الرد والإعجاب بين المجاملة والموعظة
المجاملة كلمة ذات معان وأضداد. فهي بمعنى المُداهنة, والمُصانعة ، والمُلاينة وهي ضد الصدق, والاخلاص والوفاء, أما الثناء المبالغ به فكلمة يتحول مسارها ليحاكي النفاق في دلالته.
نعم لا بأس بالكلمة الطيبة فهي صدقة تستحقها الذات الإنسانية والتي تحتاج أحياناً الى من يربت على كتفها ويمسدها قليلا لينتشلها من الشدائد الوجدانية, لكن المغالاة والتفريط في الإطراء وكأن أنامل صاحب الموضوع الذي نقرأ له أصبحت اثنا عشر أو ابتكر شيئا ما لم يكن موجودا في عالمنا أو أتى بمعجزة خارقة, سيتسببان في سلب الحقيقة مقامها وأثرها المفترضين خلال تعبيرنا وتقييمنا لما يُكتب. وغالبا ما يتم صب قالب المجاملة على فرد ذو حساب مألوف وشهرة بين الناس, أو عنصرٍ منتسبٍ من هيئة إدارة أو من المراقبين بها, أو وسيطاً يكسب ود الجميع. ويظهر جليا اجتذاب مهج الآخرين ولفت حسبانها بجاذبية الجمل الرنانة على الفيس بوك والمواقع الاجتماعية الأخرى,فمواضيعهم تحطم الأرقام القياسية في تسجيلات الإعجاب والردود. وقد تكون المقالة أو النص أو أيما كان صيغتها ممتازة فعلا, ولكن كثرة المجاملة تبتذل من اعتبارها, والسباقون لمثل تلك العطاءات المدحية كثيرون لا هَم لهم سوى الاطراء والدردشةوحسب. فمن الأعضاء المعنيين لمجرد أن يغير صورته الشخصية فتنهال عليه الردود وآيات الاعجاب ليعود هو بعد أسبوع إرجاع صورته السابقة فيتلقى ذات الإجابة, ثم يعود للصورة الثانية فيعَلَق عليها وكأن المتابعين لم يفعلوا ذلك مسبقا أو لم يروها… وهكذا دواليك. ومنهم من يستبدل صورته الشخصية ليضع مكانها رسم لفراشة أو لوحة فنية مرسومة لامرأة فيأتيه أو تأتيها ردود الجمال والرقة والشخصية العظيمة, أو أن البعض ينثر كلمتين فقط فتتحولان إلى مجلدات من التعليقات عليها وربما يحيلونها إلى دار نشر لتطبع في كتاب عنوانه أكثر حيزاً من محتواه. وليس ذاك من باب خير الكلام ما قل ودل, بل لأنها خرجت من شخص جميل الشكل أو شخص مشهور. وأذكر أن أحدهم أخذ باستهزاء مريديه, وأوصلهم إلى درجة مذلة غفلت عنهم حين عرض لهم صورة له برفقة حيوان أليف وعلق عليها عند نشرها مفاده: أني أحبكم وأعتن بكم مثلما أفعل مع حيواني الحبوب هذا…! وأجابوه بالمديح والثناء على رقته وجمال شكله. ووسط زحام تلك الإطرائيات المرشوشة والمبالغ بها على مواضيع لشخوص مميزة معينة تضيع مواد مهمة يكتبها آخرين مغمورين ولا إثم لهم سوى أنهم غير مشهورين أو غير جميلي الخلقة, أو بمدلول آخر صاف غير كيسين أو مجاملين. وبذلك يكون قد اكتسب كلا من مقامي المعرفة والأدب على منبريهما في المواقع الإلكترونية منحى مغايرا لمفردتيهما الإدراكيتين, بتغليب المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة. وغاب تأثيرهما الحقيقين في النفوس حين نجامل لإشباع غرور الآخرين.. لا أقصد هنا الإساءة أو الإثارة أبدا, بقدر ما أريد له وأتمنى أن ينتبه الآخرون لمن يسخر بمشاعرهم وأن نعمل سوية على عدم إضاعة الوقت في مثل تلك المحافل الاجتماعية المعرفية والاستفادة من بعضنا البعض لنرقى من خلاله حين يتوجب الثناء والتحفيز والتشجيع لأمور مهمة فعلا, أو أن ننتقد ما يكتب إن طرأ عليها ما يعيبها أو ما يعوزها. خصوصا الأخطاء الإملائية منها والنحوية. فهذه هي لغتنا, وهي من جمعتنا في صرحي الصداقة والمعرفة هنا لنتواصل معاً, ولنعبر عما يجول في خاطرنا, ولنبدع ونتألق بتبادل الأفكار والرؤى فيما بينناكأم لنا ولغة كتابنا المنزل . أفلا تستحق منا أن نعطيها حقها بالحفاظ عليها كما حافظت علينا وجمعت من شملنا في الشتات. وأن لا نأبه لردة فعل المقابل الغير مبررة حين يكون نقدنا بناء وبلهجة وقورة. وأن نتجنب الفظاظة والخشونة في الجدال الثقافي. وأعتذر لجرأتي في ما خضت لأجله, فذلك ما كان إلا لتعميم الفائدة قدر الإمكان دون المجاملة. (وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) الآية 18 سورة ق.
مهند رشك حوشي كاتب- العراق