ردا على رد من صديق/الدهماء
الزمان أنفو: – رد على ردٍّ من صديق…………ا
إنَّ السَّابح بين كلمات أخي الكريم Med Chekh Baba Ahmed كالمحدّق في نقوش المعابد، تتعدّد مزايا رموزها في العين كلّما أطالت التحديق في تطريزها، ولا أبُدِّدُ سفاهة ثروتي من الإعجاب إنْ قلتُ إنِّي معجبة بها.
سيدي الكريم، هدأت “موجة” الشاه، وذهب زبدها جُفاءً،.. مَسَحتْها موجة الريسوني، ممَّا سيسمح لكَ ولي برؤية أوضحَ لما يستحق أن يمكث في الأرض من ذلك الجدل،.. وقد وجدتُ في منشورك حول تعليقي على منشورك الذي سبقه جملة أشياء أحالت إلى ما سأكتبُ الآن،..
سيدي الكريم، مبدئيا، ثِقْ بأنِّي لأسباب شخصية، لا أدافعُ عن شخص الشَّاه، لأنه جدلي بطبعه، لا يهدأ إلاَّ ليبدأ، وصيانة لراحتي النفسية لن أهلك بقية أعصابٍ وجهد دماغيٍّ على مسايرة جدل مُتجدد، ولن يتوقَّف إلا برحيل صاحبه:
ثق أيضا، أنِّي مُؤمنة بأنّ أمجاد هذه الأرض رُفعت على ساريَّة من رجال علمٍ وتوحيدٍ وتصوّف، عبدوا الله مخلصين له الدِّين، يوم كان الدين خالصًا لله، وقبل أن يُوزَّع حِصصًا وإقطاعاتٍ وبضاعة.
كتبتُ مَرَّة سابقة عن الشاه، وعن أسلاف الشّاه.
عن أسلاف الشاه، حين وصل السَّبُ الرَّتيب في حقهم منذ سنوات إلى عتبة القذف، وكتبتُ عن الشاه حين وجدتُه يُعامَل كمارقٍ متآمر على العلوم الشَّرعية وعلى أخلاق الأمة، مطلوب لعدالة النظرة التقليدية للفقيه ولمقاصد الفقه،.. دافعتُ عن حقّه في التَّعبير عن فكره الذي لا أشاطره جوانب منه، لكني حين أكفل حرية التعبير لمن لا يُعجبني رأيه سأحمي نصيبي من نفس الحرية.. وللشاه مُطلق الحق في التعبير الحر، شأنه شأن بقية سُكان هذه “المَرْطَلَهْ” الكُبرى.
قناعتي سيدي، أنَّ المُخالف في الرأي، في أكثر التصنيفات تطرُّفا، يجب أن يُسمى “خَصمًا في الرأي”، ويُعامل بأخلاقيات الاختلاف بشرف، لكن أن يصنف “عدوا في الرأي” فذلك أمر غريب!
سيدي الكريم، الطالب في مركز تكوين العلماء مهما كانت قُدراته الذاتية سيتخرّج بعد 17 سنة عالمًا مبرَّزًا بشهادة وَرقيَّة، وقد أمضى الشاه 16 سنة من تحصيل محظري نوعي فوق مسار تحصيله العصري، ومع ذلك مازال يحتاج إلى تزكية عشوائية من “عَدْل فيسي” تأخذ بيد مصداقيته العلمية.. كان الأجدر برموز أهل الذكر إظهار بعض التواضع يُقرّ بأن مجادلة الدَّدو ليست معصية، وبأن علمه لا يسمو به على النَّقد، ثم يعمدون إلى تقييم الشاه ونقاشه في ما ذهب إليه من نقد بالحجة، ثم يبلغون العامة وغوغاء الأتباع بما وقَّعوا به نيابة عن السّماء التي استخلفتهم على الأرض، .. أمَّا منْ لا يقبل بأنَّ النقدَ والتعقيب تشريحٌ وتشخيص مفيد وليس استهدافا، فسيقف كبره مانعًا في وجه التجديد، سلاحه تجيير عَسسٍ من نوع ذباب الفيس ليفرض مبدأ التسليم بما هو كائن بصخب القيل لا بقوة الدليل،.. هذا التسليم يقتضي نفي المعترض، وما كان تسفيه وتفسيق وتتفيه الشاه إلا مقدماتٍ لتصفيةٍ علميَّةٍ طالت غيره للأسباب نفسها وهي “التطاول” بالنقد على “مُحَصَّنٍ” من النقد.
سيدي، أتمنى أن تبصر معي ببصيرتك حال العقل الفقهي الوراثي في هذه الربوع اليوم، والذي يسير بعضه في خط موازٍ للوهم والغرور،.. شخصيا أرى مثل كثيرين أنَّ العصبيات الدينية المُحنَّطة في زمان غير زماننا، والمرفَّهة حديثا بالمال السياسي والمشبعة بالنوستولجيا، يتاجر بعضها بالدِّين، ويلوي بعضها النُّصوص، ينوِّمُها أو يُوقظها حسب الظَّرف.. وبأنَّ ظلالا معتمة تعلو فهمها، ولا صلة لها بالفكر التنويري، ولا بالوعي بشكل عام، ولا بصفاء السّلف وزهده في الدنيا على الأقل، وعليه فإن المستهتر بنواميسها مستهتر بها وبمصالحها وبالمشروعية التقليدية التي أوجدتها.
سيدي الخلوق ،.. علَّقتُ على منشورك، ربما لأني أبخل بقلمك أنت بالذات على الاشتراك في تحبير ما يُجاري استسهال الهجمات المُشخصنة، فمنذ بدأ الجدل حول الشاه، وكل خصم له يستدعي المُجرَّد من ماضيه إلى الملموس من حاضره بغرض التجريح،.. وانت تعلم أن التجريح الساقط موجَّه بالأساس لذات المُجَرِّح، لأنه من الغرائز البدائية للدّفاع عن النفس، وأنبل حالاته أنه رفضٌ متطرف لحقّ الآخر في امتلاك جزء من الحقيقة.
سيدي، تستحق عقدة الأنا المُفرطة الشَّفقة حين تحوز لنفسها غرورا، كل الإيجابي من صفات البشر وتدفع بالسلبي تجاه الآخرين لأن أمْرهم يجب أن يكون كذلك،.. المُجادل المتنور من يتسع تعبيره لأبعد من تكرار نفس إساءات المجادل المتنمّر، أو تكرار المسلمات المحنطة في كهوف الإقطاعات الدينية المحلية،.. وجَلْد الشاه، من باب أنَّ جُمهور الأتباع “عايز كده”، ليس بطولة، والانتشاء بالتفنن فيه، احتفاء ساذج، لأن الفضاء أصلا مُتشبِّع بالإساءات، فقد نجح بعض روَّاده في تحويل سوء الأخلاق إلى أخلاق مستساغة،.. فهذا الزمن -ابن الأكرمين- بلا معالم.
سأتتبع معك سيدي، بعض ما ورد في منشورك الأخير.
ذكرتَ عمل الشاه، وقد تكسَّب فعلا بعرقه ليعيش، لم يكن الكسل والبدانة مُرادفًا لطلب العلم أو نشره إلا في أيَّام الشَّره هذه، والنفقة المجانية،.. كان شُرطيا رشيقا وإداريا متمرسا،.. أين وجه الذَّم في هذا؟، وهل يجرج زاده المعرفي؟.
تحدثتَ عن الهِوايات،.. وأنت تعلم أن تذوّق الجَمَال شأن وجداني ذاتي ولا يصلح لقياس عام، ومن السوينغ إلى الريگي أبانَ الرجل عن مُصالحة لزمانه المنفتح، مثلي ومثلك تمامًا، وأتفهم امتعاض غيرنا.. ولا أخفيك صديقي، فبروحي تلك الجلسة مع الأيقونة ديمي، وهو يُدارسها أمهات لغْنَ، وسِحر السّمر، وشِعر الشُّعور، إيييه ما أعذبها!،.. ما بها الجلسة؟ هل تُخرج من ملة الوقار!… سعدو ألاَّ هو يخي!،.. هَلاَّ سألتَ النعمة من اشويخ كم سامَرَ “آردينها” وانتشَى من صوتها من فقهاء العصبيات الدينية، وكم سامرَ أسلافهم أسلافها، وحُقَّ لهم “الهول ما گط عاد منقصه عند الناس الْ تنفع”.
أشرتَ سيدي لاتنسوي،.. وفي مقابلته الأخيرة وقَّع الشاه بزائدة لسانه على حبِّه للنساء (ولا گط عادو امخاليگ كره)، وقال بانجذاب مهذب بالضوابط، هل يجرح هذا في الإشهاد؟،.. جميعكم كذلك تقريبا!، ومنكم النِّسونْجِيُّ المُجاهر ومنكم النِّسْونْجيُّ المُخاتل،.. لكن!، ألم ترَ أنَّ مِنْ خصوم الشاه من يوقِّع يوميًّا بزائدة حوضه على فتوحات شبقه مثنى وثلاث ورباع من المُراهقات، ولا تنطح فيها رغبةٌ رغبةً،.. فسُوق “اتنسوي المُتأسْلم” يعرف افراطا عجيبا في استهلاك النساء.. ولا تسلني عن الضحايا من الأطفال فالأمر مُخجل ومحزن.
سيدي، أبديتَ النفور من التَّعريج على “شرْ ببَّ”،.. أنا مثلك تماما، أكره زيارة بعض ثنايا الماضي المتقيِّحة، لأنها نتنة، وإن قدَّر الله وفعلتُ، فلأكتشفها أو لأتعرَّف عليها أو لأتعلم منها، لكن لا أزورها لأكرّرها أو لأعيش فيها، .. غير أنَّ الماضي لا يُلغى ولا تُنظَّف أوساخه بتجاهلها، خصوصًا أنَّ جُرحه مُتوارث الالتهاب إلى اليوم.
الابتعاد عن اسقاطات “شر بب”، يتطلَّب من ورثته خوض معركة مع الذَّات لتجاوز الجراحات، لا مع الآخر، لأن الآخر هُنا عدو متوهَّم!. لستُ سيّدي معنية جغرافيا ولا اجتماعيًّا بذلك التَّضاد الأبدي، ولا أرغبُ في الدُّخول بين المتحاربين في التاريخ، لكن أبطال ذلك الشر يُكرِهونَ اللاَّوعي الجَمعي قسرًا على استحضار ُمناصفة أبدية بين الكتاب والرِّكاب تحت وصاية ذات التاريخ واسقاطاته،.. هناك توزيع لأوهام لا تقبل القسمة على أكثر من طائفتين، تَرى كل منها أنَّ حق الظفر بإحدى الحسنيين في الصِّيت لا يكون إلا لها!..
استنكرُ خوض الشاه وخصومه في ذلك المستنقع التَّصنيفي، وقد قال في اعتذاره، إنَّ ما بَدَر منه في الصّوتية من كلام منزوع الحذر، مجتزأ من عورة مجلسٍ كان قد أودعها صديقًا غير مُؤتمن، فقصَّر في حفظها ربما (ويخلگ ذاك).. شخصيًّا أعتبر تبريره من صنف البحث عن مخرج يوصل لاعتذار مهضوم.
جميعنا سيدي، نتداول في الخفاء نفس حمولة التشهير الساقط بحق بعضنا (امرابط، هنتات ..الخ)، ثم نُمارس النّفاق الاجتماعي على بعضنا بالتّزكيات في العلن.. فنحن أمة منافقة، والدليل، الفجور في الخصومة.
تتفيه الشاه!
التتفيه سيدي، مرحلة متخلِّفة من مراحل وعي العقل المأزوم، المتمدِّد للوراء، .. شخصيا أريد تعرية أفكار الشاه، وأفكار مجادليه بوعي وعدلٍ علمي، قوامه الدليل والحجة، دون تبخيس ولا تقديس،.. أريد تنافسًا في النقد لا ينزع نحو التنازع والتَّغالب والتشهير،.. أمَّا أنْ تكون المَظاهر الدَّالة على الدونية العلمية للشاه هيَّ تعبيراته الجسدية، وزركشة ملابسه وتمثله للثقافة المعاصرة كإعجابه برقصة سوينگ.. فذلك مَسْخَرة!.
مؤسف صديقي، ذلك المستوى من “النقد” إنْ هوَّ صدرَ عن مُثقفٍ نُخبوي، خصوصًا أنه لم يعد بالإمكان المُراهنة كثيرا على عقل القارئ العادي في هذا الفضاء الافتراضي، لأنه رهينة لشيئين: إمَّا عدم اكتراثٍ مغموس في السطحية، وإمَّا ارتهان لعاطفة مؤدلجة، عدوانية التنمر، مسيَّرة في كل أفعالها وانفعالاتها من امتداح أو تبخيس أو ترذيل،.. وهذا العقل الأخير أغلبه امتداد لذهن العصبيات الدينية ولقرون من تجانس الفقهاء وتناسخهم من أجدادهم لعقلية الأمر الواقع.. وعجز الشباب عن المُحاجَجة العلمية الناضجة، دفعه إلى استمراء لعبة التهريج والتّمسرح الهزلي، وتلوين اللغة بالسُّوقية، فمن لا يملك شجاعة المواجهة بشرف العلم سيغلِّف قصوره بالاستهزاء.
سيدي، “لمَزتَ” في ثقافة الشاه، وتبريرك أنه، حتى الشيخ عدود -رحمه الله- ينفي عن نفسه صفة المثقف! .. استغربتُ كثيرا اقحام شهادة الشيخ عدود على نفسه!، الثقافة فعل مكتسب، وإنْ نفى فضيلة الشيخ عدود حيازته الثقافة لنفسه، فذلك لا يَحْرِم ولا يُجرِّم ولا يُحرِّمُ حيازتها على غيره..
على هذا الفضاء تتعادل العيوب والميزات في ميزان تقييم المثقف والجاهل، فقد اكتشفتُ عليه غطرسة المتثاقف المتخلّف بترهيبه للمخالف، واكتشفتُ تخمة من التَّكبر لدى “المثقَّف” بالوراثة.. اكتشفتُ أنَّ الثقافة ذاتها لا تعنيهم، بقدر ما تعنيهم مرتبة الفتوَّة التي ستوفِّر لهم كمًّا من انبهار ومدح أمثالنا،… وهذا الخلط يجعلني أيضا أكثر زهدا وكفرا بعصمة الثقافة المقيدة بالاستحقاق العِظامي، وبالتحيزات المسبقة، والتصنيفات النمطية،..
قد تتفق معي سيدي، أنَّ من أدوات المثقف: عقله، رأيه، تأمُّله، فكره، تَتَبّعه للحقيقة بلا مجاملة ولا مواربة، طعنه في الخرافة وتشهيره بالدَّجل، نقده المنتج لإنسان عقلاني، منصاع للانضباط الحضاري، فهل هذه الأدوات وراثية حتما؟.. ،
هل هيَّ ممَّا تواضَعَ عليه خصوم الشاه من سدنة الشعر الرديء وأنظام رصِّ الكلمات والمتون الجامدة، والمُسَلِّمات المُعطِّلة للعقلِ بضلالاتٍ وخُرافات يزعمون أن السَّماء تباركها،.. لا، قَطْعيَّة!، .. إذن من الطبيعي أن لا أجعلهم مقياسا لتقييم مثقف اليوم سواء كان الشاه أو غيره،.. وأعود وأقول: الثقافة فعل مكتسب وفي متناول كل مهتم بها..
سيدي، في مرحلة من عمر الوعي الناضج، نتراجع عن حالة الانبهار المجاني بالصورة المتوارثة للفقيه أو لرجل الدين النمطي من الماركات المضيئة دعائيًّا، تُصبح انطباعاتنا عنهم وعن الأشياء أكثر مناعة وأوضح نقدًا،.. حتى ولو استمر الخيال الجمعي في تغذيتهم بالبهرجة والبركة، وهذه القاعدة لا تصلح طبعا للأتباع بولاء التدجين والحدس التائه.
في الختام سيدي،.. الصِّدام بالبنية الفقهية التقليدية مُجازفة من نوع المُخاطرة النَّفسية والمُخاطرة بالأعصاب ربما، لكن أبدا ليس مُخاطرة علمية، مهما سعى مِنْ إقصائيٍّ لإلغاء صوت الآخر، أو نفيه.
سيدي، أنت وأنا مكاننا ليس إلى جانب شوائب منظومة سياسية واجتماعية وعلمية يطبعها التخلف أصلا، واستحلّت بالدين أشياء لا يرضاها الدين، ولا يتشرّبها اليقين، والدليل أنها أبقت مكونات كبيرة من هذا الشعب، من عروق دُنيا وعقول أدنى بمفهومها في حيز الفطرة والغريزة، ..
السلطويات الدينية التقليدية تعيش مرحلة تحجُّر، لا تبذل جهدا لتطوير مجتمعها، وتعيش حالة انفصام عن الواقع، وإهمال لكل ما يتعلق بإنسان هذه الأرض، من عباداته لمشاكل معيشته وتحرره من الخرافة، وأغلبها احتواه الإسلام السياسي في الفترة الأخيرة فزادها ظلاما على ظلامها.
تناولُ الشاه للمسكوت عنه، قد لا يُصنَّف ثورة في الفكر ولا تجديدًا في فقه مدرسته التي هي نفسها مدرسة أشياخه وخصومه، .. لكن المؤكد أنه تمرّد على بعض المُحنَّطات من نصوص آدمية الوضع، تم تغليفها بالمشاعر الدينية ولبوس القداسة حتى لا تخضع لقوانين النقد والتغيير،..
أظن الشاه فَهِمَ الدّرس، حين انتقلوا معه من مرحلة تجاهله إلى مرحلة مواجهته بالأتباع نيَّابةً، وسينتقلون معه إلى طور التعايش،.. الأمر جيد.. فإبقاء قوى الظلام تحت ضغط متصاعد -مهما كان بطله- قد يدفها لتعديل نهجها.
حاصلهُ سيّدي، أنَّ واجبي وواجبك أن نميل لتنقية الدين من شوائبنا بالنقد العلمي، ولصيانة العقل الراشد علميا، فخسارة العقل غير قابلة للتعويض، وكل ذهنٍ لا يتحمَّل النقد والمراجعة والمقارنة ضعيفٌ هشٌّ ومستَعبَد، ويكون سطحيًّا حين يستقوي بالاستهزاء.
سيدي، لك تحية من جانب الصدر الأيسر ودمتَ.. وأعتذرُ عن الإطالة.