*الفساد: بلاغ ضد مجهول!/ سيدعلي بلعمش
الزمان أنفو – طابور المفسدين يزداد يوما بعد يوم و رواده الجدد أكثر نهما و أقل حياء كالعادة .
و كل جيل مفسدين جديد يكون أقل ثقافة و أقل إنسانية و أبعد من أي مفهوم للمسؤولية.
و بالمقابل ينهض جيل أكثر إصرارا و أقل تسامحا ، لا يقبل بأقل من مسح الطاولة ، يحفظ الأسماء و الوقائع و يتحدى كل وسائل الردع و دروس الوعظ الحامية لأعراض من لا أعراض لهم ..
الفساد في بلدنا المتحدي لكل النظريات الاقتصادية و المشترك الأخلاقي البشري ، أمة عظمى بتاريخها المهيب و ثقافتها الراسخة و دينها المُهاب و أمجادها الأثيلة و أبطالها المغاوير و معارضتها الباسلة.
تنتهج دولة فسادنا ليبيرالية متوحشة ، بتعاليم اشتراكية متغولة، تحمي الشعب من الاقتراب من المال العام و تحوِّل كل النظريات الاقتصادية إلى أسلحة إبادة جماعية، بانتقائية تبشيرية ، تُدار بعبقرية الممنوع المسكوت عنه..
تعتنق دولة فسادنا المهابة، النسخة البريطانية للإسلام المتحضر ، المساير لديمقراطية “تواصل” الجماهير مع فوضى الجهاد الخلاقة بأساليب تبشيرية ناعمة تعزز تقدمهم المـ”تواصل” في فرملة كل ميكانيسمات تقدم المجتمع للتمسك بتخلفه المنجي من بوائق عصر “التطور العلمي المهلك”٠
يبدأ التاريخ المحمي للفساد في بلدنا ، من منتصف حكم الفاتح العظيم ولد الطائع الذي حول احتكار الفحم إلى نظرية اقتصادية لترويض الشعوب على المذلة و الاستكانة و حول صفقة اسمار أو صفعتها على الأصح، و جريمة الطوابع الجبائية إلى أدلة مادية على صدق نظريته (المجرَّبة)..
– أمجاد الفساد في بلدنا أكثر من أن تحصى و أبطاله أعلام وطنية ، دوليةُ السمعة و المهارات حد تربع موريتانيا (العظمى) ، بتبجح ، على المرتبة السابعة دوليا في مجال تبييض الأموال..
– معارضة الفساد في موريتانيا مدرسة فساد و إفساد ، بلا صديق يستحق الوفاء و لا عدو يستحق العداء ، نحتًا على صفحة الالتزام الأخلاقي الأسوأ . و الموريتاني الجيد عندها – إذا لم “يتواصل” معهم – هو الموريتاني الميت ..
من بين كل دولة الاستباحة التي عاثت فسادا في هذا البلد خلال عشرية الشؤم بأجندتها الشيطانية ، لن تجد من يعتذر لهذا الشعب عما ارتكب من إجرام في حقه ..
لن تجد من يعترف بأبسط خطإ ، لا حتى في حدود العمل الإنساني المقرون به..
و لن تجد فوق هذا كله من لا يحاول أن يقنعك بأنه لم يكن مثل الآخرين و أن الله شاهد أنه لا يملك أكثر من عشر بيوت كانوا بحوزته قبل التعيين (بتواريخ مزورة و شهادات مزورة و شهود زور و وسطاء زور و إدارة مرتشية حتى النخاع..
يعتقد المفسدون في بلدنا أننا أغبياء و يحاولون إقناعنا بأن ما نرى و نظن من أحوالهم ، مجرد أوهام تختلقها مخيلاتنا المريضة و يتحدانا حتى ولد عبد العزيز ، أن نجد أي أثر لنهبه ، ناسيا بلوكات و مدرسة الشرطة و مقر الموسيقى العسكرية و المدارس العتيقة و منطقة الصحراوي (ربع نواكشوط) و قصوره المبعثرة على طول خريطة الوطن و شققه الفاخرة في المغرب و إسبانيا و تركيا و دبي و فرنسا و حساباته التي تغص بالعملات الصعبة و جيش الأسماء المستعارة المستغلة في عملية مصادر ثروته و مخابئها ..
- الفساد في بلدنا مدرسة عتيقة ، حتى الموظف الوطني المتعالي على الاختلاس ، يجد نفسه بين خيارين لا ثالث لهما ؛ أن يسرق أو تلفظه الإدارة ، لأنه يشكل عائقا حقيقيا لدورة الفساد و دائرته المغلقة.
شراء المفسدين لفلل في إسبانيا ليس مجرد موضة آريستوقراطية مثل ملاعب الغولف بل عملية وقائية على رأس أولويات الخطة “ب” في أجندتهم السرية ؛ امتلاك بيت في إسبانيا يسهل الحصول على الإقامة و التجنيس و لا يدري هؤلاء متى تقوم ساعة نهايتهم على يد من لا يصدق حيلهم و أكاذيبهم..
- غباء المفسدين يتجلى أكثر في اعتقادهم أننا يمكن أن نصدق فبركاتهم المفندة لخيانتهم ، كأننا لم نكن هنا ..!
- غباء المفسدين يتحول إلى سذاجة حين يحاولون إفهامنا أن وظائفهم يمكن أن تغطي بذخهم و تشييد قصورهم و امتلاك أرتال رباعيات الدفع المحيطة بأسوار بيوتهم..
- غباء المفسدين ، يتحول إلى هستيريا كوميدية سخيفة ، حين يسجلون أملاكهم بأسماء مأجورة و يحاولون إقناعنا بالنظر إلى ما يظهرون من أملاك متواضعة ، لا تثير في أنفسنا غير الشفقة على أحوالهم..
- غباء المفسدين يفضح أصحابه حين يلبسون ثياب التقى بإذلال طوابير الفقراء أمام بوابات بيوتهم المحروسة و عُمرات البيزنيس مرورا بأنقرة و دبي ..
- غباء المفسدين يترك بصماته العريضة بطوابير من الأقارب و الأصدقاء و الأصهار في الإدارات التي “حُظيت” بقيادة أي منهم ليتركها على بوابة الإفلاس بعد تعيينه في مهمة أسمى لإفلاس ضحية أخرى ..
لا شيء في الوجود يشبه جشع الموريتانيين ..
لا شيء في الوجود يشبه هلعهم ..
لا شيء في الوجود يشبه طمعهم ..
أخذ الفساد في بلدنا كل الأشكال و كل الأحجام و كل الألوان و امتدَّ في كل الاتجاهات و غمرَ كل الأعماق.
- لا أعرف أي ذنب ارتكبناه في هذه الأرض لتحلَّ بشعبنا مثل هذه اللعنة؟
أتساءل أي ذنب ارتكبناه ، كأنني لا أرى انتشار السحر و الدجل و الإتجار بالدين و تلطيخ “الشرف” و الكذب و المكر و النفاق و شهادات الزور و الغش و التزوير و التدليس و خيانة الأمانة و انتشار المخدرات و انفلات المجتمع من القيود الاجتماعية و تسيد الرذيلة و القوادة و استباحة المال العام و طغيان المظاهر المادية الخادعة (…) ، التي أصبحت كلها علامات بارزة بالخط العريض على لوحات دعاية مضاءة ، هي كل ما يزين طريق تقدمنا نحو نهايتنا المأساوية ، المستحقة..
لن أعود إلى شرح الابتلاء و أسبابه لأنها أمور متطورة في شعورنا الجمعي بالذنب : كل موبقات الأرض نرتكبها اليوم في هذا البلد باسم الدين و الأخلاق و الفضيلة و الشرف و العروبة و الإسلام ..
لا أعرف اليوم في هذا البلد ( و تأملوها جيدا) ، أي رجل دين أو دنيا أو مثقف أو سياسي أو منتخب (…) ، يمكن أن نقول ، إذا وقف على أي منبر ، هذا رجل مؤتمن على وديعته ..
أليس في هذا ما يخيفكم ؟
لا أنفي و لست بحاجة إلى نفي شرف أي منكم ، لكنني أؤكد موقنا ، أن لا أحد فيكم يُشرِّف الشرفَ ، بل لا أحد فيكم لا يسيء (بدخوله بالحق و الباطل) ، إلى دوحة الشرف الطاهرة ، الكريمة ؛ و لا تبحثوا عن أي استثناء في هذه الأرض ، إذا لم يكن يتمتع بحظوة “خلا لك الجو…”
لقد جربنا الجميع :
إن أفضلنا اليوم ، من لم تسد أمامه بعدُ ، أبواب التوبة
عمَّ الفساد كل شيء ..
دمَّرَ الفساد كل شيء ..
أفسد الفساد كل شيء ..
ما يحدث في موريتانيا تجاوز كل الحدود ..
هذا لم يعد فسادا : هذا انتقام من شعبنا بأعلى درجات الحقد و الكراهية ..
هذا فوضى عارمة في غابة مشتعلة بغضا و انحرافا و انتقاما من فاقة ليس فيكم من لا تزال حفرتها تحتل قاع معدته :
التاجر مجرم
الصيدلي مجرم
الطبيب مجرم
الأستاذ مجرم
إمام المسجد مجرم
العالم “الرباني” مجرم
القاضي مجرم
الشرطي مجرم
الدولة مجرمة
الشعب مجرم
المنظمات مجرمة
الأحزاب مجرمة
حتى البراءة في بلدنا مجرمة
حتى الوداعة في بلدنا مجرمة
لم نعد نملك سوى أن نصرخ بأعلى صوتنا :
اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبنا و رحمتك أرجى عندنا من عملنا