من يريد الإنقلاب../محمد الأمين محمودي
مسكينة هي بلادي موريتانيا,رئيسها مريض ومعارضتها مريضة وجيشها مريض وشعبها مريض هو الآخر.. الرئيس مريض لأنه يوجد الآن بمستشفى فرنسي ولم يعد إلى بلده لمزاولة عمله مع ما صاحب هذا الغياب من شح في المعلومات الدقيقة والواضحة غير الموجهة.
المعارضة مريضة بمرضين أو ثلاثة، الأول منها هو عدم الحصافة في الممارسة السياسية والناجم طبعا عن عدم تجدد العقول المقررة فيها وسيطرة الطابور الذي نشأ أماميا ولم يتح للصفوف الخلفية الفرصة للتقدم, عكس ما نعرفه في الأحزاب العريقة في جوارنا الإقليمي من تجدد للقيادات وتشبيب لها، ولعل مرضها الثاني خطير جدا لأنه يتعلق بصدق النيات من زيفها، فالتذبذب في المواقف هو السلوك الذي لا يفارق هذه المعارضة بمختلف أحزابها، ما تقبله اليوم ترفضه غدا وما يتعارض مع مبادئها بالأمس تضعه في قمة هرم مطالبها اليوم, وملائكتها الآن شياطين الغد مع قابلية العودة إلى الصفة الأولى في أي وقت.
لقد غذى هذا التذبذب في المواقف لدى الكثيرين الشعور بأن التعويل على هؤلاء لإصلاح البلد أو إنقاذه نوع من ارتماء الفأر في أحضان القط, فلا شيء يضرنا أكثر من قادة لا يفكرون إلا في الوصول إلى السلطة, ولو كان ذلك على حساب الخيار الحقيقي للشعب. لقد أفرزت الانتخابات الأخيرة العسكري السابق ولد عبد العزيز المنقلب على الشرعية رئيسا لجميع الموريتانيين في انتخابات شاركت فيها جميع أحزاب المعارضة ولم تستطع الطعن فيها، اللهم إلا ما كان من كذبة الحرف الطائر..كم يحتقرنا هؤلاء؟
ونتيجة لحسابات تتعلق بأعمار الطابور الأمامي الذي أسلفنا أنه لن يقدم غيره كان لزاما عليهم إفساد مأمورية الرجل بتتبع أمراضه وأسفاره وحياته الخاصة بطريقة تكون مقبولة أصلا لو أن الهدف منها كشف أخطاء الرئيس للاستفادة منها بغية حشد الأصوات ضده في الانتخابات القادمة, لكن هذا لم ولن يحصل في موريتانيا,فالاقتراع الوحيد النزيه والشفاف هو الذي يعطي أحد قادة المعارضة الحق في حكم البلد وما سواه باطل لا مندوحة من إفشاله.
مرض المعارضة المشخص الأخير هو ارتباط أغلب أشخاصها بالسياسة كمصدر وحيد للعيش وتحسين الظروف وتقوية الحلف والعشيرة والرفاق,وهذا ما يجعل منها ممارسة يجب أن لا تنقطع تماما كالعمل في الحقل والدكان والوزارة,فلو أن جميع المعارضين بحثوا عن مصادر للدخل غير السياسة ومنافعها ولو براتب متواضع لقبلوا بالهزيمة التي لا تعني حينها فقد الراتب والمردود بقدر ما تعني أن الفكرة لم تقنع بعد وربما تحظى بذلك لاحقا.ولا ضير من الصبر مادامت صناديق الاقتراع هي من يحدد.
الجيش مريض ومرضه خطير جدا لأنه يملك السلاح مع هوس بالتحكم والوصول إلى السلطة, يبدأ لدى المقيمين في نواكشوط من رتبة ملازم ومع قادة النواحي العسكرية في الداخل من رتبة رائد.هؤلاء لا هم سوى التفكير في الوصول إلى البيت الرمادي دون أن يعترضهم عسكري أخر فالدستور كذبة والمدنيون جاهزون للدعم, عصائبهم لا تنتظر إلا بيان الإذاعة.ولا خوف من المعارضة لأن كل تغيير-في عقول القادة- قد يكون حامل هذه المعارضة إلى القصر.. من يدري..الجيش مرتبك هذه الأيام لأن الرجل المريض حصن نفسه وعرف مكمن الداء فغير في كل شيء حتى في نقاط المرور, لكن الحالمين من هذا االجيش “الجمهوري” ينظرون الآن إلى خلص الرجل من الجنرالات علهم يقومون بتغيير يقدم عسكريين ويؤخر آخرين..لكن صمت الجنرالات وعزيز لم يقدم أي جواب للطامحين حتى الآن.
الشعب مريض طبعا لأنه يدعم كل قادم ويتخلى عن كل ذاهب ويعارض من أجل شخص بعينه ويناصر من أجله ولا يهمه الشعب نفسه ولا مستقبله ولا مكتسباته ولا أين وصلنا ولا منتهى رحلتنا في التنمية أو في البقاء على الأقل.
من أمراض الشعب أيضا ما بدر من أبناء عم الرئيس حين حاولوا حماية ما يعتقدون بأنه ملك لهم ومال خاص..إنه من المشرف أن يدافع الشعب عن خياره الديمقراطي كما فعل الفنزويليون مع شافيز لكن ذلك قد يتحول إلى عار وقلة ذوق لو أنه جاء من أناس تحركهم العصبية والتعصب لشيء لا يمت لقبيلتهم بصلة, فلا نحن عبيد لقبيلة معينة ولن نكون, وإن انتخب أغلبنا فردا من هذه القبيلة كرئيس للجمهورية في انتخابات أصرشخصيا دائما على أنها سليمة إلى أن يثبت العكس.
لقد عشنا ونحن في الخارج حملة شائعات وشائعات مضادة أربكت الكثيرين من المرتبطين بالسلطة الفعلية والسلطة الحالمة بالسلطة, ولم يتبين أي من هؤلاء جميعا أننا نعيش مسرحية كبيرة يحلم فيها الكثيرون بانقلاب الأمور إلى الواقع الذي يريدون ويتمنون, غير أن أيا من هذه الأحلام لم يتحقق لأن إرادة السلم والسلام فوق كل هذه الرغاب الآنية الجشعة.
في المحصلة أننا لا نريد انقلابا يذهب بموجبه عزيز ويأتي عسكري أخر ولا نريد انقلابا يقدم الرئاسة على طبق من ذهب للمعارضة,ببساطة لأنها لا تستحق هذا “المغنم” تبعا للأرقام ولتشرذمها هي وعدم اتفاقها حين يتعلق الأمر بالترشح للرئاسة.
ولد عبد العزيز رئيس موريتانيا بموجب انتخابات مهدت لها المعارضة وشرعتها وأرغمتنا بإجماعها على أن نزدرد نتائجها.
شخصيا لم أنتخب عزيز لكنني أثق بأن أغلب الموريتانيين أوصلوه إلى السلطة, لأنهم مرضى ولأن الجيش مريض ولأن المعارضة مريضة,لكنه وصل, وحصل على أغلب الأصوات, فله علينا أن يكمل مأموريته حتى آخر يوم فيها وهذا ما لن أقبل بغيره وأتمنى أن تتسع دائرة المدافعين عنه بموضوعية ونزاهة.
بقلم: محمد لمين ولد محمودي (خاص “أقلام”)