الرواية العربية السينغالية بين الواقع والمأمول
كتب عمر لي*:
الزمان أنفو-
عمر لي – كاتب سنغالي
قراءات حول واقع الرواية العربية السنغالية المعاصرة، وأهم موضوعاتها، وقدراتها على التعبير عن قضايا المجتمع، وأبرز أهدافها وطموحاتها.
مقدمة:
ظلّت الأقلام السنغالية تطرق الأدب العربي منذ قرون، وكان الشّعر العربي يحتلّ مكانا مرموقا في حياة المستعرب الأفريقي قبل قدوم الاستعمار وبعده، إلّا أنّ فنّ الرّواية لم يكن من اهتماماتهم، رغم الصلة الوطيدة بين المستعرب الأفريقي والعالم العربي، ورغم النّفَس الحكائي الذي كان ينجلي في المجتمع الأفريقي، على أنّ الأقلام الأفريقيّة اتّكأت على اللّغات الغربية ولا سيّما الفرنسية والإنجليزية لتطرق فنّ الرّواية في بداية القرن العشرين، ولتتخطّى حدود العالميّة، فنافست الأعمال الرّوائية العظيمة، وأضفت على الفنّ جمالا استثنائيا، بينما بقي الأدب العربيّ الأفريقيّ قابعا في زاوية الشّعر إلى وقت متأخّر، وسنتطرّق في هذه الورقة إلى النّقاط التّالية:
أْ. ما هي الرواية العربية السنغالية؟
ب. قراءات حول واقع الرواية العربية السنغالية المعاصرة.
جـ. أهم موضوعاتها.
د. قدراتها على التعبير عن قضايا المجتمع.
هـ. أبرز أهدافها وطموحاتها.
و. مستقبل الرواية العربية السنغالية.
أ. ما هي الرواية العربية السنغالية:
نقصد بالرواية العربية السنغالية: تلك الأعمال الأدبية التي أنتجتها الأقلام السنغالية بصبغة سردية، لتطال الروايات الصريحة والسّير الذّاتيّة والرّوايات التّاريخية.
ونرى اختزالها على الأقلام السنغالية وعدم إدراج الأقلام الأخرى التي تكون قد أنتجت أعمالا سرديّة في المجتمع السنغالي، مثل رواية “السنغالي” التي كتبها المصري “مصطفى موسى” ذلك أنّنا نجد أنّ الأقلام السّنغالية تمثّل الثّقافة السنغالية ما لا تمثّله الأقلام الأخرى.
وإذا كان ثمّة من يجدون في مصطلح “الرّواية السّنغاليّة المكتوبة بالعربية” تحديدا عميقا وملائما، زاعمين أنّ هُوّيّة الرّواية سنغاليّة بحتة، إنّما جاءت العربيّة كثوب يرتديه هذا الفنّ، فإنّنا نرى أنّ المصطلح المتداول في الورقة أنسب، ذلك أنّ اللغة ليست بريئة، حيث إنّ ألفاظها تحمل حُمولة ثقافية تكاد تنافس ثقافة الكاتب السنغالي، إضافة إلى مدى تأثّر الكاتب بالأعمال الأدبيّة العربيّة.
ب. قراءات حول واقع الرواية العربية السنغالية المعاصرة:
لم تكتشف الأقلام السّنغالية النّاطقة بالفرنسيّة فنّ الرواية إلا في وقت متأخر، حيث ظهرت الرواية السنغالية الفرنسية عام 1920 تحت عنوان “إرادات مالك الثلاث” للسنغالي أحمد مباتي جانج، وقد ذرعت الرّواية الفرنسية السنغالية خطوات جادّة حتى استطاعت أن تنافس الرّوايات العالمية، من أمثال “المغامرة الغامضة” و”رسالة طويلة جدا” و”الذاكرة الأكثر سرية”… على أنّ الأقلام السّنغالية العربيّة لم تكتشف هذا الفنّ إلا متأخّرا، صحيح أنّه كان ثمّة نصوص سرديّة لم تستوف تماما لمعايير الرواية المعاصرة لكنها بمثابة إرهاصات لبروز فنّ الرواية على المعنى الدّقيق للكلمة منها:
– ما جاءت على شكل سيرة ذاتية مثل “جزاء الشكور” للشّيخ أحمد بمبا في مطلع القرن العشرين، يحكي فيه بعضا من أحداث غيبته إلى غابون، وهو قيد الطبع بتحقيق من “الرابطة الخديمية للباحثين والدارسين”، ورواية الصحفي الحاج سيلا “إلى أين” سنة 1991، وهي رواية تحكي دوافع اغترابه لطلب العلم والأحداث المهمة التي حدثت في ثنايا الرحلة، و”من وحي السبعين” للدّكتور خديم امباكي سنة 2018 و”محطّات في حياة يتيم” للدّكتور محمد أحمد لوح سنة 2020.
– أعمال سردية تنحو منحى الرّوايات التاريخية مثل رواية “على آثار القوم” للحقوقي “سرنج امباكي لوح، سنة: 2020″، ورواية “رحلتي إلى الشيخ أحمد بمبا” للمفتش الكاتب سرين مام مور حمدي امباكي، سنة: 2019.
وقد ظلّت الأعمال السّرديّة مفتقرة إلى المعايير الفنيّة، أو بعيدة عن خصوصيّات الرّواية الصّريحة بالمعنى الحديث للكلمة، إلى أن نُشر للمهندس الرّوائي أبو بكر انجاي سنة 2016 روايته المشهورة “جريمة ولكن”، وهي رواية رومانسية اجتماعيّة… هذا وقد فازت قصّته القصيرة المعنونة بـ”بائعة السمك” سنة 2018على جائزة أفرابيا قبل أن تُنشر له في السّنة نفسها روايته الموسومة بـ”الهاربات من الجنّة”، ويمكن أن يضاف إلى هذه الأعمال رواية “نَيْسانْ” للكاتب عمر لي، وهي تحت النّشر بمبادرة من الوزارة الثّقافيّة السّنغاليّة ودار “منشورات تِمْبُكْتُو السّنغاليّة”، إضافة إلى الرّوايات السّنغاليّة الفرنسيّة المترجمة إلى العربيّة مثل “المغامرة الغامضة” لشيخ حاميد كن، ورواية “رسالة طويلة جدّا” للرّوائيّة مريام با، وغيرهما.
ج. همّ موضوعاتها:
لقد تطرّقت الروايات العربية السنغالية إلى كثير من الموضوعات التي تطرّقت إليها الرّوايات العربيّة، بل لم يسلم البعض منها من لمس القضايا العربية ومجتمعاتها “جريمة ولكن”، “إلى أين”، “محطّات في حياة يتيم”، “الهاربات من الجنّة” على أنّها تمتاز كثيرا باكتنازها لثقافات ثلاث أو أكثر، فالكاتب السّنغالي إضافة إلى ثقافته يتمتّع بإلمام بالثّقافتين العربيّة والفرنسيّة، ممّا يعني أنّها قد تتطرّق إلى موضوعات لم تكن لتتطرّق إليها الرّوايات العربيّة، إضافة إلى المجتمع الأفريقي المغاير، ومنها على سبيل المثال:
1. حياة المستعرب السّنغالي تجاه التّحدّيات والعراقيل “إلى أين” و”محطّات في حياة يتيم”.
2. الطبقيّة الجديدة التي تزامنت مع بداية القرن العشرين “من وحي السبعين”.
3. التّشبّث بالتاريخ اللامع وتمجيد الرجال الذين تركوا بصماتهم في التّاريخ “على آثار القوم” و “رحلتي إلى الشّيخ أحمد بمبا”.
4. معاناة المرأة السّنغاليّة والتّضحيات التي يقوم بها تجاه التّحدّيات “بائعة السّمك”.
5. التغيّر الجذريّ للمجتمع والانصياع للمادّة على حساب الضّمير والقيم “نَيْسان”
6. هجرة النساء السنغاليات إلى الخليج للعمل تحت الخدمة وما فيها من معاناة “الهاربات من الجنّة”
7. الهجرة غير الشرعية والدوافع التي تجعل الشاب السنغالي يغامر إليها “زوارق الموت”.
8. ممارسات المستعمر في جزيرة غوري والأحداث التي تمت بصلة إلى التهجير القسري نحو العالم الجديد “زوارق الموت”.
9. بلورة التعاليم الإسلامية بنفحة صوفية “على آثار القوم” و “رحلتي إلى الشّيخ أحمد بمبا”.
د. قدراتها على التعبير عن قضايا المجتمع:
إذا كانت الرّواية – على حسب تعبير هيجل – هي الصّورة التّعبيريّة الملائمة لحالة الوعي في المجتمع الحديث، فإنّ الرواية العربية السنغالية رغم خطواتها الثّقيلة والبطيئة استطاعت أن تعبّر عن المجتمع السنغالي الحديث من دون أن ينسى المجتمع القديم، ولعل ميزة الرّوائي السنغالي تكمن في هذا القديم الخالص، ذلك القديم الذي يعكس أصالة المجتمع وثقافته وتقاليده، وكثيرا ما نلمس مقارنة بين الزمانين في ثنايا الروايات العربية السنغالية كما لو أنّها تغار على المجتمع من فقدان ثقافته وأصوله ومعاييره، بيد أنّ هذا الفنّ ربّما لجدّته، وربّما لانكباب المستعرب السنغالي على الشّرعيّات وتزمّته من الفنّ الحديث، وربّما لمحدودية الشريحة المهتمّة بالقراءة لم يقدر إلى الحين أن يشارك في بلورة المجتمع السنغالي وإن عبّر عنه إلى حدّ ما، ذلك أنّ الفن لم يعد محصورا على التعبير عن المجتمع بقدر ما جاء لبلورة المجتمع ونشر الوعي واتخاذ قرارات حاسمة تكفي لتكتب قصّة جادة في رواية العالم الرّاهن، على أنّ ثمّة أقلاما واعدة بمقدورها أن تنافس الرّوايات العالميّة إذا حفّزت ووجّهت من هنا وهناك.
هـ. أبرز أهدافها وطموحاتها:
من خلال ما سبق نلمس بطريقة واضحة أهداف الرواية العربيّة السّنغاليّة وطموحاتها، وسنقسمها إلى مجالين:
المجال الأخلاقي والاجتماعي:
1. التعبير عن المجتمع انطلاقا من رؤية أفريقيّة مرنة تضع في الاعتبار الثقافات الأخرى.
2. رسم الهوّيّة السّنّغالية والاعتناء بالتقاليد العتيقة مع الانفتاح على الممارسات الحديثة الملائمة.
3. خلق صلة وطيدة بين الأحداث السّنغاليّة والقارئ العربي.
4. توعية القارئ السنغالي وإعادته إلى القيم الأفريقية والمبادئ الإنسانية.
المجال الفني:
1. الوصول إلى الجودة التي تسمح لها بتنافس الأعمال العظيمة في العالم العربي.
2. ترجمة الأعمال السنغالية المكتوبة بالفرنسية إلى العربية.
3. اهتمام العالم العربي بهذه المنتجات ونشرها في أوسع نطاق.
و. مستقبل الرواية العربية السنغالية:
لقد عرف الفن الروائي السنغالي العربي ركودا صارخا خلال حقب طويلة، بيد أنّه أخذ يجد انتعاشا في الزمن الراهن، مما يوحي أنّ ثمّة مستقبلا مشرفا يتجلى في النّقاط القادمة:
1. كثرة الإنتاجات وجودتها لترقى معظمها إلى الأعمال المنتجة في الدول العربية.
2. إمكانية وجود منافسة شرسة بين فنّ الرّواية والشّعر.
3. تميّز الرّواية عن الأعمال السّرديّة الأخرى، واكتشاف الفنون السّرديّة الأخرى وفق المعايير الفنّيّة.
ولكي يتحقّق هذا المستقبل لا بدّ من أن تجد الرواية العربية إقبالا من القارئ السنغالي، ومرافقة جادة من قبل الدّول العربية والهيئات المهتمّة بالأعمال الثّقافية، إضافة إلى إصدار جائزة أدبيّة خاصّة لكتّاب دول غرب أفريقيا، مثل جائزة كتارا أو جائزة الشيخ زايد أو جائزة الشارقة لكتّاب دول غرب أفريقيا، كلّ ذلك ليتمكن الأدب الأفريقي العربي من الاتصال بالعالم العربي من جهة، وليكون ثمّة تنافس جادّ يؤدّي إلى بعث الجودة في هذه الأعمال… مثلما يتطلّب العمل على ترجمة الأعمال السنغالية المكتوبة بالفرنسية إلى العربية، كلّ ذلك ليعتمد عليها المستعرب السنغالي حتّى ينافسها.
والجدير بالذكر أن معرض الشارقة في هذه النسخة قدّم مبادرة طيبة باستضافة مجموعة من الكتّاب الأفارقة وإشراكهم في ندوات علميّة لتناول القضايا الثقافية التي تجمع بين اللغة العربية والعالم الأفريقي الغربي، ولعل الرواية العربية السنغالية ستحقق مبتغاها انطلاقا من هذه المبادرات الطيبة، لا سيّما عندما تخطو المعارض الدولية العربية هذا المنحى.
خاتمة:
أصبح فنّ الرّواية بمثابة ملحمة العصر، وتخطّى خطوات متعدّدة قبل أن يصل إلى ما هو عليه الآن، إلّا أنّ هذا الفنّ ما زال في مرحلة الطّفولة عند كثير من البلدان، وإذا كان البعض لا يرون للتقسيمات الجغرافية أي اعتبار إذ يقسّمون العمل الأدبي إلى جيّد ورديء فإنّ الرّواية السنغالية أخذت تنبعث من رقادها وتنتعش لتتخطى العالميّة ولتسهم في رسم الواقع السنغالي من جهة، وفي إضفاء الجمال على الأدب العربي بلمسة أفريقية مغايرة من جهة أخر… صحيح أنّ المنتجات بالعربيّة ما زالت شحيحة لا سيما عندما يقارن بالمنتجات باللغة الفرنسيّة، لكن ثمّة إقبال واسع على هذا الفنّ من قبل الشّباب المستعرب السّنغالي، ويبقى فقط أن تحظى الأقلام السنغالية بتحفيز من هنا وهناك يدفعها إلى المزيد من الجهد للالتحاق بالركب، ما دام الركب في طريقه إلى التّقدم الذي يمنعه من الوقوف أو التقهقر.
المصادر:
– الأدب الأفريقي، د. علي شلش، عالم المعرفة، رقم 112، سنة 1993 السنغالي، مصطفى موسى، دار الأدب، 2014.
– جزاء الشّكور العطوف في جواب عبد اللطيف، الشّيخ أحمد بمبا
– إلى أين، الحاج سيلا، 1991.
– إرادات مالك الثلاث، أحمد مباتي جانج، 1920. Les trois volontés de Malic, Ahmadou Mapaté Diagne
– المغامرة الغامضة، شيخ حاميدو كن، ترجمة: الأستاذ محمد سعيد با. L’Aventure ambiguë, heikh Hamidou Kane, 1961
– رسالة طويلة جدا، مريام باUne si longue lettre, Mariama Ba,1979,
– الذاكرة الأكثر سرية، محمد امبوغار سار، 2021. La plus secrète mémoire des hommes, Mohamed Mbougar Sarr
– محطات في حياة يتيم، أ.د. محمد أحمد لوح، 2020