كواليس اليوم الثاني من محاكمة الرئيس السابق وعشرة من زملائه
الزمان أنفو-
بدأت جلسة اليوم الثاني من محاكمة المتهمين في ملف العشرية متأخرة نسبيا عند الساعة: 10:07 دقائق، وعرفت مجرياتها هدوءا في البداية استمر لساعات قبل أن تبدأ عوصف الخلافات، ورغم حدة النقاشات وطولها، فقد انتهت الجلسة دون حسم.
حافظت القاعة شكليا على وضعيتها، ومواقع جلوس الأشخاص فيها، باستثناء المدير السابق لشركة “صوملك” محمد سالم ولد أحمد الملقب “المرخي”، والذي انتقل من كرسيه أمس حيث كان الأقرب إلى القضاة، ليستقر على كرسي بين محمد سالم ولد البشير، ومحمد ولد امصبوع.
وقبل بداية الجلسة، لاحظ موفد وكالة الأخبار أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أدار كرسيه المتقدم باتجاه بقية المتهمين، وبدأ الجميع في أحاديث جانبية لم تتوقف حتى بعد بداية الجلسة.
وكان أكثر الحديث داخل قفص الاتهام بين الثلاثي محمد سالم ولد البشير، ومحمد عبد الله ولد أوداع، ومحمد سالم ولد أحمد الملقب “المرخي”.
ولوحظ أن غالبية المتهمين غيروا ملابسهم التي ظهروا بها خلال جلسة يوم أمس، لكنهم حافظوا كلهم على ارتداء الزي التقليدي الموريتاني “الدراعة”.
عند استراحة الغداء، توجه ولد حدمين وولد البشير نحو قاعة مختلفة عن القاعة التي توجه إليها بقية المتهمين، باستثناء الرئيس السابق الذي بقي في القفص، وتلقى وجبته من عائلته، قبل أن يتم إخراج الصحفيين من القاعة.
كما حافظ نائبا وكيل الجمهورية على مقاعدهما جنب الوكيل عن يمين رئيسة المحكمة دون أي تدخل.
تراجع في الحضور
ولوحظ تراجع في الحضور سواء على مستوى الجمهور ، أو المحامين، حيث لم يتجاوز عدد المحامين الذي حضروا الجلسة 55 محاميا، كان 37 منهم في الجانب المخصص للدفاع عن المتهمين، و18 في جانب دفاع الطرف المدني (الدولة).
فيما جلس في الصف الأمامي من المقاعد المخصصة للجمهور الوزير السابق سيدنا عالي ولد محمد خونه، ورجل الأعمال ابن خالة الرئيس السابق افيل ولد اللهاه، وتقدمت أسماء بنت عبد العزيز الصفوف المخصصة للنساء.
ودفع تراجع الحضور الجماهيري المحامي محمدن ولد اشدو للتشكيك في علنية المحاكمة، مستعرضا الإجراءات الصعبة المفروضة على الداخلين، والمضايقات التي يتعرض لها المحامون دليلا على ذلك، وهو ما رد نفاه وكيل الجمهورية، مؤكدا اتخاذ إجراءات كثيرة لتسهيل الدخول.
كما لوحظ دخول بعض الشهود الذي تم استدعائهم لقاعة المحكمة بدل المكان المخصص لهم خارجها، ومن بين الشهود الذي دخلوا قاعة المحاكمة المدير السابق لشركة “اسنيم” حسنه ولد اعلي، ورجل الأعمال محي الدين ولد أحمد السالك المعروف بـ”الصحراوي” إضافة لرجل الأعمال افيل ولد اللهاه، والذي بقي في القاعة مع الجمهور.
وظهر الإعياء والتعب على الجمهور مع تمدد الجلسة بشكل متواصل دون رفع، وخصوصا في الجانب المخصص للنساء.
وتدخل خلال جلسة اليوم – والتي استمرت من الساعة: 10:07 دقائق، وحتى الساعة: 17:50 دقيقة، تخللها رفعها لمدة ساعتين – 31 محاميا، غالبيتهم من دفاع المتهمين.
كما غاب عن الجلسة محاميان فرنسيان حضرا أمس ضمن فريق دفاع الرئيس السابق، وصحفيان فرنسيان أحدهما المدير الإقليمي لوكالة الصحافة الفرنسية في دكار، والثانية موفدة من صحيفة “جون آفريك”.
وتمكن دفاع الرئيس السابق من أخذ حصة معتبرة من الوقت المخصص للحديث، حيث تدخل منسق الدفاع محمدن ولد اشدو أربع مرات، فيما تدخل عضوا هيئة الدفاع ساندريلا مرهج، وأباه امبارك ثلاث مرات.
وخلال الجلسة طلب الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من أحد محاميه تزويده بمجموعة من الوثائق والنصوص القانونية كانت بحوزته، حيث أخذها وبدأ مطالعتها لوقت، وأبقاها عنده طيلة الجلسة.
عواصف بعد هدوء
وعرفت الجلسة انسيابية في سيرها، وهدوءا وانتظاما في مداخلاتها من بدايتها عند الساعة: 10:07 دقائق، حتى الساعة: 01:05 حيث اكتمت مداخلات دفاع المتهمين ليطلب محامو الطرف المدني (الدولة) الحديث، وفروها رفع دفاع المتهمين أصواتهم رفضا لحديثهم، نافين وجود أي صفة تخولهم ذلك.
وأثار هذا الرفض جدلا واسعا، وارتفاعا للأصوات داخل القاعة، استدعى تدخل الشرطة بأمر من رئيس المحكمة لإعادة الهدوء.
“أمر على الكراسي”
وتطلب احتدام الخلاف بين الطرفين، وارتفاع الأصوات من رئيس المحكمة إصدار “أول أمر على الكراسي” خلال المحاكمة الحالية، وأقر فيه حق محامي الطرف المدني في الحديث خلال الجلسة.
وأملى القاضي على كاتبه نص القرار الذي يقول فيه إنه “نظرا لأن دفاع الطرف المدني أبدى للمحكمة رغبتهم في الكلام، حول النقطة المثارة، فإن المحكمة تسمح لهم بأن يبدوا ملاحظاتهم حول ما أسماه بعض محامي الدفاع عدم شرعية أوامر الإيداع”.
ونجح رئيس المحكمة في إنهاء أولى العواصف والتي استمرت لوقت، واحتاجت السيطرة لتدخل من الشرطة، وأوامر صارمة من القاضي للمحامين بالصمت، والتزام الهدوء.
لكن عاصفة أخرى، بدأت عند تدخل عضو الطرف المدني المحامي لوغورمو عبدول، حيث تولى ترجمة حديثه المحامي فاضيلي ولد الرايس، واختار الأخيرة ترجمة فقرة من حديثه تتعلق بالأموال التي بحوزة المتهمين، ليصفها بـ”الأموال المسروقة”.
وقد أثار الوصف ضجة كبيرة داخل القاعة، امتدت ليشارك فيها بعض الموجودين داخل قفص الاتهام، قبل أن تستعيد القاعدة الهدوء مجددا.
وكان ولد الرايس شريكا في ثالث العواصف، عندما رد على المحامية اللبنانية ساندريلا مرهج، مستنكرا حديثها عن اختطاف المتهمين، ووصفها لهم بأنهم رهائن، وهو ردت عليه المحامية اللبنانية، ليحتدم النقاش بينهما لفترة.
“الغريم” الترجمان
وكان لافتا تولي القاضي المتقاعد والمحامي فضيلي ولد الرايس شخصيا ترجمة مداخلة الأستاذ الجامعي والمحامي لو غورمو عبدول، حيث استعاد بعض الإعلاميين مشاهد من نقاشات حادة بينهما بسبب التعديل الدستوري الذي أجراه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في العام 2017.
فقد جمعت كراسي الدفاع عن الدولة من فرقتهم السياسية 2017، حيث كانا كشخصين ضيفي مناظرة قانونية حول المادة: 38 من الدستور، ومدى شرعية الاعتماد عليها في تنظيم استفتاء لتعديل الدستور، حيث استمات ولد الرايس في الدفاع عن شرعيته، فيما أكد لوغورمو بطلان أي استفتاء يعتمد عليها.
وتولى ولد الرايس ترجمة مداخلة لو غورمو، رغم الاحتجاج الذي طال بعض مضامين الترجمة.
الطرف “المتاهة”
منسق دفاع الرئيس السابق المحامي محمدن ولد ادشدو قال إن اليوم الأول من المحاكمة ضاع في متاهة ما وصفها بـ”المنظمات الصفراء”، مبديا تخوفه من أن يضيع اليوم الثاني في متاهة ما وصفه بالطرف المدني المزعوم، في إشارة إلى المحامين المتعهدين باسم الدولة الموريتانية.
وأضاف ولد اشدو أن زميله اباه ولد امبارك اعترض أمس على تمثيل النيابة العامة بثلاثة قضاة، لكنه أخطأ في العدد، حيث إن النيابة العامة في الحقيقة ممثلة بثلاثين شخصا، هم وكيل الجمهورية ونائباه، ومن وصفهم ولد اشدو بأعضاء الطرف المدني المزعوم.
وذكر ولد اشدو بأن هذا الطرف كان في البداية 60 محاميا، ثم تقلص إلى 27، قبل أن يرتفع داخل القاعة إلى 30 بانضمام الوكيل ونائبيه.
وصف ولد اشدو للمحامين في الطرف المدني بـ”المتاهمة” أثار زوبعة في صفوف المحامين، ورفعوا أصواتهم مطالبين بسحبها، وهو ما استدعى تدخل رئيس المحكمة طالبا من ولد اشدو تسيير العلاقة مع زملائه، وهو ما رد عليه ولد اشدو بأنه على استعداد لسحبها في حال طلب رئيس المحكمة ذلك، أو طلبته النيابة، مردفا أن لا يعترف بوجود أي طرف آخر حتى يستقبل منه طلبا لأن “المعدوم شرعا كالمعدوم حسا”.
عضو فريق الطرف المدني المحامي عبد الله ولد اكاه اعترض على وصف ولد اشدو للفريق بالمتاهة، مستغربا صدور هذا منه، في وقت يدافع وفريقه عن 11 متهما فقط، فيما يمثل الطرف المدني كل الشعب الموريتاني، ويدافع عن مصالحه.
ولد اشدو عاد ليقول إن نقيب المحامين إبراهيم ولد أبتي لم يستطع الجمع بين قيادته لنقابة تجمع كل المحامين، وبين صفته طرفا في ملف معروض أمام المحكمة، وهو ما رد عليه ولد أبتي خلال المداخلات التي كانت خلال الفترة المسائية من الجلسة بدعوة المحامين لأن يكونوا مستقلين عن المتهمين الذين يمثلونهم، وأن يتذكروا صفتهم كمحامين، وحق زملائهم عليهم، وحق الهيئة التي تجمعهم.
جدل قانوني
وكان وكيل الجمهورية أحمد عبد الله المصطفى قد أبدى استغرابه من تقدم دفاع المتهمين بطلب للمحكمة من أجل التراجع عن قرار صادر عنه، معتبرا أن لكل قرار قضائي صادر عن جهة قضائية جهة أخرى يتم الطعن فيه أمامها.
ورأى ولد عبد الله أنه كان على هيئة الدفاع التعاطي مع هذا الموضوع خارج الجلسات، ورفعه أمام الجهات المعنية بدل إعادته لنفس المحكمة التي أصدرته.
المحامي إبراهيم ولد ادي رد على وكيل الجمهورية بالقول إن قرار إيداع المتهمين السجن لم يصدر عن المحكمة، وإنما صدر عن رئيسها، مردفا أن الدفاع قرر التقدم أمام المحكمة كهيئة لمراجعة القرار الصادر عن رئيسها.
تباين آراء الدفاع
ولوحظ خلال الجلسة تباين آراء دفاع المتهمين في الملف، وخصوصا حين طلب منهم رئيس المحكمة القاضي عمار ولد محمد الأمين الاتفاق على الأسلوب الذي يرونه الأنسب في التعاطي مع اعتراضهم على قرارات إيداع موكليهم السجن.
وذكر القاضي المحامين بأن الأصل هو أن يتم ذلك عبر عرائض تقدم له، ويحيلها للنيابة العامة لإبداء رأيها، ثم يتخذ قراره بعد ذلك، لافتا إلى أنه قبل بناء على طلبهم نقاشها بشكل شفوي، وبعد حديثهم عن استعجالها وجوهريتها.
وقد تباينت آراء المحامين الذي يتولون الدفاع عن المتهمين، حيث عاد رئيس المحكمة ليؤكد لهم أن التشاور لا يمكن أن يتم خلال الجلسة، ولكن من حقهم طلب رفعها لربع ساعة أو عشرين دقيقة، لكنهم لم يتفقوا على أي خيار، لتتم مواصلة نقاش الملف شفويا.
وانتهت جلسة اليوم الخميس الساعة السادسة إلا عشر دقائق دون أن تحسم المحكمة الموضوع الذي سيطر على نقاشاتها ليوم كامل، وهو طلب الدفاع منح موكليهم حرية خلال فترة المحاكمة، ليعود المتهمون إلى السجن في انتظار استئناف جلسات المحكمة مطلع الأسبوع القادم.
الأخبار