قبل “اللقاء”..!! /حبيب الله ولد أحمد
سيدي رئيس الجمهورية / تنتظر مدينة النعمة إطلالة طلعتكم البهية، الموشاة بلحية (جديدة) كثة مهيبة، لا أستبعد أن يتدافع الناس للتبرك بها، دفعا للشياطين، واستمطارا للخير، ووفرة الرزق،و(زين السعد)، وحسن الخاتمة..!!
مدينة النعمة يا سيدي كانت أشبه ما تكون بمدينة تاريخية، تحاصرها الجبال والرمال والعزلة، إلى أن قيض الله سبحانه وتعالى للرئيس المؤسس الرمز الخالد الأستاذ المختار ولد داداه رحمه الله أن وضع بصمة “طريق الأمل” الخالدة على وجه موريتانيا الجميلة، ليربط تاريخ النعمة بجغرافية الوطن الأم، ويوصل ما قطعه بعد الشقة من وشائج وروابط بينها مع العاصمة نواكشوط، قاهرا في سبيل ذلك وبفضل الله وعزيمة الرجال الموريتانيين الوطنيين حقا، ودعم الأشقاء والأصدقاء ألفا ومائتي كلم من الرمال والجبال والمتاهات والآكام، صلة للرحم، ولفتة كريمة لجزء جميل وعزيز من الوطن الموريتاني الكبير.
سيدي /
مدينة النعمة بحاجة لبصمات جديدة، فهلا نقلت لها وزارة أو مؤسسة تنموية، أو مشروعا عملاقا، أو جامعة أو مدرسة عسكرية جديدة ومتطورة( تذكر أنها مدينة حدودية تعتبر منفذا ومعبرا للقادمين من الدول المجاورة فى منطقة ملتهبة جفافا وبؤسا ومخدرات وهجرة وحروبا وقطعا للطرق خاصة مالي التي يعصف بها عدم الاستقرار الأمني والسياسي ولذلك فهي بحاجة لحصن عسكري حصين لحماية مواطنيها وممتلكاتهم وبسط مهابة النجم والهلال) أو مركزا طبيا متخصصا، أو مشروعا رائدا للزراعة أو الكهرباء أو الماء، أوسدا عملاقا، تتناقل الركبان أخباره بما يجلبه من خير عميم على سكان المدينة، والولاية بصفة عامة..أو أي شيء يمنحها حياة حركية اقتصادية نشطة، تمسح دموع العاطلين، ويسعد بها المحرومون.
قد يتعذر عليك ذلك، ولكن سيادة الرئيس إليك البصمة الأبقى والأنقى والأبرز والأصلح، والأكثر إنسانية واستعجالا، والتي سيذكرها الجميع باعتزاز في عهدك أو بعده لأن البصمة مثل “الخط” تبقى زمانا بعد صاحبها..!!
خصص مروحية طبية عسكرية خاصة بإجلاء المرضى، وضعها تحت تصرف مستشفى المدينة، مع ما يلزم من طواقم ووقود وظروف مناسبة لعملها، على أن خدماتها قد تشمل أيضا لعيون وكيفة وألاك، أو على الأقل تكون نواة لمشروع رائد من هذا القبيل.
تذكر أن عشرات سكان ولايات الشرق الموريتاني الحبيب، خاصة ولاية الحوض الشرقي يموتون يوميا، لتعذر حصولهم على العلاج السريع في المستشفيات المحلية، وذلك بسبب النزوف الداخلية والخارجية الحادة، والناجمة عن حوادث السير، أو تعذر الولادات، أو الإصابة بأمراض عصبية أو شريانية، أو حميات نزيفية غامضة أحيانا، أو بسبب نوبات فقر الدم والأعراض المصاحبة لحمى “الملاريا” التي تحصد أرواح آلاف سكان تلك المناطق سنويا..
إن المرضى في النعمة يواجهون واقعا صعبا يذهب بأرواح العديد منهم، مع أنه قد يمكن إنقاذ تلك الأرواح البريئة لو توفرت ظروف طبية مناسبة محليا.
يعجز المستشفى المحلي عن التكفل بالمرضى من أصحاب الوضعيات الصعبة، حيث أن الحاجة ماسة لبنك دم محلي، وعناية فائقة حقيقية ومجهزة وعملية، وقسم تصفية كلى بتجهيزات حديثة عكس ما عليه الأمر الآن، وغرف جراحة متكاملة التجهيزات الطبية والتقنية، وطواقم طبية وصحية قادرة على البقاء في المدينة ومستعدة له، فمعظم المحولين إليها يهجرونها بعد أيام من وصولهم، هذا إذا قبلوا أصلا فكرة الذهاب إليها..!!
اكتفى بمثال واحد هنا، وهو أن فنيين تونسيين (اثنين) من المفترض أن وزارة الصحة الموريتانية- التي حولتهما للمدينة – تتحكم فيهما ولا يتحكمان فيها، طبقا لاتفاق استجلابهم من بلدهم، رفضا البقاء في المدينة لأكثر من 10 أيام، رغم أنهما يتقاضيان أكثر من مليون وخمسمائة ألف أوقية شهريا لكل واحد منهما (والمبلغ قابل للزيادة مع العلاوات والتحفيزات والساعات الإضافية) وقد تم وضع “فندق” يقال إنه الأفخم في المدينة تحت تصرفهما ليكون محلا لسكنهما..!!..لقد قاما بإهانة الحكومة الموريتانية ممثلة في وزير الصحة (الضعيف) ولي ذراعها، عندما حولتهما صاغرة إلى مستشفيين في العاصمة نواكشوط يعلم الله (وأقولها على مسؤوليتي) إنهما ليسا بحاجة لخدماتهما..!!
ولاشك أن ظروفا كهذه إذا لم تقنع الفنيين التونسيين بالبقاء في النعمة، فإن ظروف المواطنين الموريتانيين العاملين في قطاع الصحة لن تقنعهم بالبقاء هناك، هذا إذا لم تدفعهم إلى الانتحار غصة وشعورا بالمهانة والظلم والدونية (الفني الموريتاني يتقاضى شهريا مع كل العلاوات المتاحة أقل من 200 ألف أوقية وعادة لا يفرق بين “فندق” و”خندق” ولا يوضع تحت تصرفه إلا حفرة قبر تأويه إذا مات بالعدوى أو بحرقة الظلم..!!)
سيدي /
إن المرضى في النعمة يعانون مشكلة النقل إلى العاصمة لاستكمال العلاج، فهم بحاجة على الأقل ل20 ساعة سفر متواصل في سيارة إسعاف سيئة المنظر والمظهر، والتجهيزات، وبدون صيانة، وبدون أي قواعد سلامة للناقل والمنقول، ينفقون عليها من جيوبهم، فللسائق نصيب، كما للمرافق نصيب (مما قد يترك المريض “المنقول” عندما يفقد حياته غما وكمدا وفقرا وتعاسة قبل أن يفقدها جلطة أو نزيفا أو توقف قلب أو مشقة سفر) وطبعا يتحملون تكاليف المحروقات التي تعلمون كم مرة قمتم بزيادة سعرها الذي وصل حدا لا يطاق، وقد أعفيتم اللحية يا صاحب الفخامة، فهل ستعفون المواطن الموريتاني البائس من الزيادات المتلاحقة لأسعار المحروقات والمواد الأساسية، أن تنقصوا سعر المحروقات ولو مرة واحدة وبأوقية واحدة فسيكون ذلك قرارا تاريخيا لا نظير له..!!
سيدى /
تأكد أن الأطر والوجهاء ومشايخ القبائل والطرق، وحملة التمائم والودع والوهم، سيشكلون دروعا بشرية بينك مع مواطني النعمة الحقيقيين (إن معظم الذين ستجدهم أمامك قادمون من العاصمة والولايات الأخرى ولا يعرفون مكانا ل” النعمة” حتى على خريطة البلاد وإنما أخرجهم الطمع والنفاق ولن يزيدوك إلا خبالا)..!!
ستشاهد – كما شاهد ولد الطايع قبلك وأنت المتيم به حد التقمص – سيارات فارهة، وأزياء براقة، ووجوها منعمة، هي – في جوهرها – “الشجرة” التي يراد لها أن تخفى “غابة” المعاناة الحقيقية للسكان، الذين تعرفهم بسيماهم، وجوه محفورة بالحزن الأبدي، وبتجاعيد القهر والتهميش والنسيان والحيرة، والبعد عن وطن قيل لهم إنهم جزء منه، حتى وإن بحث أسلافهم في الماضي مع قطعانهم عن بلد آمن ذي كلإ ومرعى خارجه..!!
ستجد “طبقة مخملية” براقة من الأطر والوزراء، والعسس والصحافة والمنافقين، وممارسي “السفاح السياسي” أمامك في النعمة، وهي نفسها التي وجدها ولد الطايع أمامه قبلك، ووجدتها أنت أيضا، وستجدها يقينا أينما يممت في وطن لا يحسن معظم أطره سوى النفاق والكذب في روصو، وتجكجة، وكيهيدى، وازويرات، وانواذيبو، ولعيون، وكيفة، وسيلى بابى، ونواكشوط، وأكجوجت، وأطار، وألاك..!!
سيحجبون عنك الحقيقة..لن يتركوك ترى الناس يموتون جوعا وعطشا وفراغا…لن يسمعوك حشرجات الموتى، وأنين المرضى، وتأوهات الثكالى والأرامل، واليتامى والعبيد ، والمستضعفين والمعدمين..!!
هم يا سيدي لا يزورون النعمة – ككل أطر البلاد مع مدنهم الأصلية- إلا في رحلة شتاء “اللقاء” أو رحلة صيف “الانتخابات” فقط..بعضهم لا يعرف شوارع النعمة المتعرجة الصخرية الوعرة…لا يعرفون سوء أحوال المدارس والمراكز الصحية، ولا يعرفون شيئا عن عشرات الوفيات اليومية بالحميات والنزوف، واللدغات ونقص الدم، وسوء التغذية الذي هو أرحم بالناس من الدولة بكل مؤسساتها، فهو يجمع الأم الحامل مع جنينها أو وليدها في جنة الخلد، قبل أن يجدا مسعفا أو متعاطفا أو يدا رحيمة..!!
لا تلمهم سيادة الرئيس، إنهم مثلك، ومثل وزرائك و”شبيحتك”، لا يعرفون سوى الظهور لدقائق معدودة في موكب مهيب، أو مناسبة استعراضية لقص شريط (رمزي) أو وضع حجر (عثرة) أمام مشروع طموح..!!
إنهم مثلك يعيشون في القصور والمكيفات والقطعان والمحميات المسورة بالمال الحرام، لا أهل لهم ولا وطن، إلا ما يكون من ظهور عابر، يتجنبون فيه شمس الوطن وغباره، ورائحة عرق أهله المطحونين ظلما وقهرا وحسرة..!!
سيدى/
ما لم تزح من أمامك تلك الطبقة السيئة المنافقة المخادعة، فثق أنه لا أهمية لأي لقاء تقوم به مع الشعب، ولا لأي برنامج أو تعهد تقدمه، فتلك الطبقة الحرباوية سيئة الصيت، هي البلاء كله، هي لعنة البلاد والعباد، ولا أمل يرجى من رئيس يكتفي برؤية بريقها، بدلا من إزاحتها وكنسها، والنزول هناك من “القصور” إلى “القبور” التي في القاع الحقيقي، حيث الجماجم المفلطحة، والأجساد الخاوية على عروشها، والموت البطيء للإنسان والحيوان، والوطن والحلم والأمل..!!
هناك من منعنا دائما من أن نسمعك هذه الحقائق مباشرة ووجها لوجه، ولكن – مع أسفهم – لم يكسروا أقلامنا، ولن يكسروها.
قلت لك الحقيقة سيدي ولا أخاف عقباها، فلا مال أريد ، ولا جاه أبحث عنه، ولست من سكان النعمة، لكنني أحبها ككل مدينة موريتانية، ومن واجبي أن أكتب الحقيقة، وإن لم تسمعها (سيضعون في أذنيك وقرا ومن بينك وبين الحقيقة حجابا) فسيسمعها المنصفون، وستبقى أيضا بصمة حق على وجه التاريخ.
وإلى “اللقاء”