الرد على العسكر والإفلاس الحضاري/يحيى ولد سيدي أحمد
كان الأَوْلى أن لا يعمِّم، لأنه- والتماس حُسْنُ المَخرج مطلوب- أراد قطعا قادة المؤسسة العسكرية وليس المؤسسة العسكرية بِرُمَّتها.
أما وقد عمَّم الحكمَ على المؤسسة قادةً وأفرادا، فإنه لم يترك لنا الخيار.
وقد كنت أعجب من تطاول معسكر التواصليين على الجيش، ثم تذكرت أنهم يئسوا من تمرده، وقد كانوا يحثّونه على الوثوب على الحكم، فلما لم يستجب لنداءاتهم الانقلابية انقلبوا عليه!
وكنت أعجب أيضا لتطاول بعض المؤسسات السياسية من أحزاب ونحوها على الجيش، إلى أن اكتشفت أنهم يحسدونه على اضطلاعه بمهامه التنموية إلى جانب رسالته الدفاعية، في ما لم يدركوا هم بعدُ أنهم جزء من المجتمع المدني لهم ما له وعليهم ما عليه؛ وينبغي أن لا يشتغلوا بالسياسة وحسب، بل يجب عليهم أن يضطلعوا بأدوار اجتماعية وتنموية.
كما كنت أعجب من تحامل بعض سياسيينا على المؤسسة العسكرية، حتى علمتُ علم اليقين أنهم يغبطونها على ما لا يتحلّون به وهو الانضباط.
إن التحامل على المؤسسة العسكرية لا يُقْدِمُ عليه إلا غاوي فتنةٍ فاقدُ ذاكرةٍ عديمُ الضميرِ خِلْوٌ مِن الوطنية.
إذ كيف يتناسى شهداءنا الأبرار من هذه المؤسسة الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الدفاع عن الوطن لننعم نحن بالأمن ويتشدق من يتفيهق بكلام يقول له دعني. كيف يتلاعب بمشاعر أهالي هؤلاء الشهداء الذين ما تزال دماء بعضهم الزكية نديةً، وليست معركتا حاسي سيدي وواغادو وحادثتا الطائرة في انواكشوط وأطار ببعيد؟
وكيف يتجاهل أفراد المؤسسة العسكرية المرابطين على الثغور في وهج الصيف وزمهرير الشتاء وفي العواصف الهوجاء؟
كان الأَوْلى به أن يمد عينيه إلى ما افْتُتِن به قادتُه التواصليون من زهرة الحياة الدنيا، ألا يرى ما يعيشونه من بذخ وترف؟ ألا يرى إلى ما يستقدمونه من زكوات وصدقات من الخليج باسم أرامل وأيتام ومُعْدَمِي موريتانيا، يبتنون به القصور، وينشئون الشركات ووكالات السياحة ودكاكين الكرطون، ويؤسسون القنوات
التلفزيونية ويمولون المواقع الالكترونية، ويساهمون به في البنوك الربوية، ويتسرّون به: ينكحون مثنى وثلاث ورُباع… ثم يحلف بعضهم الأيمان الكاذبة؟
كان ذلك أَوْلى به بدلا من استحضار أمثلةٍ هي وبالٌ عليه وعار وشنار وصَغَار؛ إذ كيف يقارن بين مؤسسة أفرادها يشهدون أن لا إله إلا الله وبين جيش مُلْحِدٍ لا يؤمن بشيء ارتكب أفظع المجازر في حق الشعب الجزائري المسلم؟
ثم كيف يرمي بالبهتان أفراد المؤسسة العسكرية الموريتانية- وهم مُحْصَنون غافلون- بما كان يمارسه الجيش الفرنسي من تشريع للدعارة على أرض الجزائر لصالح أفراده؟
إنه الشَّبَقُ إلى الحكم واللهاث الأعمى وراء السلطة والإفلاسُ من القِيَم الحضارية وعدم تمثّل روح الوطنية.
إن أي مواطن غيور يحترم رموز دولته من عَلَمٍ ونشيد وجيش ونحوها لن يجرؤ على التحامل على رموز السيادة ومبعث الفخر والاعتزاز.
لا تجدُ في الذين يحادّون اللهَ ورسولَه في دول الغرب مَن يتطاول على جيش دولته ولا على رموزها السيادية.
فكيف يتحامل من يزعمون أنهم هم وحدهم الذين يوادّون الله ورسوله؟