الأديب بدي ابنو: الشاعر فاضل أمين رحمه الله يتجاوز كل تصنيف مدرسي
الزمان أنفو – ألقى الأديب بدي ابنو كلمة خلال حفل افتتاح تخليد الذكرى الأربعين لرحيل الشاعر فاضل أمين رحمه الله تعالى، عدد فيها مناقب الفقيد ومحامده.
مؤكدا أن الشعر تجربة إبداعية وجمالية لا يمكن أن يختصر في بعد اجتماعي.
مضيفا أن الصفة الأساسية للمرحوم فاضل أمين أنه فيما يتجاوز كل تصنيفٍ مدرسي، اندفاعٌ ملحمي به وعبره يتكشَّف الفعل النضالي، كتجربة تغييرية مرحلية، وكتجربة إنسانية أبدية، يضيء لنفسه كي يضيء لغيره.
نص الخطاب:
ـ1ـ
لا شكَّ أن الشعر من حيث هو تجربة إبداعية وجمالية لا يمكن أن يُختصر في بعد اجتماعي مهما كان ثورياً أو تحويلياً أو نضالياً ولكن في نفس الوقت فالشعر والأدب عموماً والفن بشكل أعم لا يمكن أن يكون مُحايداً اجتماعياً حتى ولو أُريد له ذلك، إنه دائماً مُتورِّطٌ ومُنخرط.
- وإذا كانت العلاقة بين الأدب والمجتمع وبين الكتابة الإبداعية والم…
- ” أسائلُ الركبَ عن قومي مرابعهم
والسابحاتِ فما توحي بأخبارِ
وأذرعُ الأفق بالتحديقِ أغرقه
نجماً لنجمٍ وأمطاراً لأمطارِ ”
الشاعر بهذا المعنى يحمل مفرداته وإيقاعه وصوره كأدواتٍ في مواجهة ما يراه واقعاً تحكمه المفارقة التراجيدية فهو يعي من جهة الواقعَ القائمَ ويعي من جهةٍ أخرى أنه ليس لهذا الواقع أن يقوم أو أن يظلَّ قائماً :
” لا خبزَ لا ماءَ لا مرعى ولا كنفاً
يلُمُّنا …كلُّ وادينا مواخيرُ
وما تبقّى لنا في الجدبِ منْ وكَنٍ
إلّا السوافي وبابُ الكهفِ مكسورُ
…
يا أيُّها الفقراءُ المنفيون هلا
إنَّ الزمانَ لكم فاستنْكروا ثوروا
وحطِّموا هيكلَ الأوثانِ واحتضنوا
وجهَ الترابِ فإنَّ الحقَ منصورُ ”
والشاعر في هذا الأفق الثائر مدفوع بقوته الإبداعية الداخلية لا يمتلك لها ردّاً أو بتعبير فاضل أمين: “الشاعر فيما أعتقد مدفوع يكتبه مكرها…
[1:56 PM, 31/01/2023] M: ألقى الأديب بدي ابنو المرابطي كلمة خلال حفل افتتاح تخليد الذكرى الأربعين لرحيل الشاعر فاضل أمين رحمه الله تعالى، عدد فيها مناقب الفقيد ومحامده.
مؤكدا أن الشعر تجربة إبداعية وجمالية لا يمكن أن يختصر في بعد اجتماعي.
مضيفا أن الصفة الأساسية للمرحوم فاضل أمين أنه فيما يتجاوز كل تصنيفٍ مدرسي، اندفاعٌ ملحمي به وعبره يتكشَّف الفعل النضالي، كتجربة تغييرية مرحلية، وكتجربة إنسانية أبدية، يضيء لنفسه كي يضيء لغيره.
وإليكم نص الخطاب:
ـ1ـ
لا شكَّ أن الشعر من حيث هو تجربة إبداعية وجمالية لا يمكن أن يُختصر في بعد اجتماعي مهما كان ثورياً أو تحويلياً أو نضالياً ولكن في نفس الوقت فالشعر والأدب عموماً والفن بشكل أعم لا يمكن أن يكون مُحايداً اجتماعياً حتى ولو أُريد له ذلك، إنه دائماً مُتورِّطٌ ومُنخرط.
وإذا كانت العلاقة بين الأدب والمجتمع وبين الكتابة الإبداعية والمجتمع لفتت اهتمام الكثير من الدارسين في الحقب الحديثة والمعاصرة ليس فقط لدى دارسي الأدب كحقل خاص ولكن لدى كثير من المختصين في حقول العلوم الإنسانية والاجتماعية المختلفة فإن انغراس هذه العلاقة في ثنائية الأنا والوعي أو الذات والوعي كمفردتين مركزيتين في التحولات الاجتماعية كتحولات صادرة في مستوى حاسم من مستوياتها عن ذاتية جماعية قد لفتت بشكل خاص مباحث الاجتماع السياسي.
بهذا المعنى تُشكل الكتابة الإبداعية ذاكرة التحوّل ليس كمادة خام، ولكن خصوصاً كذاكرة للوعي بهذا التحول وذاكرة للوعي بضرورة هذا التحول كممكن سياسي أو كحتمية تاريخية حسب الحالات وزوايا النظر.
وفْق هذا الاعتبار الأخير فأعمال المرحوم فاضل أمين لا تهمّ فقط المعنيين بالأدب، في مستويي التلقي والبحث، ولكنْ أخذَها بعين الاعتبار ضرورةٌ للحقول الإنسانية والاجتماعية الأخرى المهتمة بدراسة جوانب متعددة من التحولات المعاصرة للمجتمعات المعنية.
ولكن الأهم إبداعيا أن هذه الأعمال ليست وثائق تخاطب الباحث ويستأثر بها ولكنها ما زالت تحمل شحنتها الإبداعية البِــدْئية تجاه المتلقي حين يقرؤها قراءة إبداعية.
ورغم أنّه قد بَـذل عددٌ من الدارسين جهودًا معتبرة خلال العقود الأربعة الأخيرة في دراسة نصوص المرحوم فاضل أمين وفي تقديمها لجمهور القراء ما أمكن فما تزال هناك عقبات موضوعية جدّية تواجه قراءه ودارسيه.
إحدى هذه العقبات أنَّ أعماله غير الشعرية ما تزال تقريبا كلها غائبة بل شبه ضائعة وأن أعماله الشعرية ما تزال حتى المحقّقة منها غير متوفّرة للقارئ إلا بصعوبة رغم الجهود المعتبرة التي قيم بها في هذا الإطار.
ولعلّنا نشيرُ هنا عَـرضا أيضا إلى العقبات المعرفية والمنهجية ذات التأثير الذي لا يخفى على المتلقي. يتعلق الأمر تمثيلا لا حصراً بأن المقاربات المدرسية ذات التوجه التصنيفي القَـــبْـلي ما تزال حاضرة بكثافة لدى عدد ممن اهتموا بدراسة شعره. وهو أمر متفَّهم، فمن مشكلات كثير من الأعمال المدرسية الجامعية أنها تتمُّ في سياقات غالبًا ما تدفع الطالب أو الباحث الدارس إلى التنقيب في النصوص عمّا يسمح بتصنيفها على عجل داخل رفّ من الرفوف الشائعة تصنيفيا. فالنسبة لأعمال فاضل أمين مثلًا فإن ثلاثية الشكل العمودي والمعجم والإطار السياسي والأيديولوجي المعلن لصاحب النصوص تدفع دفعا بعضاً من المتعاملين معها إلى الاستعجال في تصنيفها ووضعها في خانة أو رف فهرستي ومنهجي جاهز في مقارباتهم.
إن خصوصية نص ما تقتضي بداهة نظرة استقصائية للنص نفسه تقرأه قبل أن تستقرئه وتستقرئه قبل أن تستقرئ ما يُفتَرض قبْليا أنه شبيهه ونظيره، خصوصيته تقتضي أن يتوفر على قراءة خاصة به بما هو وبما هو فقط قبل أن يتعلق الأمر بما يربطه بغيره …
وأحد أكثر الفخاخ الذي توقع فيها فرضيات الاختبار هو تقلّص اختباريتها لصالح تضخم تعميميتها التي كثيرا ما نقلتها ضمنيا إلى مستوى المسلمات. وبالتالي فما يميز شعر ونثر فاضل أمين أكثر أهمية مبدئيًا مما يسمح بربطه بالقديم والحديث والمعاصر والجديد أو بأي من التسميات الرائجة في التصنيفات الأدبية المدرسية المشرقية أو المغربية أو الأجنبية. وقد يكون من مهمات أجيال الدارسين الجدد الخروج على هذه التصنيفات المدرسية وأطرها الجامدة نسبياً وإعادة قراءة نصوص المرحوم فاضل أمين كما تقدم نفسها لا كما تم تقديمها في التقاليد المدرسية المكرّرة.
ولكن يبقى كل ذلك رهينًا بنشر أعماله الشعرية وغير الشعرية ووضعها جدّيا في يد القارئ والباحث.
ـ2ـ
بمعنىً ما كان لدى المرحوم فاضل أمين حدسٌ أوّلِي، بلْ حدسٌ مبكّر بعلاقته من جهة مع اللغة وبعلاقته من جهة أخرى مع التاريخ، بلْ يمكننا أن نقول إنه كان له حدسٌ كثيف بأنّ دوره استعجالي تجاه الاثنين اللغة والتاريخ، فقد كتَـبَ في السبعينات في جريدة الشعب: ” أنا لا أملك الوقت الكافي لهندسة الكلمات واجترار التاريخ، ولستُ كاهناً يجمع حشائش الطبيعة ويدَّعي أن الإله منحه السر الأعظم “. لذلك ختَمَ هائيته الشهيرة “صفحةٌ من كتاب الشراة”:
” فيا مطرٌ في جفافِ النكوص وحلم المسيرة أرحابَها
إليكَ القصيدُ فأنتَ الخضابُ وقد تحمل الكفُّ خضّابَها ”
إنه تلك الإرادة القادمة من أعماق الصحراء والتي ترفض أن تُطمر خلف وادي الرمل “الذي لا يُعرف ما وراءه” باستعمال تقريبي لتعبير ياقوت الحموي، تلك الإرادة الشّعْلة التي ترفض أن تُطمر تحت ركام المعاجم المتهالكة والقوافي المكرّرة والصور منتهية الصلاحية منذ قرون. ولكن رهانه أنْ يخضّ المفردات نفسها وأن يصنع من الإيقاع الموروث نفسه بركاناً يجمع الأنا والـ نحن في اصطفافٍ وجوديٍ لـ”الأنا” و”الأنت” عبر الشعر، وذلك في وعي جديد يدشنه النحن من حيث يكاشف النحن ذاتيته بدْئياً:
” أحلامُنا في خيامِ البدوِ باطلةٌ
ومهدُنا في مراعي الحيِّ مهجورُ
ظلّانِ من هاجسِ الصحراءِ مقصدنا
مدينةُ الشمسِ يَحبو دونَها السورُ
سنأكلُ الرَّملَ مَعجوناً بأدمعنا
ونشربُ الآلَ تحدوهُ الأعاصيرُ
ونوقدُ النارَ كيف النارُ في بلدٍ
ماتَ الغضا فيه لا دفءٌ ولا نورُ
إنّا هنا لامتلاكِ النهرِ فادَّرِعي
صبراً فلا الجوعُ يُثنينا ولا الجورُ”
هنا فقط تتطابق النحن بالأنا لأن جبّة هذه الأنا الحلاّجية أصبحتْ لا تعي فقط أنّ فيها إنسانا ساكنا بل تعي أيضا أنه من حيث هو ساكن فهو يحمل استلابه، يحمل قيوده، بينما الصوت الهامس في أعماقه قادرٌ لو استنطِق أن يعلو في مداه مدى “الما كان” و”الما استقرّ”:
“بكلِّ أرضٍ سعتْ رجلي مطاردةً
كأنني واترٌ والدهرُ موتورُ
في جبَّتي يسكنُ الإنسانُ مستلَباً