عن الترشيحات وما تثير من ردود أفعال
كتب محمد الأمين الفاضل:
الزمان أنفو ـ تعودنا في هذه البلاد أن نعيش حالة غضب وسخط لدى بعض السياسيين مع كل موسم انتخابي جديد، ولكن حالة الغضب هذه المرة كانت أكثر اتساعا وأشد بروزا في موسمنا الانتخابي هذا.
عددٌ كبير من النواب انسحب من الأحزاب التي أوصلته إلى قبة البرلمان، وذلك عندما علم أن تلك الأحزاب لن تعيد ترشيحه، والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن يتم تعدادها في هذا المقال السريع، فمن الصعب أن نجد اليوم حزبا سياسيا إلا وعاش حالة انسحاب نائب واحد على الأقل، ويتأكد الأمر بالنسبة للأحزاب المحسوبة على المعارضة.
هناك موجة انسحابات أخرى، وهي التي سنتوقف معها من خلال هذا المقال، وتتعلق موجة الانسحاب هذه بما يحدث الآن داخل حزب الإنصاف بعد الإعلان عن ترشيحاته لانتخابات مايو 2023.
سنتوقف مع موجة الانسحابات هذه من خلال النقاط التالية:
1 ـ لعل من أبرز المفارقات التي استوقفتني، والتي سأجعلها أول نقطة أتوقف عندها، هي أن الحزب الحاكم (حزب الإنصاف) شهد أوسع موجة من الانسحابات والمغاضبات في فترة رئيس جمهورية يُعرف عنه ـ من بين أمور أخرى ـ أنه هو الرئيس الأكثر قدرة على احتواء معارضيه، لدرجة أن الكثير من المهتمين بالشأن العام أصبح يسأل أين المعارضة؟
فبأي منطق نفسر هذا التناقض الواضح: أنه في ظل حكم الرئيس الأكثر انفتاحا والأكثر قدرة على احتواء معارضيه نجد حزبا حاكما هو الأقل قدرة على احتواء منتسبيه وإدارة خلافاتهم؟
إن الإجابة على هذا السؤال تؤكد أن تشكيل لجنة لإصلاح حزب الإنصاف كانت خطوة مهمة، وأن تأخير عمل تلك اللجنة إلى ما بعد الانتخابات القادمة لم يكن موفقا.
2 ـ من المعروف أن الكثير من منتسبي الأحزاب الحاكمة بدءا بحزب الشعب، وانتهاء بحزب الإنصاف، ومرورا بالحزب الجمهوري وعادل والاتحاد من أجل الجمهورية، من المعروف أن الكثير من منتسبي تلك الأحزاب الحاكمة يبحثون فقط عن مصالحهم الشخصية الخاصة وعن مصالح مجموعاتهم الضيقة، وأنهم يضعون تلك المصالح الشخصية والضيقة فوق مصلحة الحزب والنظام الذي يرفعون شعار الدفاع عنه.
هذه الطائفة من منتسبي الأحزاب الحاكمة كانت موجودة دائما في كل نسخ الأحزاب الحاكمة، ولكنها ظهرت بشكل أكثر وضوحا بعد الإعلان عن ترشيحات حزب الإنصاف، وكأن لسان حالها يقول : “رشحني أو أنسحب”.
3 ـ لا تعني النقطة أعلاه أن تحقيق مصالح المنتسبين للأحزاب السياسية، وخاصة الحاكمة منها، ليس بالأمر المهم، إنه أمر مهم، ولكن يجب أن يضبط بالمصلحة العليا للحزب وللنظام الحاكم.
من المهم أن تجد كل الطوائف والأحلاف والشخصيات الوازنة ذاتها في الحزب الحاكم، وأن يكون ذلك وفق الضوابط التالية:
أولا / ليس من الإنصاف أن تحاول الشخصيات والأحلاف الانتخابية داخل الحزب، والتي تحتل وظائف سامية في أجهزة الدولة، أن تبسط هيمنتها أيضا على المقاعد الانتخابية؛
ثانيا / ليس من الإنصاف أن تهمش الأحلاف التي تمتلك أكبر شعبية في دوائرها الانتخابية، وفي المقابل فليس من الإنصاف كذلك أن تحاول تلك الأحلاف أن تحتكر كل المقاعد الانتخابية في دائرة انتخابية ما بحجة أنها تمتلك أكبر شعبية في تلك الدائرة..
إن الحلف الانتخابي الذي يمتلك أكبر شعبية في دائرة انتخابية ما يستحق أن يمنح أغلب المقاعد الانتخابية في تلك الدائرة، ولكن لا يحق له أن يحتكر كل تلك المقاعد؛
ثالثا / إن الأحلاف التي تمتلك شعبية أقل لا يجوز إقصاؤها بشكل كامل، ولا يحق لها هي في المقابل أن تطلب من التمثيل أكثر مما يتيحه لها وزنها الانتخابي.
تلكم هي الضوابط التي كان يجب أن تحترم في ترشيحات حزب الإنصاف، ولكنها لم تحترم في كل الحالات.
4 ـ لقد ارتكبت الجهات المعنية بفرز لوائح المترشحين أخطاءً واضحة في هذا المجال، فأقصت أو همشت أحلافا تمتلك الشعبية الأكبر في دوائر انتخابية، وسمحت لأحلاف أخرى أن تحتكر كل المقاعد الانتخابية وذلك لكونها تمتلك الشعبية الأكبر، وأقصت في الوقت نفسه أحلافا تمتلك شعبية وازنة حتى وإن كانت ليست بالأحلاف الأكثر شعبية في تلك الدوائر، وأعطت لأحلاف من الدرجة الثانية تمثيلا انتخابيا أكبر مما تستحق …كل هذه العينات من الأخطاء تم تسجيلها، وتم تسجيل عينات أخرى من الأخطاء لا يتسع المقام لبسطها.
5 ـ نعم وقعت أخطاء كبيرة في ترشيحات حزب الإنصاف، ولكن الرجوع عن تلك الأخطاء الآن سيكون بمثابة من يصحح أخطاء بأخطاء أكبر منها. إن سحب مقعد انتخابي من حلف سياسي ومنحه لحلف آخر لأنه يستحقه سيجعل الحزب يفقد الحلف الأول، وسيشجع ذلك كل حلف يعتبر نفسه مظلوما على إظهار المزيد من الاستياء في لحظة انتخابية حرجة، بل وإعلان الانسحاب من الحزب طلبا للترضية. إن الترضية يجب أن لا تكون من خلال سحب ترشح تم إعلانه مسبقا لمنحه لجهة مغاضبة أخرى حتى وإن كانت تلك الجهة على حق.
6 ـ إن هذه الأخطاء يجب أن تُأخذ منها العبرة مستقبلا، كما يجب أن يفتح لجميع المغاضبين حق الترشح من الأحزاب المنخرطة في أغلبية الرئيس، على أن يمنح لتلك الأحزاب التي حققت نتائج معتبرة في الانتخابات القادمة مكانة في النظام تتناسب مع ما حققت من نتائج انتخابية.
حفظ الله موريتانيا…
محمد الأمين الفاضل