارتزاقها و هوان البلد عليها، في عشرية الشؤم ، يستحيل أن يقبل حراس الذاكرة و الوجدان عودتها إلى الواجهة من جديد بأي شكل و لأي سبب : بيرام ، ولد أجاي، تيام صامبا، الاتحاد من أجل نهب الجمهورية، “افلام” ، ولد الطيب ، ولد عبد العزيز ، ولد صهيب، ولد الشيخ، أفيل ولد اللهاه ، ولد محم خيره، قتلة سونمكس و إينير و مشروع السكر و خلية تخريب البنك المركزي و سفراء تكيبر و عصابة تهريبها و الكتيبة البرلمانية الأولى.. و الأخيرة ، و اللائحة تطول (…) .
لقد سقط الاتحاد من أجل نهب الجمهورية اليوم (من دون أن يجد من يرحم عليه أو يذرف عليه دمعة تمساح) ، لأن كل منتسبيه (بإستثناء ولد الطيب و شلته)، كانوا يشعرون بالذنب و بحرج بالغ ، من الانتماء إليه .
و لا شك أن الرئيس غزواني يستشعر نفس درجة الحرج اليوم ، في تعيين أو استقبال لائحة رفاق و “مناضلي” الاتحاد من أجل نهب الجمهورية ، سابقي الذكر..
صحيح أن الحالة التي تعيشها البلاد في غاية التعقيد كما توقعنا من” أول يوم . و صحيح أن إكراهاتها تفرض أحيانا عكس ما يضمر أي صاحب قرار ، لكنني متأكد – مهما حصل – من احتقار الجميع للائحة الشؤم ، حتى لو تظاهر البعض (لأسباب قد تمليها المصلحة العامة بما نفهمه أو لا نفهمه)، بضرورة التطبيع المرحلي مع بعض عناصرها.
لا أخفي انزعاجي من تسمية الحزب الجديد “الإنصاف” (باكستاني السبق و الفشل) ، لكنني سأنصفهم إذا قالوا إنهم لجؤوا إلى ذلك للتعبير عن عدم إنصاف القول بأن “الاتحاد” كان “من أجل الجمهورية” أو من أجل أي مصلحة أخرى غير مصلحة عزيز أو أنه كان حزبا بأي معنى أو أن بقاءه كان يخدم غير التشبث بالفساد.
لقد رافقتْ سقوط عصابة الاتحاد من أجل نهب الجمهورية، شائعات منظمة و مكثفة تفتل أكاذيبها بذمة “مصادر موثوقة” ، بتعيين ولد أجاي وزير لكذا أو مستشارا للرئيس و مديرا لأكثر من مؤسسة ، في حملة استباقية مع توقع تعديل وزاري ما زال منتظرا ..
فكيف سيقنع ولد الغزواني شعبه، يا هؤلاء (و هو أدرى الناس بفساد ولد أجاي و سوء سمعته و استياء الجميع من تملقه و انحطاط أسلوبه)، بأنه يدخل اليوم، منعرج تصحيح ما أمكن من أخطاء الإكراهات التي شوهت (بإكراه) ، ما فات من مأموريته الصعبة؟؟
- في ماذا سيستشير ولد الغزواني ولد أجاي ، حتى يعينه مستشارا؟
- أي دَيْن لولد أجاي على الشعب أو على موريتانيا ؟
و إذا كان له دين على ولد الغزواني فليرده له مما عنده، لا بكرامة الشعب و مصلحة البلد.. -
كل “اعتبار” ولد أجاي ناله بالنفاق لعزيز ، فأي سخرية أكثر سوداوية من الحديث اليوم عن “رد الاعتبار” له؟
- بأي اعتبار يمكن أن يطالب ولد أجاي غير اعتباره مجرما ، كان اليد الأخبث لولد عبد العزيز في نهب خيرات البلد و التبجح أمام الجميع بالاعتماد على استمرار نهج حامي ظهره و مالئ بطنه؟
تعيين ولد أجاي إساءة بالغة إلى شعبنا و تحد سافر لإرادة نخبة دفعت أغلى ما عندها لإسقاط عصابة حرابة عزيز و خلطُ أوراق كامل الخطورة ، ينسف أي مصداقية لكل ما يقال أو يعتمل..
شعبنا يا رئيس أولى برد الاعتبار له و أولى برد ممتلكاته و أولى باحترام شعوره ..
إن دين ولد أجاي الوحيد و الذي لا يمكن أن ينساه مهما حصل و مهما أظهر من تمثيل ، كان على ولد عبد العزيز الذي صنعه من لا شيء و حكمه في أرزاق الناس ، فلماذا يدفعه اليوم ولد الغزواني؟ و ما معنى أن يدفعه؟ و ماذا يريدنا أن نفهم إذا دفعه ؟
لقد كان تعيين ولد أجاي على اسنيم (بطلب ملح من ولد عبد العزيز) ، خطأ فادحا سنعرف في ما بعد إكراهات المرحلة التي بررته ، فبماذا يمكن تبريره اليوم بغير العودة إلى المراحل التي تم حرقها بحُرقة؟
كيف يمكن أن نفهم إنصاف “الإنصاف” أو استقامة ميزانه ، إذا ظهر كلثوم ولد أجاي أو اسم أحد رفاق فساده في غير لائحة “إنصافكم” السوداء؟
ثمة أسئلة في الأخير ، نحتاج تفصيلا واضحا لفك اشتباك مفاهيمها المتلبسة:
- إذا تم تعيين ولد أجاي و “رٌدَّ الاعتبار” له و أردنا ذات لحظة مرارة أو خجل، أن نذكِّر الناس ببعض سقطاته المسجلة بالصوت و الصورة أو نقلها كتابيا بما يعرفه الجميع من شطحاته الموغلة في التزلف و النفاق و السخافة ، هل ستُعتبر إساءة منا إليه أو إساءة منه إلى نفسه؟
- هل ستكون إساءة إلى رموز الدولة أو إساءة إلى رموز الفساد؟
- هل هناك فرق واضح بين الإساءة إلى رمز من رموز الدولة و رمز من رموز الفساد، تم التحاقه بمعجزة بقافلة رموز الدولة ؟
- هل لرموز الدولة صفة فارقة بينهم و بين رموز الفساد أم هو تعبير قهري جامع، بلا أثر رجعي ، يحمي هيبة الدولة ؟
- أليس أسهل و أصون لهيبة الدولة أن تبتعد عن رموز الفساد ، بدل أن تعيد رسكلتهم و فرض وجودهم على شعب تُدمي رؤيتُهم ذاكرةَ كبريائه؟
نحن الآن في مرحلة فهم ما كان يحدث و ما سيحدث و الفصل بين النوايا و الإكراهات و على السلطات أن تكون واضحة في إيماءاتها لخلق منطق “ينصف” المتخبطين في سبر تناقضاته..
مع التذكير فقط و بالمناسبة طبعا ، بقول صاحب الحكمة الفذة و سيد الحنكة و الإمدادات البعيدة (المتنبي):
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً / أن تحسَبَ الشّحمَ في من شحمهُ وَرَمُ
نعم فخامة الرئيس :
أعيذها نظرات منك صادقة / أن تحسب الشحم في من شحمه ورم.