هل تظل الشعوب العربية تصنع قياداتها الفاشلة؟
هل حقا أن طبيعة تفكير الشعوب العربية والإسلامية “ملحمية خرافية” تحلم بأبطال غير واقعيين وتسقط أحلامها على أي صنم وتصدقها؟ سؤال طرحه أحدهم في معرض حديث لاذع عن قائد معروف؟
و هل أن هذه الشعوب، من منطلق واقع تفكيرها الذي يراوح مكانه بنمطيته الجامدة في غفلة من الزمن المتغير، ما زالت تنتج بنفس الشكل الساذج و في دورة عبثية “سيزيفية” أصنامها المعشعشة في عقلها الباطني؟
لعل كل الوقائع و الدلائل التي تفرض نفسها اليوم على المشهد الملتهب تصدق ذلك فوق أديم الأرض العربية إن كانت لا تزال كذلك مع تنامي كراهية الأقليات من غير العرب و المنتشرة على امتداد الخارطة من الخليج إلى المحيط و ارتفاع أصواتها المطالبة بالتمييز و الانفصال و سرعة حملها السلاح كلما سنحت فرصة لذلك: – البربر و الزنوج في المغرب العربي
– الأكراد، الأرمن، الفرس في العراق و سوريا و الأردن
– النوبيون في منحدرات مصر على النيل في محاذاة السودان و التيارات الدينية المنفصلة في الصميم عن العروبة من المنظور الديني و اللغوي و الأخلاقي من: – بعض الأقباط في مصر
– بعض مسيحيي الكنائس الكلدانية و الآشورية و الأرمنية و غيرها في العراق و سوريا
– وبعض الطوائف المسيحية اللبنانية و غيرها ممن كانت قد طالبت ذات مرة بهجر الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني أسوة بتركيا التي أقدمت على ذلك في عهد أتاتورك.
– بقايا المسيحيين و أهل المعتقدات الإفريقية القديمة في السودان
– بعض طوائف الشيعة في العراق و غيرها
– الأقليات اليهودية في العراق و اليمن و المغرب و تونس التي ظل طابورها الصامت يعمل على الدوام في إفشال المشروع الوحدوي العربي.
و لعل هذه الوقائع و الدلائل تقر كذلك أن أحوال العرب خارجة عن سياق “الزمن” الحاضر و نائية عن “مكان” تحول الإنسانية بطبعتها الجديدة في تقدير قواعد و أسلوب و ضوابط و مسلكيات التعايش و التكامل في حضن العولمة داخل القرية الكونية… وقائع أيضا تدعمها كل متناقضات و مفارقات ثورة شعوبها التي هي غير مهيأة نفسيا و عمليا لتقبل هذا التحول الخطير الذي لا مكان فيه لمن لا يتقن لغته الرياضية الخالصة لتكريس المنطق و التي لا تعرف بذلك سوى ثنائية الصفر و المفرد.
من تونس التي كانت منها الشرارة إلى سوريا المحترقة و المقبلة بعد العراق و ليبيا إلى ضربة غربية قاصمة، مرورا بمصر “المرتكسة” و السعودية و قطر اللتان تتشاغلان و تشغلان شعبيهما عن قادم “ثورتيهما” الوشيكتان، لم تأخذ الثورات نسقا موحدا و لم تتقاسم أي منها مع الأخرى سياقا أو تصورا أو هدفا مهما كان ليمت بصلة أو صفة إلى وحدة المصير أو تشابك المصالح. بل إن كل بلد انشغل بما ينوء به من جراحاته التي بقدرما ظلت تثخن جسمه بقدر ما كان يكابر ولا يميط عنها الغطاء لتنفث فيها شموس الحرية و الرقي من حرارتها و تحرق عفنها سبيلا إلى الشفاء للركض وراء ركب ابتعد كثيرا.
و العجيب الغريب، اللافت المثير للدهشة و الباعث على الحيرة و الحسرة أن هذه الثورات التي انطلقت من لا معنى اللهم أن يكون ما تلا الحادث العرضي في تونس من تلاش للخوف من التظاهر و إطلاق العنان لحناجر تنضح برفض الواقع و لم تكن تجرأ على إطلاق أية زفرة، تعرضت منذ الوهلة الأولى إلى سرقة لبها و من ثم وأدها بأيدي قيادات جديدة صنعتها عرضيا و بارتجال كبير هي نفسها على منوال الخيبة المعهودة ثم أطلقت لها العنان و سلمتها زمام قيادتها. و ها هي بالنتيجة يحكمها منطق فكرها الذي لم تغيره ثورة ما كان لها أن تخيب الآمال و تقتل الأحلام و تنسف المستقبل بكل تأكيد متفقة مع “مثل” عند الموريتانيين يقول فلان اشترى بصلا و باع بصلا.