إلى مؤتمرات السلم سؤال: مالجديد في سلمية الإسلام!!!!!
كتب د. محمد ولد الراظي:
الزمان أنفو- أهلا بكل من دعا للسلم وسعي في بث روح المحبة بين البشر وطالب بقبول الغير واحترام المخالف..
كان رسول الله صلي الله عليه وسلم أول من جمع اليهود والمسيحيين والمسلمين بميثاق واحد في دار هجرته……كانت “الصحيفة” ذلك الميثاق الذي نظم علاقة البعض بالبعض وعلاقة الجميع بالدولة….
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه صاحب العهدة التي ضمنت للمسيحيين في بيت المقدس من أن لا يدخل عليهم أحد من يهود …….فلا جديد يستدعي من أحد جهد التنقل والترحال للحديث عن سلمية الإسلام كعقيدة ومسالمة المسلمين كأمة وسط…إنما الجديد أن يكون الذي كان في فترة تعيش فيها الأمة أسوأ أيامها ويعيش فيها المسلمون محنة لم يسبق أن عاشوها من قبل.
صحيح أنها ليست أول محنة لهم ولن تكون الأخيرة لكنها قد تختلف عن سابقاتها في كونها زادت علي الهزيمة العسكرية بهزيمة معنوية فتغلغل الوهن إلي داخل المسلمين وجاء الخور من حيث يتوقع أن تكون النجدة.
أمعن الفونس السادس في استباحة أرواح وأعراض المسلمين في الأندلس يوم انفرط العقد وتشتت الجهد وانخدع الكل وتخاذل الثيران يومها كانت كل أسباب الخوف موجودة…… ذعر جل الأمراء وتخاذلوا كل يلوذ بطائفته ويستعين بعدوه علي أخيه وعم الناس أجمعين هلع كبير إلا العلماء فما وهنوا وما خافوا وما استكانوا لأنهم يعلمون من الله مالا يعلم غيرهم ومن الدين يدركون ما لا يدركه الآخرون فانتدبوا منهم جمعا كريما وجاؤوا يوسف بن تاشفين يستنصرونه فكانت الزلاقة….فما الذي استجد اليوم ليكون علماء الأمة في طليعة رافعي الراية البيضاء !! وما الجديد في سلمية الإسلام!! الإسلام دين الله سماه باسم منفصل عن النبي الذي جاء به وعن قومه وعشيرته وعن المكان الذي ولد فيه فلا هو دين مكة ولا هو دين العرب ولم يقل محمد صلي الله عليه وسلم إنه جاء بالدين المحمدي بل بدين الله للناس أجمعين….. والإسلام والسلام والسلم من جذع لغوي واحد وتحية الإسلام السلام والقرآن الكريم ذكر السلم ومشتقاته في مائة وأربعين آية والحرب ومشتقاتها في ست آيات فقط ……فما الذي يود مؤتمرونا أن يقولوا زيادة !!!!
وبعكس الإسلام في عالمية اسمه وسلميته وشمولية دعوته وانفصاله عن محلية النشأة وشخص المبعوث به فإن اليهودية أخذت اسمها من قبيلة “يهودا” فهي إذن دين قبيلة بادئ الأمر ثم أصبحت دين إقليم “يهودا” الذي سكنته تلك القبيلة وأخذ إسمه منها و حيث قامت إحدي ممالك أتباع سيدنا موسي عليه السلام وليست اليهودية ديانة تبشيرية مطلقا ومن الصعب جدا أن يصبح يهوديا مَن ليست له أصول يهودية.
أما المسيحية فقد نسبها البعض لشخص السيد المسيح عليه السلام وتعني بالعبرية “الممسوح بالدهن المقدس” وأطلقها أتباع سيدنا عيسي عليه السلام تيمنا وبركة وتحقيقا لبشارة قالوا إن العهد القديم ذكرها ويعرف المسيحيون أيضا بالنصاري وهو إسم للمجموعة التي ينحدر منها عيسي عليه السلام وقد أسست هذه المجموعة مدينة الناصرة في فلسطين قرنين قبل الميلاد……تختلف الروايات المسيحية حول المكان الذي ولد فيه المسيح عليه السلام هل ولد بالناصرة أم أن أمه غادرت به إلي بيت لحم لتتحقق البشارة التي جاءت ثماني قرون قبل ذلك علي لسان “ميخا” أحد أنبياء العهد القديم من أن ميلاد المخلص سيكون هناك ولكون سيدنا داوود عليه السلام ولد بنفس المكان أيضا….وفي كلتا الحالتين إن تسمي الدين بالمسيحية فمنسوب لشخص وإن تسمي بالنصرانية فالنسبة تعود لقوم ومكان…..
أصحاب الديانات الأخري هم الأحوج لإقناع الآخر بأن الدين عندهم جامع لا يميز بين الناس وبأنه دين إخاء ومحبة وسلام وهم الأحوج لإقناع الآخر بأن عدوانية بعض من ينتسبون إليهم إنما هي شرور أفراد لا علاقة لها بالدين….خاصة في هذا العصر الذي لم يسلم فيه شيخ ولا رضيع من هذا الموت الزؤام القادم من ديار الغرب الراعي الرسمي “لحوار الثقافات والأديان”…ولمؤتمرات السلم !!!!
والحقيقة التي لا مراء فيها أن السلم إن لم يكن سلم الأقوياء يكون استسلاما والإستسلام يأخذ الكثير من المعاني والأشكال……..ومؤتمرات “السلم” شكل له وعنوان
يكون الإستسلام برفع الراية البيضاء في ساحة المعركة استصحابا لموروث شرقي قديم يري في الحمام الأبيض رمزا للسلام ويكون طورا بالرضوخ لإملاءات القوي في كل موضوع وبلا تردد كما هو حال أنظمة العرب مع أمريكا اليوم ويكون أيضا بالإستلاب والذوبان في ثقافة العدو ودينه كما يراد له منذ بدأ تسويق الدين الإبراهيمي وهذا هو أخطر أشكال الإستسلام والهزيمة…..فعن أي سلم يتحدثون ؟ ومع من ؟
حين أعلن المنتصرون في الحرب العالمية الأولي ميلاد عصبة الأمم كان ذلك لتثبيت سلم الأقوياء والحيلولة دون بزوغ نفَس تمرد قد يهدد استقرار المنتصرين ومع ذلك جمعت هذه العصبة المنتصر والمهزوم وكذلك كانت الأمم المتحدة بعيد الحرب الثانية.
أما أن يجتمع فقهاء مسلمون في هذا الزمن الكئيب ليعلنوا سلميتهم وسلمية دينهم فذلك أمر ليس باليسير فهمه مما يستدعي بعض الأسئلة التأطيرية للمساعدة في معرفة الغايات الحقيقية من هذه المؤتمرات المريبة:
من يمول هذه المؤتمرات ؟ وما الدافع لتنظيمها ؟ ومن المستفيد منها ؟ ومن هم المنظمون والمنعشون والمشاركون؟ وبأية صفة حضر من حضر ؟ وماذا سيقدم الحاضرون لهذا السلم الذي يدعون إليه ؟ وباسم من ستكون مخرجاته ؟ و لمن ستكون موجهة ؟ وما معني مؤتمرا للسلم لا يحضره إلا طرف واحد ؟ وما معني أن يكون هذا الطرف هو الضحية وهو المهزوم ! أيعقل أن ينجح مظلوم في إنصاف نفسه من ظالمه بمجرد أن يعلن سلميته في عقيدته ومسالمته في سلوكه ؟ وكيف ينتزع من لا يقدر علي مجرد أنين ممن يمتلك كل أسباب القوة ويمتلك رقاب المهزومين !! أم أن الغاية من هذه اللقاءات كلها مجرد شيطنة من لا يسير في فلك أمريكا !!
لا يذكر التاريخ أبدا أن اجتمع المهزومون للحديث عن السلم وبث ثقافته لأنهم ببساطة لا يملكون حيلة ولا قوة ……حين يكون القوي المنتصر هو من يعرض السلم ويبث ثقافة المسالمة يكون ذلك منة ومكرمة أما حين يمد الضعيف المهزوم يده مسالما لمن اضطهده وعذبه يكون ذلك مذلة في مذلة واستكانة في استكانة وقبولا و رضي بالهوان…..وتيئيسا من الخلاص
لو كانت هذه المؤتمرات تهدف حقا لتنصيع صورة الإسلام والمسلمين لكان الأولي أن تتجه أولا لحقن دماء المسلمين في اليمن والتوقف عن إذكاء نار الفتنة فيه ولسعي منظموها لوقف شلال الدم السوري ولا انصبت جهودهم لإعادة السلم إلي ليبيا التي كانت هادئة مطمئنة إلي أن جاءها الغرب وبعض من المسلمين فجعلوها هباء منثورا ولكان القوم انشغلوا أولا بإنقاذ مسلمي بورما……أرواح المسلمين أولي من تجميل صورتهم لدي أنظمة ودول لا تري قوة وعزة لها إلا من خلال إذلالهم ونهب ثرواتهم وايقاف مد رسالتهم الخالدة…. …….وأخيرا ما ذا يقول رعاة هذه المؤتمرات في قول الله عز وجل :
“فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا” …… وفي موضع لاحق “فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم…”