تنبيه قبل فوات الأوان.. نحو اعتراف رسمي باللغة العربية في دستور مالي
كتب حمدي جاوارا:
حاليا شُكّلت في مالي لجنة كتابة الدستور ، وربما هذه هي الفرصة الأخيرة لنا كدارسي اللغة العربية و حاملي الثقافة الاسلامية لكي نفرض على سلطاتنا أمرا واقعا يخصنا وهو الاعتراف الرسمي بالغة العربية في مالي والاعتراف بحاملي الشهادات العربية الاسلامية والتي وصلت الدراسة فيها إلى مستوى التكوين الجامعي بل والدراسات العليا في المؤسسات الخاصة ، وليست هناك لغة غير العربية وصلت إلى هذه الدرجة من الاهتمام والعناية مثلما هي العربية والتعليم بها حسب علمي ..
أعرف أن هناك من سيقول ع من الناس ومن المستعربين – قبل أن نطالب باعتراف العربية ،، لماذا لا نطالب بالاعتراف بلغاتنا المحلية ؟؟؟.
وفي وجهة نظري أن لذلك نشطاء وفاعلين في هذا المجال ينشطون من أجل ذلك بل يعمل هؤلاء إلى إزاحة الفرنسية كلغة أولى لدولة مالي وإن كنت أرى أن ذلك من المستحيل جدا في المستقبل القريب .
ليس من باب اليأس في ذلك .. لكن من أجل عدة عوائق كثيرة ، أهمها :
-أننا لم نختر لغة بديلة يمكن أن تكون لغة انتقالية ما بين الفرنسية وتلك اللغة التي سنتبناها ..
– أضف إلى ذلك أن عزل الفرنسية اليوم سيعني أن ٩٠٪ من موظفي الدولة سيتم تسريحهم في اليوم لأن معظم مؤسساتنا تسيّر بهذه اللغة ولن يسمح الحكّام بذلك ولا المثقفين أو الكتّاب في مالي اليوم ..
– وثالثا : لن تسمح بذلك سيدياهو أو الايكواس لأن الفرنسية هي اللغة الأولى في منطقة غرب افريقيا فسوف يكون من الصعب قبول إلغاء الفرنسية دون عوائق وعراقيل كثيرة ،
-وأخيرا لن تقبل فرنسا بذلك وسوف تضع كل العقبات دون حدوث ذلك وتخوّل لنفسها كل الزسائل لذلك ..
لنعد لخروفنا كما يقال ، فها هي القوى الفاعلة التي تنشط للقاء أعضاء لجنة كتابة الدستور وقد التقوا منذ أيام مع أعضاء المجلس الأعلى الاسلامي ولا أعرف فيما إذا كان من أجندة المجلس الدفاع عن اللغة العربية وحاملي شهاداتها وإن كان معظم منتسبيه من دارسيهم أو ينتسبون لها .
فكنت أرى أن يتم عقد مؤتمر عام أو لقاء بين أعضاء المؤسسات والاتحادات التابعة لدارسي العربية ومن ينشطون وسطهم أن يجتمعوا لإعداد هذا التجمع وفرض الحديث عن هذا الموضوع الخطير الذي يمس جانبا كبيرا من النسيج الاجتماعي المالي إن لم يكن كل المجتمع المالي أو في أغلبيته .
لأنه وحتى المتفرنسين وكل الشعب فإن أول لغة يحتكون بتعليمها إنما هي اللغة العربية بإرسال الأسر ابناءهم ومنذ نعومة أظفارهم لتعليم القرآن مر بذلك ٩٠٪ من موظفي دولة مالي ،،
فاللغة العربية إذا ليست غريبة عليهم ما دامت غالبية الشعب مسلمون وأول ما يتعلمه كل طفل في مالي هو الفاتحة وهي بالعربية طبعا ..
ثم إن العربية ليست لغة غريبة في مالي فمنذ اكثر من ١٠٠٠ عام من وصول الاسلام في مالي فقد وجدت العربية مكانتها كلغة مكتوبة وقد استخدمت اللغات المحلية حروفها حتى للتعبير عن نفسها كلغة كتابة ولغة تدوين وتأليف .
ومعروف أن معظم تاريخ المنطقة مكدسة في مكتبات تومبكتو للمخطوطات وهي كلها مدوّنة باللغة العربية فمن أراد أن يتعقّب تاريخ مالي القديم القريب أو البعيد فلا بد له ان يكون متقنا لها أو يستعين بمن يتقنها على الأقل .
أضف ، إلى ذلك أن مالي بها قبيلة عربية في شمال مالي وللأسف الشديد هذه القبيلة لا نراها كثيرة وهي تدافع عن هويتها العربية ولغتها ولا تستعين حتى بدارسي اللغة العربية وهم بعشرات الآلاف أو مئات الآلاف في كل ربوع مالي .. فليس بينهم تنسيق مع تلك المؤسسات الكبرى الاسلامية العربية ولا نرى لها نشاطا ثقافيا ولا مجتمعيا ، ولا أدري ما السبب في ذلك وإن وجدت بأشكال يتيمة جدا وهي ظاهرة تحتاج لدراسة خاصة .
وأخيرا : في الوقت تدعو الجماعات الارهابية أن دولة مالي دولة كافرة علمانية وتحارب الاسلام فإن اعتراف مالي بالعربية حاليا قد تسهم في سحب البساط من تحت أقدام هؤلاء المغرضين ليس من باب الخضوع لهم وإن كان من باب إعادة الثقة بين فصيل كبير من أبناء الشعب والسلطات المالية .
أضف إلى ذلك أن دول الجوار وحتى لا أقول كلها فإن كثيرا منها تعترف باللغة العربية كلغة رسمية يوظف بشكل رسمي حاملو شهاداتها تماما كالمتفرنسين أو الناطقين بالانجليزية ك نيجيريا والنيجر وتشاد وجانب كبير من حال السنغال ..
فنحن لسنا أفضل من هؤلاء في رفضنا للعربية وتوجد في مالي العشرات من آلاف المدارس العربية الاسلامية وهي اللغة الثانية الأكثر تدريسا بعد الفرنسية ..
فلماذا هذا التهميش المتعمد لها يا سادة ، إننا للأسف لم نروّج لقضيتنا بشكل جيد والندوات التي ننظم باسم دارسي العربية في المؤسسات التي لاحظتها كلها تتحول إلى استعراضات فقط لمن يتقن من الفرنسية الى جانب العربية بينما جوهر مشكلتنا هو كيف يمكننا العمل في أن نفرض على دستورنا هذه الأيام لغتنا العربية او لغتنا التي تعلمناها منذ نعومة أظفارنا ..
وقبل الانتهاء ، يجب توجيه عتاب لسفارات الدول العربية وممثليها وملحقاتها القنصلية إنها لا تعمل شيئا من أجل العربية .. هذا في الوقت أصبحت الدول تنافس غيرها في نشر قفافتها و عيها بين شعوب المنطقة.
بينما سفارة فرنسا وحدها لها ملحقها الثقافي الممثل في المركز الثقافي الفرنسي لكل عشاق الفرنسية تنظم فيها الندوات والمؤتمرات ونوادي الأدب والكتابة بالفرنسية وتساهم في الدفع بالفرنسية إلى الأمام ويوجد في مالي اكثر من ٢٠ سفارة عربية لكن بعضها لا محل لها من الاعراب ..
وقد سمعت أن حكومة الشارقة ستنظم أول مؤتمر أدبي شعري لعشاق العربية وهذه خطوة مهمة يجب التنويه بها مع تاريخ مالي الطويل في تعليم العربية ليس بالقطر المالي فقط وإنما في المنطقة برمتها ..
عموما ، هذا من باب الاقتراح فقط وإلا فنحن لا ننتظر العرب كي يدعموا العربية وإنما ندعمها لأننا موقنين انها لغة مالية أصيلة كالبمبرية والفلاتية والسوننكية والسينوفو وبوزو وغيرها من لغات مالي ..
أعتقد أن الحاجة ملحة في أن تتضافر الجهود وتتكاتف الأصوات كي يتم تحديد الخطوات الملحّة والعمل على لقاء سريع مع كتابة لجنة الدستور .. وجمع ١٠٠ الف توقيع من خلاء ذلك سعيا لاعتراف رسمي بالعربية هذه المرة ..
ولو قمنا بذلك سنكون قد قدمنا خطوة كبيرة وعظيمة لأنفسنا وجيلنا في سبيل خدمة العربية لغة القرآن الكريم ..
وما لم تعترف باللغة العربية فإن الجهود المرقّعة التي تقوم بها الحكومات المتعاقبة لمحاولات توظيف دارسي العربية لن تجدي نفعا ولن تترك أثرا ..
وأعتقد أن هذه معركتنا المقدسة التي يجب ويتحتّم علينا حاليا خوضها كمستعربين وكدارسين للغة العربية … ولا نستسلم كما استسلم السابقون أو نبني على ما قدّموه ..
هذا ندائي قبل فوات الأوان .
حمدي جوارا
باريس فرنسا
المصدر: رأي اليوم