كأن الفساد قدرنا المكتوب! /سيدعلي بلعمش
الزمان أنفو – قلت دائما و أكررها اليوم أكثر من أي وقت مضى ، إن مشكلة موريتانيا الأكبر و الأقدم و المُتجاوَزة من الجميع و الخارجة عن كل تشخيص و كامل السيطرة ، هي أن الإصلاح ليس من مصلحة أي جهة في هذا البلد و أن مُطالبة الأنظمة بالإصلاح من قبل الجميع هي مجرد ورقة ضغط كاذبة كان باستطاعة الأنظمة (بقليل من الذكاء و الفطنة) ، أن تستخدمها ضد كل من يرفعون أصواتهم بأي نوع و أي قدر من الإصلاح في هذا البلد.
لا أحد في هذا البلد يقبل أن يبدأ الإصلاح من مربع مصدر رزقه .
لا أحد في هذا البلد يهمه من الإصلاح غير ما يخدم مصلحته الشخصية و يُؤمِّن استمرار مُغالطته للجميع.
إذا بدأنا بتجرد بالقطاعات الأهم ، لن نكون موضوعيين إذا لم نقل إن:
– إصلاح التعليم يتطلب طرد 95% من المعلمين (الجهل حد الأمية ، الجهل بميكانيسمات البيداغوجيا ، انحطاط المعنويات ،المنعكس على الملبس و السلوك و الأمانة) .
فهل من الموضوعية هنا ، أن ننتظر من هذا المعلم أن يكون جزء من الحل؟
- إصلاح الشأن السياسي يتطلب حل جميع الأحزاب و إلزامها مستقبلا بتقديم مشاريع دولة ، تسند ظهورها إلى توجه اقتصادي و اجتماعي مفهوم ، يستطيع كل إطار من المكتب التنفيذي لأي منها تقديم محاضرة في الجامعة عن أي إشكال فيه و امتلاك قدرات مادية واضحة المصادر في حساب الحزب (لا حساب رئيسه) لصيانة ماء وجهه بعد طفرة أحزاب الشنطة التي حولت السياسة في البلد إلى وسيلة تسول و ارتزاق فاضحة و حولت البلد إلى موضوع سخرية من الجميع ، فهل تتوقعون أن تساهم هذه الأحزاب في مثل هذا الإصلاح ؟
-
إصلاح المعارضة يتطلب (و هذا أقل الإيمان)، أن يكون لديها تعريف للمعارضة ؛ هل يعقل أن يكون من حق كل من لفظته الأغلبية (من بارونات الفساد و الإفساد)، أن يصبح معارضا ، حتى عزيز و بيرام و السعد و تيام ؟
كيف نصلح معارضة تقودها موالاة (الإخوان)، هي من تختطف دورها و تتكلم باسمها و تشيطن عملها و تشكك في صدقها؟
فهل تنتظرون أن يكون “الإخوان” جزء من إصلاح المعارضة أو تكون هذه المعارضة جزء من أي إصلاح سياسي؟؟ -
إصلاح الصحافة يتطلب دفن النقابة حية و قتل كل الروابط الصحفية رجما بالحجارة و حرق الوكالة الموريتانية للأنباء و إلزام لجنة إصلاح الصحافة بالمشي من نواكشوط إلى النعمة حبوًا و إلزام كل العاملين في القنوات السمعية البصرية و الهابا بقضاء بقية حياتهم في شمامه و العيش حصريا مما تنتج أياديهم و البحث عن اسم جديد للصحافة ينسينا كل ما لطخوا به اسمها المحترم في العالم أجمع ، فهل تنتظرون أن تقبل هذه “الصحافة” أن يبدأ منها الإصلاح ؟
-
الحديث عن إصلاح “التوجيه الإسلامي” و دور علماء البلد و مؤسسة الإفتاء و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، ظل منذ نشأة الدولة ، بالغ الإحراج و ظل كل من لا يتجاوزه يُلفِتُ انتباه الجميع إلى زندقة تتغذى على “لحم العلماء” ، المسموم أكثر من التواطؤ مع الباطل و غض البصر عن عراء الفساد ..
-
الحديث عن إصلاح الإدارة الموريتانية من سوء الأدب مع “الدولة” و تحدي “رموزها” و التشكيك في وطنيتها ، ستنكره “الأخلاق السياسية” و تسفهه فتاوى فقه الضرورة و يمنعه “قانون الرموز” ..
-
قطاع المال و الأعمال (التجار و البنوك و شركات التأمين ، إلى آخر القائمة) ، هو الأسوأ في البلد : الرشوة ، التزوير ، الغش ، النصب ، الاحتيال ؛ التفكير في بدء الإصلاح من زاوية المال و الأعمال مثل إقناع إبليس بتولي دور الواعظ الصادق.
أتحدى أي جهة في هذا البلد ، تستطيع أن تقبل أن يبدأ الإصلاح من حدودها ..
الفساد في موريتانيا ضارب في أعماق الأعمال لدرجة أنه لم يعد من بيننا من يستطيع أن يعير غيره به و أحيانا لدرجة أن أيا منا لم يعد يشعر بفساده ..
و الفساد الأخلاقي يشكل حاضنة مريحة لكل رذيلة في البلد : الدعارة ، القوادة ، السحر ، الدجل ، القمار ، النصب ، الغش ، الاحتيال ، التزوير ، الكذب (…)
لم ألتق يوما مفسدا موريتانيا يعترف بفساده أو يقبل (و لو بقدر)، الاعتراف بأي دور في تفشيه ، ناسيا حين يتحدث عن فساد الآخرين بمهارات الخبراء ، أنه يكشف فساد نفسه عن غير قصد ..
و يحاول كل مفسد موريتاني أن يقنعك بأن لولاه هو و ثلة قليلة من أمثاله الأوفياء لهذا الوطن ، لكانت البلاد أصبحت صومالا أخرى .. و أنه هو شخصيا من اقترح إصلاحات هامة على الرئيس و هو من نبهه إلى أخطاء كانت ستدخل البلد دوامة مشاكل بلا نهاية ..
كل مسؤول في هذا البلد يخبرك أنه وجد قطاعه على حافة الانهيار فأنقذه بمعجزة و حين يغادره يقول لك خلفه أنه وجد القطاع على حافة الانهيار فأنقذه بمعجزة .
و الحقيقة الثابتة في كل الحالات ، أن القطاع على حافة الانهيار و أن كل من يدعون إنقاذه بمعجزة هم سبب وجوده على حافة الانهيار ..
الفساد في موريتانيا أخذ أبعادًا مخجلة ، يدركها الغبي و الذكي و الموظف و غير الموظف و المتخصص و غير المتخصص و يَظهر من خلالها إهمال الجميع و تواطؤ الجميع و خيانة الجميع :
و يخطئ من يعتقد أن ما حصل في اسمار و مشروع الواحات و الخطوط الجوية و مفوضية الأمن الغذائي و سونمكس و إينير و مشروع السكر ، أخطر أو أفظع مما حصل و يحصل حتى اليوم في سوملك و اسنيم و شركة الطيران و سنات (…)
العقد الاجتماعي مزقته السياسة و السياسة لطختها النفعية و النفعية حولتها أموال الحرام إلى خطيئة لا ينجو من لعنتها إلا من رحم ربك..
بقليل من تأمل هذا الوضع المحير ، تجد نفسك أمام جدلية لا مخرج منها ، أقلها تعقيدا أن من يدعمون شخص الرئيس ولد الغزواني اليوم هم ألد أعدائه و أتفه مناصريه . و من يدعمون برنامجه هم أشرس منتقديه و أكثرهم معارضة لشخصه ..!؟
فمن يستطيع أن يفهم !!؟