رابعة الحروب القذرة..!! / حبيب الله ولد أحمد

من الواضح أن “العالم الحر” أجمع على ضرب سوريا، انتصارا للحرية، ولدماء الإنسان وكرامته..!!..( لا تفكروا بفلسطين ولا ميانمارو لا بشعوب أخرى تتم إبادتها بدم بارد أمام “العالم الحر” فأغلب الظن أن تلك الشعوب لا تنتمي للفصيلة البشرية ولا توجد على نفس الكوكب معنا بل إن إبادتها تطهير للعالم من الأرواح الشريرة وجلادوها يتحركون بحنان بالغ لإنقاذ العالم وحمايته من الشر)

عالم يكفيه حرية أن “أوباما” يقود جهاده المقدس ضد “الإرهاب”، وأن الشيخ “قطب زمانه” رجب طيب أردوغان يتقدم صفوفه، مع أمراء قطر، والسعودية، و”المؤمنين بالحرية والكرامة الآدمية” في لندن، وباريس، وإسرائيل..!!

عالم سيدمر بلدا عربيا مدعما (كالعادة) ب”ترسانة” من الفتاوى الجهادية، و”كتائب إعلامية” أول جيشها في “جزيرة” الدوحة، وآخره عند أوباما في “سى. إن. إن” ( أوالسي. آي. إيه. لا فرق)..

سوريا يجب تدميرها، تماما كما تم تدمير العراق، وتحييد مصر وليبيا، وغرس “الخنجر المسموم” في أفغانستان خاصرة بلاد الإسلام..!!

نحن لسنا ساذجين، لنصدق أن أوباما و(الأربعين حرامي) سيتحركون من أجل الإنسان، ولمعاقبة بشار على جرائمه في حق الشعب السوري، والتي لا ينكرها إلا مكابر، لكنها – يقينا – تماثل جرائم العصابات الإرهابية التي مارست القتل والذبح والاغتصاب، تحت يافطة “الجهاد” و”الثورة”، كما أنها تماثل جرائم حسن نصر الله الذي أخرجته طائفيته البغيضة من خندق “المقاوم” إلى فندق “المقاول” ليذبح الناس في “القصير” ذبح الخراف، إمعانا في الطائفية والتفرقة.

وإذا كان بشار لا يمثل إرادة الشعب السوري المغلوب على أمره، وتجب إزاحته فإن محاربيه أيضا لا يمثلون الشعب السوري، وتجب محاسبتهم على جرائمهم البشعة ضده.

إننا نفهم أن ما يجرى في سوريا لا علاقة للسوريين به، فكتائب المعارضة المسلحة- بمختلف تسمياتها وتفريعاتها- تم الزج بها في حرب مع النظام، لمصلحة محور بغيض قوامه ( تركيا وقطر والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية) بينما يتم تسليح النظام ودعمه واحتضانه طائفيا ودبلوماسيا في نفس الحرب من طرف محور بغيض وظلامي، تمثله ( إيران وحزب الله والمالكي والصين وروسيا)..

وبين المعسكرين المتناحرين تنفث إسرائيل في “العقد”، جلبا للحطب، وصبا للزيت على النار، لأنه من مصلحتها أن تختفي سوريا جيشا وصناعة وثقلا إقليميا، كما اختفى العراق من قبل، حتى يخلو لها الجو لتبيض وتصفر وتنقر..!!

إن الحرب القادمة ضد سوريا مبرمجة بعناية منذ سنوات، وليست وليدة اللحظة أو الصدفة، فمسلسل تدمير الدول العربية – حسب تسلسل أهميتها العسكرية والإستراتيجية والبشرية- يمضى في حلقات ثابتة ومدروسة ومترابطة..

قبل سوريا تم تدمير أفغانستان، لأن بقاء أي نظام غير أمريكي الولاء في تلك الدولة يشكل “قطعا” استراتيجيا في المنطقة التي يهم أمريكا البقاء فيها، ومراقبة (قطبي رحاها) الهند وباكستان، والاقتراب من روسيا ودويلاتها المختلفة، لضمان التحكم في مسارات النفط والأمن والمال في تلك المناطق الحيوية من العالم، وحيث تقبع قنبلتان نوويتان مثيرتان للفزع الأمريكي والإسرائيلي، إحداهما في باكستان والأخرى في الهند (من المخيف بالنسبة لأمريكا وحلفائها أن دولة إسلامية مثل باكستان تملك قوة نووية وإن كان وجود الهند كقوة نووية مجاورة لها يخدم بالنسبة لهم “توازن الرعب” في شبه المنطقة”)

كانت أول الحروب القذرة إذن ضد أفغانستان، ونجحت أمريكا- التي لا تحتاج أية مبررات لضرب أية دولة في العالم – في السيطرة على أفغانستان والتحكم بالتالي في تلك المنطقة المعقدة دينيا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا وبشريا..!!

بعد أفغانستان جاء الدور على العراق، فبقاء نظام الرئيس الشهيد صدام حسين – بما كان يمثله من قوة وتحد لأمريكا – لم يكن مقبولا ولا مستساغا، فيهم أمريكا أيضا زوال كل الأنظمة والجيوش العربية التي قد تمثل خطرا – ولو صوريا – على إسرائيل التي يعتبر أمنها أمرا مفصليا وجوهريا، ومسألة حياة أو موت، بالنسبة لها..!!

كالعادة جهزت أمريكا حلفها، وصاغت مبرراتها الواهية لتدمير العراق وجيشه وبنيته التحتية، كانت الخطوة الموالية هي تدمير ليبيا، وهي خطة تمت على عجل، ولم تنقصها المبررات والمسوغات ولا حتى الأحلاف “الدينية” والأمنية اللازمة.

في كل هذه الحروب كان الهدف واضحا، وهو حماية مصالح أمريكا وحلفائها، ومن أهمها ضمان انسيابية تدفق النفط العربي – نهبا أو سرقة – نحو الآلة الصناعية والعسكرية الأمريكية، وأسواق الحلفاء، والتحكم في الموارد المائية العربية، والنقاط الإستراتيجية عبر العالم،(من المهم لأمريكا أن تقف على “القمة” الأكثر ارتفاعا استراتيجيا في العالم لمراقبة مصاب النفط والماء ومسارب السلاح والمخدرات والمال)، وخلق سوق لبيع الأسلحة الأمريكية والغربية (الصدئة)، وبطبيعة الحال التأكد من أنه لا شيء سيزعج إسرائيل أمنيا في المنطقة العربية، على الأقل على المدى المتوسط..!!

ولم يكن إطلاق مصطلحات أمريكية المنشأ والتسويق الإعلامي من قبيل “الربيع العربي” ، و”الثورة”، و”الحراك الشعبي”، و”قوى التغيير في الوطن العربي”، و”إرادة الشعوب”، إلا تغطية على هذه الحروب القذرة، التي ما كانت لتحقق نتائجها الأمريكية لولا نهوض القوى الرجعية العميلة لأمريكا في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وركوبها للموجة التي حملتها لإقامة أنظمة هزيلة ضعيفة خائرة، سرعان ما عصفت بها المشاكل والأزمات، في مصر، وليبيا، وتونس، لأنها أنظمة “مستجلبة” ضعيفة (وراثيا) جديدة على شعارات من قبيل الديمقراطية والحرية، وغير مؤمنة إلا بكيانات تيارية ضيقة تلغى الآخر، وتقتل كل أمل شعبي في إقامة كيان وطني يسع الجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والسياسية..!!

اليوم نحن أمام الحلقة الرابعة من الحرب القذرة، والهدف الآن هو تحييد سوريا جيشا وثقلا وقوة، وتدميرها كلية باعتبارها – ولو صوتيا – آخر شبهة لقيام شكل من أشكال الردع العربي للكيان الصهيوني..

ورغم هزال النظام السوري تاريخيا، وعدم إطلاقه رصاصة واحدة لتحرير أرضه المحتلة في الجولان مثلا، حتى وهو يتعرض لعدوان إسرائيلي متكرر على أراضيه، عبر طائرات “مقنبلة”، طالما صالت وجالت في أجوائه بحرية، إلا أنه ظل مع ذلك يقض مضاجع الإسرائيليين، الذين ليسوا متأكدين من قدرتهم على البقاء دائما بمأمن من أي تحرك سوري عسكري ضدهم، خاصة مع الاستفزازات الإسرائيلية المتكررة، وصعود جيل جديد من الضباط العرب السوريين إلى واجهة القيادات العسكرية، قد تخرج طموحاته الثأرية عن نطاق سيطرة المهادنين والمنبطحين في أية لحظة، لتشكل الخطر الحقيقي على أمن إسرائيل في منطقة ملتهبة قد تشتعل في أية لحظة، دون أن يتمكن أحد من إخماد حرائقها التي قد تأتى على “أخضر” المصالح الإستراتيجية للقوى الكبرى و” يابسها” فى المنطقة والعالم من حولها.

ينبغي القول – هذه المرة أيضا- إن أمريكا ليست بحاجة لأية مبررات لضرب سوريا، فالحلفاء موجودون ومتماسكون،(ذيل الكلب ينتظر حركة رأسه) والأمم المتحدة ومجلس أمنها رهن الإشارة، وعملاء الداخل في سوريا(وهم موزعون على دوائر النظام والمعارضة بعدالة أو بغير عدالة) على أتم الاستعداد لإنجاح أية جهود لتقويض النظام، وحرق الدولة السورية على من فيها..!!

من الغباء الاعتقاد بأن بشار الأسد انتظر قدوم مفتشين دوليين متخصصين في الأسلحة الكيميائية، ليستخدم الغازات السامة نهارا جهارا ضد المعارضة والشعب (قد يكون استخدمها في السابق أو سيستخدمها لاحقا ولكن لا يفهم أبدا أن يستخدمها تحت أنظار مفتشين دوليين يعرف تماما ما الذي يبحثون عنه)، حتى وإن رأيناه يستخدم ضدهما أخطر وأثقل أنواع الأسلحة الفتاكة..!!

وعمليا قد لا تملك المعارضة القدرة على امتلاك تقنيات لاستخدام مثل تلك الأسلحة (وقد لا تتورع المعارضة السورية عن استخدام مثل تلك الأسلحة في مواجهة النظام بل حتى في مواجهة بعضها البعض)، خاصة الصواريخ الموجهة، وإن كانت دول مثل “تركيا” و”قطر” تبذل المستحيل لتسليح تلك المعارضة بأكثر الأسلحة تطورا..!!

إذن لنقل إن أمريكا حركت بعضا من “بيادقها” في الداخل السوري، ومن داخل النظام – أو خارجه- لضرب منطقة “الغوطة” بالأسلحة الكيميائية، لإحكام الكماشة حول عنق النظام السوري، الذي سيظهر وفق هذه الخطة الجهنمية وأمام العالم ( نظام إبادة يستخدم الأسلحة المحرمة دوليا لإبادة شعبه، وهو ما يستوجب معاقبته بضربات جوية ماحقة، لا تبقى ولا تذر، تستهدف مخازن الأسلحة، وقطاعات الجيش، والمطارات، ومراكز التحكم، والقيادة، والمراقبة، والتموين، والعتاد).

الخطة الأمريكية ذكية أيضا هذه المرة، لأنها تستبق “الضوء الأخضر” لضرب بشار وقواته، حتى خارج عباءة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي..

المهم أيضا – وفى رابعة الحروب الأمريكية القذرة – هو إضعاف الجيش السوري، وتمزيقه بشكل نهائي، وتحقيق نسبة أمان جديدة لإسرائيل (تسعى أمريكا لخلق عالم خال من الجيوش والكيانات العربية القوية)، وبطبيعة الحال التمكين لنظام سوري جديد تمكن “برمجته” أمريكيا لخدمة مصالح أمريكا وحلفائها وعملاها في المنطقة.

إنه يجب رفض هذه الحرب القذرة، فكما رفضنا تدمير أفغانستان، والعراق، وليبيا، واستباحة الوطن العربي، أرضا، وجوا، وكرامة، وحرية، علينا الوقوف اليوم أيضا في وجه الحرب القادمة على سوريا، فالسلاح الأمريكي لن يفرق بين السوريين، وسيدمر البلد وجيشه ومقدراته، ليعود به قرونا إلى الوراء كما فعل بالعراق وليبيا.

إن السؤال الآن – وقد نصبت الصواريخ لتدمير سوريا العربية – هو إلى أين سيتجه “جيش المغول” بعد رابعة حروبه ..؟!!

أخشى أن ذلك الجيش الدموي الأرعن، سيتجه غربا نحو الجزائر، فكل الدلائل تشير إلى أنها تحمل الرقم (5) على لائحة الدول العربية والإسلامية، التي قرر الأمريكيون وحلفاؤهم – ومنذ الخطوط المرسومة على رمال “سايس بيكو” – تدميرها والتخلص منها، أنظمة، وثروات، وقوة اقتصادية وبشرية..!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى