مذكرات ماكي صال
الزمان أنفو- من لندن: تبدأ “إيلاف” اليوم نشر الحلقة الأولى من مذكرات الرئيس السنغالي ماكي صال “السنغال في القلب”، وهي حلقة تغوص في طفولة الرئيس وأصول عائلته، وتعرج على بعض تفاصيل توتر علاقته مع الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد، الذي وصفه ذات تصريح بأنه “سليل طبقة العبيد”. في ما يأتي الحلقة الاولى مع توطئة للكاتب الصحافي الموريتاني عبد الله محمدي، ومقدمة للرئيس صال.
النتاج السنغالي الخالص
في توطئة الكتاب، يقول عبد الله محمدي: خطى ماكي صال إلى الواجهة، في غفلة من الجميع، تسلم المسؤولية الكبرى في بلاده صيف 2012، دون أن يتوقع أي من منافسيه هذا الوصول إلى السباق النهائي في مواجهة واحد من أعتى وأذكى السياسيين في أفريقيا، عبد الله واد، الذي اعتاد السنغاليون تسميته “الشيخ”.
يلخص صال خطواته بقدر كبير من التواضع والأناة، حين يقول إنه اختار أن يذهب إلى الشعب في قراه ومداشره، وهو الذي خبر السنغال خلال السنوات العشر التي سبقت ترشحه.
اعتمد صال على سيارات دفع رباعي أميركية الصنع، ليعبر أكثر الطرق وعورة، وصولا إلى القرى الأكثر عزلة، والتي لم يطأها سياسي قبله، دخل الأكواخ والأعرشة، جلس على نفس الحصير مع المزارعين ومربيي الماشية، سمع منهم وسمعوا منه.
بعد سنوات من حكمه، عاد مع نفس الطريق، وقد أصبحت سالكة بسبب برنامج طموح يركز الاهتمام على العالم القروي، ومبني على التواصل المباشر مع الناس.
في لحظات الصفاء يقلب صال شعاره الخفي “إبقاء الصلة مع الشعب” و”التواضع للضعفاء”، قيمٌ ظل يتمسك بها ابن “فاتيك”، الواقعة وسط السنغال، حيث يشتغل الناس بالأرض ويرقبون السماء.
لقد جسد تلك النظرة التي غدت سلوكا، حين عاش وما زال في بيته بحي “مرموز”، متخليا عن تقليد السكن في أبهة القصر الرئاسي الذي عاش فيه أسلافه من الرؤساء.
إنه رئيس البلاد، ولكنه مع ذلك يجد بعض الوقت ليكون جزء من تفاصيل حي ” مرموز” البسيطة، في أيام الجمعة يصلي الرئيس في الجامع، سبحته لا تختلف كثيرا عن سُبح المصلين إلى جواره، يحركها بين أصابعه في تأمل وخشوع.
يخرج أحيانا لمشاركة جيرانه تنظيف الحي، وفي عيد الأضحى “العيد الكبير” يقف الرئيس في باحة بيته، ككل أب سنغالي، يذبح أضحيته استحضارا لمعاني التضحية من أجل القيم النبيلة.
من البيت والحي، ينتقل الرئيس يوميا نحو القصر الرئاسي، حيث يقضي سحابة الأسبوع، يستقبل قادة العالم تحت هيبة السلطة في القصر الذي شيد للحاكم الفرنسي قبل 120 سنة خلت، ووضع فيه كل رئيس لمساته الخاصة.
القصر الذي يعطي ظهره للمحيط، حيث تطل من بعيد جزيرة “غوري”، عاش في ليوبولد سيدار سنغور الشاعر، وعبدو ضيوف الإداري المنظم، وعبد الله واد السياسي الشعبوي.
أخذ صال من أسلافه بعض العادات والتجارب، لا شك في ذلك، لكنه تفوق عليهم بكونه الوحيد الذي يعتبر نتاجا سنغاليا خالصا.
في صالون الموسيقى بالقصر، حيث يستقبل صال قادة العالم وزواره السنغاليين والأجانب، وحيث المكتبة تحوي عناوين اختارها في رحلاته، أو أهديت له من طرف مؤلفيها، إنه الركن الأثير عنده، ولعله المكان الذي كتب فيه فصول هذا الكتاب الشيق.
يروي ماكي صال في مذكراته ” السنغال في القلب” الكثير من ذكريات صعوده السياسي، حتى الإمساك بدفة الحكم في أكثر بلدان أفريقيا جنوب الصحراء استقرارا، السنغال التي لم تعرف طيلة ستين عاما سوى أربعة رؤساء.
قصة ماكي صال هي قصة جيل سنغالي كامل، ينظرُ كثيرا نحو المستقبل، ولا يتجاهل الماضي، جيل تجاوز العقد الإيديولوجية والصراعات الوهمية، وحين اشتد عوده كان جاهزا للسباق نحو التقدم.
جيلٌ أفريقي متوثب، يتطلعُ لصناعة التغيير، ذلك هو المشروع الذي قدمه صال في كتابه، حين تحدث من القلب عن السنغال.
ماكي صال الذي أدرك قيمة التواصل مع الناس، وفهم أن الوصول إلى قصر الرئيس يستوجب المرور بكوخ المزارع، كان وفيا بعد سنوات من الحكم لنفس المنهج، فقرر أن يتواصل مع الناس، أن يكتب عن تجربته، أن يحكيها.. للسنغاليين وللسياسيين الشباب.. للجميع.