رجل كسائر الناس ولا يشبه أحدا(تأبين الراحل محمد ولد الشيخ ولد احمد محمود )
توفي المغفور له بإذن الله محمد ولد الشيخ ولد احمد محمود يوم 9 يوليو 2013…. أودعناه مثواه الأخير في مقبرة البعلاتية الأهلية بضواحي ابي تلميت حيث يرقد زملاؤه: المختار ابن داداه, سليمان بن الشيخ سيديا, محمد ولد الشيخ ولد جدو, محمد ولد مولود ولد داداه.
هؤلاء الرجال الذين شكلوا مع فقيدنا وغيره من أبناء الوطن المؤمنين الأوفياء البررة الرعيل الأول من مؤسسي الجمهورية الإسلامية. الدولة المستقلة العريقة بأصالتها الغنية بعبقرية أبنائها ومواردها……كان المختار ولد داداه قبطان سفينة البناء والتأسيس المميز يساعده بامامادو صانبولي وسليمان ولد الشيخ سيديا منسق الجهود التي مكنتنا من النجاح في كسب مقعد في منظمة الأمم المتحدة ومنحت موريتانيا مكانتها الدولية المرموقة. ومحمد ولد مولود ولد داداه الذي دافع بالفكر والممارسة عن وحدة البلاد لدي محكمة لاهاي الدولية لاحقا. أما محمد ولد الشيخ ولد احمد محمود فقيدنا المؤبن اليوم فهو الذي أنشأ الجيش الموريتاني وبذل جهدا كبيرا في جمع جميع الأحزاب السياسية لتنصهرة في حزب واحد هو حزب الشعب وهو الذي توافقت كل شرائح الشعب على أن يترأس مؤتمر الوحدة الذي انبثق منه الحزب الحاكم حزب الشعب. كان ذلك بدافع الضرورة إذ المخاطر التي تحيط بالدولة الفتية جمة. ميزة محمد ولد الشيخ هي حب الوطن والأريحية والإيثار ووضع مصلحة موريتانيا فوق كل اعتبار وفي شؤون الدولة والشؤون العامة لا تراه إلا في الحدود القصوي من التضحية والصرامة. لا يتواني في أنجاز اتفه جزئية مما يسند اليه. لاعتقاده انما تقره الجماعة من المصالح ينفذ بلا تردد الا اذا اصطدم بالضرورة الملحة.
إن الحديث عن الرجل بالنسبة لي هو حديث ذو شجون فخصال الرجل على كل لسان….حين تواجدنا في تعزية أقربائه وجيرانه لاحظت ان الجيران غارقون في حزن وبكاء عليه. وحين حاولت التخفيف مذكرا بفوائد الصبر في المصائب العظام قالت لي مسنة منهم والدموع علي خدها تسيل “كان يتفقد احوالنا وينفق علي ضعفائنا ومن اجلنا تعلم الضروري من العلوم النافعة ليغيثنا عند الحاجة………”
تذكرت اثناء كلامها زيارتي له في الستينيات من القرن الماضي في ولاية كيفه خلال ولايته, وحينها التقيته في الجنوب قرب كنكوصة بين احياء وآدواب يوزع عليهم البذور-اجكراج- والنفقة الضرورية يحث الجميع علي زراعة الارض واستخراج الغذاء منها بدل الهجرة الي الدول المهاجرة . كان ذلك في اول فصل الخريف والارض قد امطرت, في ذلك العهد لم تكن الدولة قد احدثت الية لاسعاف الناس, فكان سكان تلك المنطقة يغادرون مساكنهم من اجل لقمة العيش ويدفعون ثمنا باهظا مقابل ذلك وكان هو يتواجد معهم مواسيا وموجها. بعد ما ارتقي اكبر الوظائف في الحكومة والسياسة التي كان سلطان نفوذه فيها معتبرا اقصي من الحكومة ومن الوظيفة فلم يكن منه الا ان اتجه الي سوق العمل فاكتتبته شركة اجنبية تنقب عن البترول, كسب منها ما ابتاع به عددا من النوق ورجع الي موطنه الأول, خيام تدور حسب فصول السنة ببئر “عين السلامة قرب بوتلميت, ووجه وجهه الي الله مخلصا له التوبة مجتهدا في العبادة ربما سمع له نحيب حينما ينزوي عن الناس الي حيث يعتكف… لقد سلك الرجل الشجاع المؤمن طريقا خالصا إلي الله نهايته الرحمة إن شاء الله…
لقد شاع عنه انه شيوعي, وهي تهمة صدرت عن من لا يعرفه ويجهل ايديولوجية الشيوعية. لم يكن رحمه الله مظنة لاعتناق الشيوعية بل كان موريتانيا مسلما أصيلا نشأ على طاعة الله تربي علي يد جده الشيخ بن احمد محمود الذي هو رئيس محظرة وعالم تقي مكاشف وتحت رعاية والده امام مسجد الحي ورئيسه. كان ايضا صارما في عدم السماح لموظفي الدولة بممارسة عمل ءاخر كان في نظر بعض الناس مبالغا في تلك الصرامة وحازما بشأن الدفاع عن الدولة وحقوقها في وقت كان المجتمع الموريتاني حديث العهد بالدولة.
اشهد له هنا ايضا بشدة الايمان عن قناعة روحية وعقلية وعلمية وباستعداده لفعل الصالحات والقيام بالواجبات.
اللهم اكرم مدخله وعوضه عن اهله بوافر رحمتك للهم الهم اهله الصبر والسلوان وعوضهم عنه بوافر فضلك.
– وانا الله وانا اليه راجعون-
بقلم أحمد ولد الشيخ ولد جدو (الصورة ـ من الأرشيف)