أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل أبدا

alt“الفارق الجوهري بين رجل السياسة و رجل الدولة، هو أن الأول يفكر دائما في مصيره في الانتخابات القادمة، بينما يفكر الثاني دائما في مصير الأجيال القادمة” جان فرانسوا رفيل، فيلسوف و أكاديمي فرنسي (1924- 2006)

 

تعتبر مقاطعة الانتخابات نوعا من عديد أنواع المقاطعة ، وإحدى الوسائل المستخدمة من قبل مجموعة من الناخبين كاحتجاج سياسي، عندما يرى الناخب أن احتمالات تزوير الانتخابات قوية، أو أن النظام المشرف على العملية الانتخابية متحيز لمرشح بعينه، أو أن النظام السياسي المنظم للانتخابات يفتقد إلى الشرعية.

في بعض الدول حيث التصويت إجباري، قد تعتبر المقاطعة نوعا من انواع العصيان المدني، ويكون الحل البديل لمؤيدي المقاطعة هو إبطال الأصوات عن طريق “الأصوات البيضاء” (ترك ورقة التصويت فارغة) أو اختيار خانة “أرفض كل الاختيارات” إن تواجدت هذه الخانة.

يمكن للمرشحين الامتناع عن دخول السباق وحشد مؤيديهم لمقاطعة التصويت. في حالة الاستفتاءات، يمكن لمعارضي المقترح المستفتى عليه استخدام المقاطعة كتكتيك تصويتي، وفي حالة استجواب حد أدنى من الأصوات المشاركة لصحة نتيجة الاستفتاء، فيمكن للمقاطعة أن تؤدي لإبطال العملية بأكملها.

أما عن موقف مقاطعة الأحزاب والتنظيمات السياسية الانتخابات فإنه و إن بدا في ظاهره صائبا، خاصة حين يعتمد على مبررات منطقية كـ:

 ضعف شروط تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة،

 و شبه غياب رهان انتخابي يهدف إلى خلق مشاركة فعلية في صناعة القرار السياسي واقتسام السلطة،

فإن الخطوة قد تستساغ إلى حد قبولها و إن تظل ناقصة الفعالية حيث أنه من المطلوب بإلحاح ركوب الشرطين حافزا للتنافس السياسي والانخراط في المجابهة من أجل توفيرهما عوض أن يكونا سببا في الانسحاب والمقاطعة. ثم إن النتائج التي تحصد من وراء موقف المقاطعة تكون في الغالب الأعم سلبية على الأحزاب والتنظيمات السياسية المقاطعة نفسها ثم بالنتيجة على واقع المواطنين الاقتصادي والاجتماعي. و من أهم تجليات سلبيات المقاطعة أنه يكشف عن حقيقة جانب الوهم فيه و جوهره الخاطئ و عدم مردوديته السياسية و تكلفته الباهظة على هذه التنظيمات السياسية المقاطعة التي تنخرط بموجبه في نشاط محموم يأخذ من الوقت والجهد و الإمكانات ما لم يكن مقدرا.

و إن موقف المقاطعة الذي يتخذه الكثيرون يكون على الأرجح عزوفا إن لم يكن على الغالب إهمالا، و هو الموقف الذي يتبناه القليلون أيضا تحت تأثير دعوة بعض الأحزاب والتنظيمات المقاطعة، و قد ينظر إليه البعض من وجهة نظره على أنه يتناقض مع القواعد الموجهة للسياسة القائمة على خدمة المواطنين من كل المواقع و المجالات و محاربة الفساد في كل القطاعات و الفضاءات، وبكل الوسائل الشرعية السلمية والإمكانيات المتاحة.

فالمواقف تقاس في السياسة بالنجاعة و المرودية التي تنتج عن القرارات و المواقف التي يتخذها و يمارس بمقتضاها السياسيون أفرادا كانوا أو ضمن تنظيمات، إضافة إلى منهجية السلوك المتبع و ضبط و تقنين العمل المطبق، أي قياس و تقويم وتقييم المواقف السياسية بما يترتب عنها من نتائج ايجابية لصالح الشعب والوطن و المواطن، ولصالح الأطر أو القوالب السياسية المعنية بتلك المواقف التي تتخذها من كل القضايا و النوازل و العواصف و التحولات و المنعرجات السياسية التي لا تدرك و لا تحاط، في انسجام تام مع مبادئها و باتساق مع البراكماتية في السياسة بمفهومها الايجابي، وليس بالمعنى الانتهازي الميكيافلي الذي يغلب على بعض التجليات السياسية فيميع اللعبة و المهنة و الوسيلة الأكثر ضرورية لإرساء العدل و المساواة و النهج القويم لدولة القانون.

و للمقاطعة التي تنتهجها بعض الأحزاب، بعيدا عن أسبابها الموضوعية القليلة نسبيا، مضعفات سلبية كثيرة على واقع والشعب و الوطن و المواطنين. فهل استطاعت بعيدا عنا في دزل كثيرة مقاطعة هذه التنظيمات والأحزاب للانتخابات أن تغير شيئا في واقع شعوبها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي؟

و مما لا شك فيه أن انسحاب بعض القوى السياسية، الممثلة على العادة لتيارات عريضة من الشعب، عن المشاركة في المؤسسات المنتخبة بمقاطعة الانتخابات، ترك المجال فارغا، و الفرصة سانحة، للمفسدين من المافيات الانتخابية واللوبيات الطفيلية، للانفراد بثروات البلاد والعبث بها و تبذيرها ونهبها و للتلاعب بالحكم و الإسراف في ممارسته، آمنة مطمئنة، من غير إزعاج و لا مضايقة، ولا ناه و لا رادع، و لا منتقد و لا مصحح.

و إذا ما كان لأحزاب المنضوية تحت لواء منسقية المعارضة أن تعمل بمقتضى إدراكها المؤكد لهذه الحقيقة و أن تقرر المشاركة في الانتخابات المقبلة و لو تأخر الوصول إلى القرار على أن لا يكون الوصول مطلقا، فإنما تكون لتفوت بذلك الفرصة – و لو مرة واحدة – على السماسرة و الطفيليين و “أعراب” الاستحقاقات في هذه البلاد التي ما زالت قريبة العهد بالبداوة و ترحالها و كثرة سرابها الذي يحسبه الظمآن ماء.

و من يدري فقد تكون هذه المشاركة قاصمة ظهورهم و منطلق تحول عن إذعان السياسة للعقلية الأعرابية إلى إخضاع قوالب الماضي لمقتضيات الديمقراطية التي تنهض بالبلاد إلى آفاق الحرية و العدالة و النمو و الازدهار؟

الولي ولد سيدي هيبه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى