أزمة شمال مالي أسبابها وتداعياتها على موريتانيا وسبل مواجهة هذه التداعيات

 

إعداد أ. محمد الأمين ولد الكتاب

مقدمة:

إن الأزمة المستفحلة حاليا بالشمالي المالي والآيلة حسب ما يبدو إلى مزيد من التدويل بفعل تدخل بعض الدول الغربية عسكريا في شبه المنطقة ، ليست وليدة يومها ولا هي آتية من فراغ ، بل هي في واقع الأمر نتيجة حتمية لمجموعة من العوامل لعل من أهمها  و أقدمها التقطيع الجيو سياسي الاعتباطي وأحادي الجانب الذي أنجزته وفرضته الإدارة الاستعمارية الفرنسية في منطقة الساحل بعد أن أخضعتها لنفوذها ،

 إلى جانب انتهاج سياسية قمعية إقصائية من قبل الأنظمة التي تعاقبت على سدة الحكم  بدولة مالي منذ رحيل الاستعمار عنها حيال سكان شمال مالي من طوارق وعرب . حيثقاد ذالك إلى سلسلة من الانتفاضات والتمردات تمت مواجهتها بقمع بالغ ووحشية شرسة. ما أسس للأزمة المحتدمة في الشمال المالي اليوم والتي تستأثر باهتمامنا في هذا المقام. وهذه الأزمة الجارية في سياق إقليمي ودولي متوتر ، سوف تكون لها في الراجح تداعيات متعددة الأبعاد على أوضاع موريتانيا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية ، ما لم تتم بلورة إستراتيجية محكمة لمواجهة تلك التداعيات وإدارتها على الوجه المطلوب .

وترمي هذه المقاربة إلى توصيف السياق الدولي الذي يكتنف الأزمة وإلى التعرض إلى أهم العوامل الكامنة ورائها وإلى طبيعة آثار التداعيات التي قد تنجم عنها بالنسبة لشبه المنطقة بوجه عام وبالنسبة لموريتانيا على وجه الخصوص . وتقوم بنية الورقة على المحاور التالية:

–          طبيعة وأبعاد الأزمة

–          توصيف الملابسات الدولية التي تكتنفها

–          تداعيات الأزمة على موريتانيا

–          سبل مواجهة تداعيات الأزمة

–          خلاصة

 

 

طبيعة الأزمة وأبعادها

يمكن رد الأزمة القائمة حاليا بالشمالي المالي إلى التنافر العميق والتلاغي الكامل الذي نشأ بين الإدارة المالية وساكنة المناطق الشمالية المالية منذ استقلال دولة مالي . ويمكن إرجاع ذالك التنافر إلى معطيات سوسيو ثقافية واقتصادية وسياسية ونفسية .

فعلى المستوى السوسيو ثقافي هناك تمايز عرقي بين الطوارق والعرب من جهة و الإثنيات الزنجية من جهة أخرى ، قد ترتب عنه تباين ملحوظ في اللغة والثقافة والتقاليد والقيم الاجتماعية والإحساس بالغيرية الهوياتية .

وعلى المستوى الاقتصادي ؛ ثمة تصادم بين نمطي الحياة وأسلوبي العيش عند الطوارق والعرب من جهة وعند الأعراق الزنجية من جهة أخرى ؛ إذ أن أغلب العرب والطوارق هم منمون ورحل ينتجعون باستمرار بحثا عن الكلء والمراعي في حين أن الإثنيات الأخرى مستقرة في قرى ثابتة وتعتمد في عيشها على الزراعة والصيد والعديد من الحرف الأخرى . ومن المعروف أن المزارعين والمنمين غاليا ما يكونون على طرفي نقيد .

وعلى المستوى السياسي فإن ساكنة الشمال المالي عربا كانوا أم طوارق قد عاشوا منذ القدم ضمن الفضاء المغاربي الساحلي في تواصل دائم مع بقية المجموعات العربية والبربرية المتواجدة في مجال الشمالي الإفريقي . وعندما قام الاستعمار الفرنسي في أواسط القرن العشرين وعلى نحوي اعتباطي ، بتقطيع منطقة الساحل إلى دول متميزة عن بعضها قام بطريقة عشوائية وبأسلوب قسري بإدماج جزء من العرب والطوارق في كل من دولتي مالي والنيجر وذالك دون استشارتهم أو الأخذ برأيهم ،  مما جعلهم يرفضون هذا القرار الاستعماري التعسفي ويقومون بانتفاضات وثورات متوالية احتجاجا عليه . وبدلا من أن تؤخذ تطلعاتهم بعين الاعتبار وتحترم طموحاتهم، تم قمعهم ومحاولة كسر إرادتهم بالقوة. وبالنتيجة فإن شعورهم بالانتماء إلى دولة مالي وولائهم لها ظلا شبه معدومين.

 ومما ضاعف نفورهم من هذه الدولة وإحساسهم بالغربة والدونية داخلها هو نزوع الجيش المالي  إلى التغول عليهم في منطقتهم وكذا الانفصام المشهود بين الإدارة المحلية و السكان، وانعدام أي استثمار ذي بال في مجال البنى التحتية من مدارس ومستشفيات وغيرها من المنشآت الضرورية لمتطلبات الحياة اليومية للساكنة . يضاف إلى كل ذالك تهميش الطوارق والعرب المستمر وإقصاؤهم من المناصب المدنية والعسكرية في الدولة ، فضلا عن تجاهل خصوصيتهم الثقافية وتعمد طمس هويتهم المميزة .

وعلى المستوى النفسي، فقد تولد لدى الطوارق والعرب شعور بالدونية والعبثية وأحسوا بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية بل أنهم غرباء في وطنهم نظرا لإقصائهم التام من المساهمة في تسيير الشأن العام والمشاركة في صنع القرار وصياغة المستقبل.

تلكم هي العوامل الأساسية التي أفضى تضافرها إلى نشوب واستدامة الأزمة المستشرية اليوم بالشمال المالي .

الملابسات الدولية التي تكتنف الأزمة

إن مكونات السياق الدولي الراهن الذي يحتضن أزمة شمال مالي تتسم بتوتر واحتقان غير مسبوقين ، مردهما إلى حزمة من العوامل والارتجاجات تبعث على القلق وتولد الخوف وانعدام الثقة بالمستقبل ومآل الأمور على المستوى الدولي . ذالك أنه على الصعيد الأوروبي والأمريكي فإن ثمة أزمة اقتصادية عميقة يصحبها غليان اجتماعي عارم لا يمكن التنبؤ بعواقبه ونتائجه.

وعلى الصعيد الدولي هناك تقاطب حاد ومتفاقم بين الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب المتنفذة من جهة  ، وبين روسيا والصين من جهة أخرى، حيث بات هذا التقاطب يرقى إلى مستوى الحرب الباردة التي كانت سائدة قبل انهيار الإتحاد السفيتي . هذا إلى جانب التنامي الملحوظ للعنفوان الاقتصادي والنفوذ السياسي لما صار يعرف اليوم بمجموعة ” لبريكس BRICS) المكونة من لبرازيل وروسيا والهند والصين وإفريقيا الجنوبية . وعلى صعيد العالم الإسلامي فإن الصراع الطائفي والتقاطب المذهبي بين الإسلام الشيعي بقيادة إيران والإسلام السني بريادة المملكة العربية السعودية ، بلغ درجة لم يعرفها من قبل ، مما أدى إلى تأجيج نار الاحتراب المدمر بالشام والعراق والبحرين واليمن ولبنان والحبل على الجرار .

وعلى صعيد إفريقيا الشمالية بشكل عام فإن التداعيات والآثار الجانبية للارتجاجات العميقة التي عرفت بالربيع العربي وما تمخضت عنه من انتعاش للسلفية المتشددة وصعود للإسلام السياسي وما تلا ذالك من فشل ذريع للحكومات الإسلاموية في جلب الأمن والاستقرار وتحسين الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية للمواطنين في البلدان التي تولت فيها زمام الأمور ، كل ذالك قاد إلى تأجيج الصراعات وتصعيد الغليان الاجتماعي وإلى انتشار العنف والإرهاب بكل أشكاله وإلى انعدام الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي.

وعلى المستوى المغاربي بشكل أخص فقد اتضح بكل جلاء تلاشي اهتمام البلدان المغاربية بأي عمل مشترك ونشاط منسق يهدف إلى تطوير وتفعيل إتحاد المغرب العربي الذي تحول إلى صدفة فارغة وهيكل أجوف لا يقدم ولا يؤخر . وذالك بسبب التنافر والتدابر بين البلدان المغاربية بفعل انتهاجها سبلا متفرقة بعد الثورات التي عرفتها وبسبب المكايدة والمنافسة المحمومة على الريادة وتقوية النفوذ فالمنطقة بين بعض هذه الدول على حساب تفعيل الفضاء المغاربي وتوظيف الإتحاد لخدمة المصالح العليا للشعوب المغاربية .

أما على مستوى الساحل الصحراوي فإن هشاشة الأنظمة السياسية القائمة فيه واستشراء الفساد المتفشي ضمنه وضيق أفق أنظمته وقصر نظرها حيال تصور مشاريع مجتمعات تسود فيها الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية وتكفل إشراك كل الأعراق والفئات في تدبير الشأن العام وصياغة مستقبل كل بلد من البلدان الساحلية على حدة بما يضمن التوافق والتراضي بين مختلف مكوناته الاجتماعية إضافة إلى أطماع البلدان الغربية المتنفذة للاستحواذ على موارد ومقدرات تلك البلدان وما قد إستتبعته  تلك الأطماع من تدخل مباشر وغير مباشر في شؤون دول المنطقة . كل هذه العوامل مجتمعة تمخضت عن حالة من الاحتقان قادت إلى انتفاضات وتمردات ومواجهات وإنفلاتات أمنية ثم إلى ظهور عصابات تهريب وتنظيمات إرهابية هنا وهناك في الفضاء الساحلي ، ما لبثت أن تم إستقطابها  وتوظيفها من طرف ما بات يعرف

بـ ” تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ” .

في ظل هذا السياق الدولي والجهوي ونتيجة للتمادي في إقصاء سكان إقليم أزواد وتجاهل طموحات بقية ساكنة الشمال المالي ونكران هويتهم المميزة ومواجهة مطالبهم المشروعة بالقمع والترويع والتهجير ، وتبعا لتغير ميزان القوى في شبه المنطقة بفعل حصول ثوار الشمالي المالي على كميات هائلة من الأسلحة المتطورة و إثر الانقلاب العسكري الذي أدى إلى الإطاحة بالنظام المالي وإلى تفكيك الجيش المالي وشرذمة الطبقة السياسية في البلاد ، انفجرت أزمة الشمال المالي بعد أن مكثت عقودا متوالية في حالة كمون وتربص . تلكم هي الملابسات الدولية والجهوية والمحلية التي إكتنفت هذه الأزمة وتلكم هي البواعث التي أدت مجتمعة إلى انفجارها مجددا و إلى تفاقمها على مستوى غير مسبوق .

ولقد أضحى من الوارد بل من المتوقع أن تكون لهذه الأزمة تداعيات محسوسة على الأوضاع في موريتانيا .

 

تداعيات الأزمة المحتملة على موريتانيا

إن من شأن الأزمة التي اندلعت في الشمالي المالي أن تكون لها تداعيات ملموسة على مختلف جوانب الحياة في موريتانيا وذالك نظرا للتصاقب الجغرافي بين موريتانيا ومالي واعتبارا للوشائج السوسيو ثقافية والروابط الروحية والعلاقات الاقتصادية الوثيقة بين الشعبين الموريتاني والمالي . فعلى الصعيد الاجتماعي قد تفضي المواجهة بين قبائل شمال مالي العربية ذات الامتداد الموريتاني وبين الإثنيات الزنجية المتعايشة مع الموريتانيين في المناطق الحدودية إلى ظهور نعرات وحزازات قد تضر بالتعايش السلمي والانسجام الاجتماعي بين مواطني البلدين  .و هو ما قد يؤثر سلبا على التساكن الهادئ والتواصل الودي وحسن الجوار بين الشعبين بوجه عام .

على الصعيد الاقتصادي قد تفضي الاحتكاكات بين ساكنة الشمالي المالي من المجموعات العربية ذات الامتدادات الموريتانية والإثنيات الزنجية إلى خلق أحقاد وعداوات قد يكون لها مفعول سلبي على مصالح المنمين الموريتانيين الذي ينتجعون إلى الأراضي المالية في فترات معينة من السنة وعلى أوضاع التجار الموريتانيين بمختلف المدن المالية و على أوضاع اليد العاملة المالية بموريتانيا . ما قد يلحق أضرارا معتبرة بالمصالح الاقتصادية الموريتانية والمالية على حد سواء. وعلى الصعيد الثقافي والروحي قد تتسبب المواجهات والإصطفافات  المحتملة بين مختلف ساكنة الشمال المالي في التأثير على الروابط الثقافية والروحية والتواصل الفكري القائم منذ القدم بين الشعبين . الشيء الذي قد يحجم الإشعاع العلمي والمد المعرفي والتأثير الحضاري لموريتانيا في شبه المنطقة .

على الصعيد الأمني ، قد يفضي نزوح آلاف المهاجرين من الشمال المالي نحو موريتانيا إلى دخول وإنسياح العديد من المجموعات الإرهابية ذات الولاءات المتناقضة والارتباطات المتضاربة  داخل موريتانيا.ما قد ينجم عنه احتراب في ما بينها على الأراضي الموريتانية مهددة بذالك السلم الاجتماعي والأمن والاستقرار في البلاد .كما أن تواجد جموع غفيرة من النازحين الماليين على الحدود الموريتانية الملية  بشكل عشوائي وغير مسيطر عليه سيطرة تامة ، خليق هو الآخرإن آجلا أم عاجلا، أن يفسح المجال أمام  تسلل المهربين وتجار المخدرات ومحترفي اختطاف الرهائن داخل التراب الوطني ، وفي ذالك أخطار جسيمة على موريتانيا لا يجوز إغفالها.

على الصعيد السياسي ، فإن دق اسفين بين موريتانيا ومالي وخلق شرخ بين شعبيهما وعرقلة تنقل البضائع والأشخاص بين البلدين ، من شأن كل ذالك أن يلحق أضرارا جسيمة  بالعلاقات  الاقتصادية  القائمة بينهما وذالك ما قد يلقي بظلاله على التعاون والتنسيق بين البلدين في المجالين السياسي والدبلوماسي  على المستويات الجهوية والإقليمية والدولية.

 

 

 

 سبل مواجهة تداعيات الأزمة على موريتانيا

 

إن الفشل الذريع  و المؤسف الذي منيت بيه محاولة بناء وتفعيل الفضاء المغاربي ، بسبب عدم التوصل إلى حل لمعضلة الصحراء الغربية ، واستفحال الفلتان الأمني والاحتقان الاجتماعي و التناقضات السياسية التي عرفتها كل من تونس وليبيا عقب الثورات التي قامت بهما من جهة ، والوهن المتزايد الذي أضحى يدب في أوصال الدول الساحلية الصحراوية من جهة أخرى ، هي اعتبارات ينبغي أن تدفع موريتانيا إلى الإسراع ببلورة إستراتيجية جديدة تقوم على إعادة تقييم الأوضاع بالمنطقة ؛ على أن تقوم هذه الإستراتيجية الجديدة ، محليا على تقوية الجبهة الداخلية من خلال إقامة حوار وطني بين مختلف مكونات الطيف السياسي وصولا إلى اعتماد سياسة توافقية تضمن توحيد جهود كل القوى الحية من أجل صيانة المصالح العليا للوطن والحفاظ على أمن البلاد وسلامة أراضيها ، وتضافر جهود الجميع من أجل توظيف موارد ومقدرات البلاد لتحسين الظروف المعيشية للشعب الموريتاني، والنهوض به اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا .

 أما جهويا فينبغي أن تقوم هذه الإستراتيجية على تعزيز العلاقات الثنائية مع دول الجوار بصفتها تلك دون أي اعتبار آخر، وذالك من خلال تكثيف مختلف أوجه التعامل معها واحترام أمنها ووحدة  و سلامة أراضيها ، مع التمسك بالمعاملة بالمثل من قبلها . وفي ظل الظروف القائمة على مستوى المنطقة وبالنظر إلى الملابسات الدولية الراهنة ، فإنه يتعين على موريتانيا اعتبارا لموقعها الجغرافي الخاص أن تسعى الآن أكثر من أي وقت مضى إلى تطوير وتعميق علاقاتها الاقتصادية والجيو سياسية مع دول الساحل المتاخمة لها ، سيما مع دول المنظومة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وكذا دول الشمال الإفريقي كل على حدة بما فيها مصر والسودان .

 وعلى موريتانيا  أيضا انطلاقا من هذا المنظور أن توسع وتنوع علاقاتها وتبادلاتها مع دول الخليج العربي ومع تركيا ومجموعة ( البريكس ( التي أومأنا إليها آنفا ، وهذا من منطلق أن أزمة الشمال المالي قد أماطت اللثام عن هشاشة دول الساحل الصحراوي و عن فشل وعدم جدية إتحاد المغرب العربي وعن خطورة الأممية الإرهابية الأخطبوطية المتربصة بكل محاولات الدمقرطة والتطور الاقتصادي، والارتقاء الاجتماعي والعصرنة والتنوير الفكري على مستوى العالم الإسلامي . كما أنها ، أي أزمة الشمال المالي ، قد أسقطت ورقة التوت عن سوءة الليبرالية المتوحشة وخبث وجشع القوى الإمبريالية االمتلفعة وراءها وعن خطورة ظاهرة العولمة التي تتوسلها هذه القوى لإحكام قبضتها على العالم ولتدجينه وإخضاعه الكامل لإرادتها .

 

 الخلاصة

ومجمل القول فإن سياقا معقدا ومركبا مثل السياق السائد اليوم في منطقة الساحل الصحراوي ، سياق يتسم من بين أشياء أخرى، بتدخل أجنبي في مالي قد قاد إلى تغيير موازين القوى في شبه المنطقة وأدى إلى إعادة رسم ملامح المشهد الجيو سياسي نتيجة لخلط الأوراق وإعادة تقسيمها بحيث تمت إعادة تموقع الفرقاء بمواكبة  وربما بمباركة  بعض دول الجوار و بعض الدول الغربية المتنفذة وبإشراف  من الأمم المتحدة  …في منظور إدخال تحويرات على الخارطة السياسية ،يؤمل أن تقود الى توافق وتراض بين أطراف النزاع في أزمة شمال مالي ، وذالك في ضوء التغيير المؤسسي الذي يفترض أن يعرفه  هذا البلد في الأمد القريب ، والمتمثل في إنجاز إلإستحقاقات الانتخابية التي بدأت ترجمتها الى واقع ملموس و التي لن تفضي في رأينا بشكل تلقائي إلى تخطي  الأزمة   المستحكمة القائمة  في الإقليم ما لم تتم معالجها من جذورها. هذه المتغيرات وما يلوح في الأفق من مؤشرات تدل على نوايا مبيتتة لتدخل مخطط له بإحكام في شبه المنطقة، ومن سعي الدول الكبرى إلى إقامة قواعد عسكرية بها بدعوى منازلة تنظيم القاعدة ومحاربة الإرهاب ، ووصولا في حقيقة الأمر إلى إحكام السيطرة على موارد المنطقة ومقدراتها .

 كل ذالك  و ما قد ينجر عنه من تطورات ميدانية ، يستلزم من موريتانيا أن تعيد حساباتها في كل شيء من منطلق مصالحها البحتة وأن تسعى جادة إلى أن تتموقع على المشهد الدولي الآخذ في التشكل انطلاقا من التحديات الجديدة، و التي يتعين عليها إمعان النظر مليا في قسماتها من أجل تحديد ملامحها وإستكناه طبيعتها ، وبلورة الطرائق الملائمة لرفعها . كما يجب تدبر الإكراهات الطارئة التي ينبغي تطويعها والرهانات الأساسية التي يجب كسبها ورسملتها لصالح البلاد .

وما سوف يساعد على بلوغ هذه الأهداف هو بالتأكيد التوصل إلى حل مرضي وسريع لأزمة شمال مالي التي طالما شكلت شوكة في خاصرة شبه المنطقة ومثلت بؤرة توتر داخلها لا ينطفئ أوراها إلا ليعودن للاشتعال من جديد.وحل هذه الأزمة المزمنة التي يتعين على موريتانيا ، للعديد من الأسباب  والاعتبارات ، ان تساهم فيه بشكل فعال ، لابد أن يمر بتلبية مطالب سكان الشمال المالي العادلة في الاعتراف بهويتهم الثقافية المميزة واحترام خصوصيتهم الاجتماعية ،والاستجابة إلى مطالبهم المشروعة والشرعية في المساهمة في تدبير شؤونهم والإسهام في رسم ملامح مستقبلهم وصياغة مصيرهم وفقا لمبادئ العدالة و المساواة التي يكرسها النظام الديمقراطي وتقتضيها مواثيق حقوق الإنسان .  ولن يغني تنظيم  الانتخابات  بمالي مهما كانت ديمقراطية  عن   إيجا د  حلول مرضية و توافقية لكل هذه القضايا العادلة التي يطرحا  سكان  منطقة أزواد.

ويفرض حق الجيرة على موريتانيا  أيضا، لما لها من نفوذ ووشائج اجتماعية عميقة في الشمال المالي و ما تتمتع به من روابط ثقافية و روحية ضاربة في القدم مع الشعب المالي   بكل مكوناته  الأخرى ، أن تساعد جارتها  في التوصل مع مواطنيها في المناطق الشمالية إلى حل توافقي عادل وحصيف يأخذ في الحسبان الحقوق الأساسية و المشروعة لهؤلاء المواطنين و يراعي الوحدة الترابية لدولة مالي الشقيقة .

نواكشوط 19 يوليو 2013

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى