العمدة ولداحمين أعمر: كنت على موعد مع الرئيس يوم الحادثة
كشفت في بيان سابق عن ما جرى بيني في ثلاث مقابلات مع رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، وكنت حينها على وشك إجراء مقابلة رابعة معه، شاءت الصدفة أن يكون موعدها مساء نفس اليوم الذي وقع فيه الحادث المؤسف..
حيث أبلغت بموعد المقابلة من طرف معالي الوزير الأول مولاي ولد محمد لقظف، الذي اتصل بي هاتفيا وأبلغني به مساء الخميس الموافق 11أكتوبر في حدود الساعة التاسعة ليلا، بعد أن كلف المديرة المساعدة لديوانه بالمهمة ولم توفق في الاتصال بي، حيث اتصلت زوال الأربعاء الموافق عشرة أكتوبر في حدود الساعة الرابعة والنصف، وحينها كنت نائما، وبعد ان استيقظت قمت بالاتصال بنفس الرقم، لكن أي أحد لم يجب عليه، لأنه يبدو أن المكاتب لم يعد بها أي موظف.
لقد أدركت بعد المقابلات الثلاث، أن الرجل كان بصدد إعادة النظر في خارطة طريق تجمع الفرقاء، ولما يلتمس لها مخرجا، نظرا لتعقيد المشهد السياسي والبطء الذي يعرفه التقييد السكاني، هذا فضلا عن عامل الوقت فيما يخص الانتخابات البلدية والتشريعية، وكذلك الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى مبادرة السيد مسعود ولد بلخير رئيس الجمعية الوطنية. وجاءت الحادثة المؤسفة لتسيطر على المشهد السياسي الوطني، حتى أصبح المتلقي قاب قوسين أو أدنى من نبذ وسائل الإعلام وعلى العموم، ليصبح الإعلامي نفسه عاجزا عن التماس الحقيقة، التي هي سر وجود المهنة من حيث الأصل.
إن على إعلاميينا وساستنا ومثقفينا، إدراك أن مآل رئيس الجمهورية محصور حتما – وبكل بساطة- في ثلاث احتمالات:
الاحتمال الأول: أن يتم شفاء السيد الرئيس – وذلك ما نتمناه- ويعود إلى الوطن، وحينها سيواصل حقه الدستوري، ولا مانع من أن يمد يده للمعارضة ويلتئم جميع الموريتانيين، حول صيغة تضمن الوحدة والاستقرار وتوفر الوقت الكافي لانتقال السلطة بأقل تكلفة دون اللجوء إلى سياسة كسر العظام.
الاحتمال الثاني: أن يتضح وجود عجز أو مانع لا يسمح للرئيس بأداء المهام المنوطة به – وعلى أكمل وجه-، وحينها أعتقد أنه سوف يصرح بذلك علنا وبنفسه، قبل أن تلجأ المعارضة لطلب تفعيل ما يتيحه دستور الجمهورية. وفي أسوأ الاحتمالات أن يمتنع وتطبق المسطرة، ويتصرف المجلس الدستوري بما تقتضيه وضعية الرئيس من الناحية القانونية.
الاحتمال الثالث: حالة الوفاة وشغور المنصب وفي هذه الحالة -لا قدر الله- فإن الأمور لن تكون بالسهولة التي يتصورها البعض، وكأن الملف سيرد إلى فقيه لتقسيم التركة وكل ونصيبه.
لقد برأ الرجل الجيش والمعارضة وتنظيم “القاعدة”، عندما أعلن إصابته بـ”نيران صديقة”، ولم يعد هناك على الإطلاق مجال أن يكون ما جرى محاولة انقلاب أو حتى محاولة اغتيال، كما لم يعد متاحا تتبع ما جرى وفتح تحقيق في الحادثة، لأن آثار ما يعتقد البعض أنها جريمة – وهي ليست كذلك وعلى لسان المتضرر الأول- قد انمحت ولم يعد لها أي أثر.
كما لا يخفى على البعض، أن وسائل الإعلام لم تتعاطى -وللأسف الشديد- مع حادثة الرئيس بوصفها حادثة خطيرة، وتحمل في طياتها مخاطر جمة، أبسطها تغيير نظام وما يترتب على ذلك من تداعيات. فقد وضعت الحبل على الغارب لأقلامها وتحاليلها لتنقل من الأخبار ما نسجه الخيال، دون مراعاة تأثير لخبر على الأنفس والتنمية والسكينة العامة، كما لم يدرك بعض إعلاميينا أن وصف “السلاح ذو الحدين”، لا يجوز أن يطلق إلا على الإعلام، فهو مصدر الحروب والسلم واللاسلم، كما أنه مصدر الاستقرار والتنمية والرفاهية.
إن محاولة الانقلاب الحقيقية، تتجسد في رغبة بعض سياسيينا في وفاة الرئيس السريري أو النهائي، أو ما يمكن أن يؤدي إلى عجز أو مانع أو شغور. ذلك أن المؤسسة العسكرية -بحكم وظيفتها- مسؤولة عن الحوزة الترابية وأمن المواطن وممتلكاته، فضلا عن كونها مؤسسة غير سياسية وتتصرف بدوافع تخصها، وقد لا تراعي – إن اقتضى الأمر- ما يصبو إليه الشارع ولا النخبة، وكلنا يعرف ان تركبتنا الحالية وتوجهاتنا المتعارضة وانتماءاتنا المختلفة، قد لا تساعد في التماس أحسن المخارج، للوصول إلى إجماع وطني، يمكن من انتقال السلطة دون مخاطر )حالة رئيس مجلس الشيوخ، حالة المجلس الدستوري، غليان الساحة….الخ(. وعلينا –ومن الآن- أن لا نتيح ظروفا مشابهة للتجربة المصرية، خشية أن نعود للمربع الأول ونكون حينها قد إنقلبنا على أنفسنا.
إن السيد محمد ولد عبد العزيز – وهذا ما يمكن أن أؤكده شخصيا – يمنح ثقته المطلقة لجنرالاته بدءا بمحمد ولد غزواني، مرورا بمحمد ولد الهادي وانتهاء بمحمد ولد مكت وانجاكا جينغ، مسغارو ولد سيدي، فيلكس نكري، أحمد ولد بكرن ومحمد ولد محمد ازناكي وغيرهم من الضباط السامين في المؤسسة العسكرية، فضلا عن حرسه الرئاسي. وأنا على يقين تام من ولاء هؤلاء التام للسيد رئيس الجمهورية، وعلى ثقته هو أيضا بوزيره الأول وحكومته، وهذا هو ما يفسر تماسك مؤسسات الدولة في ظل غيابه واستمرار العمل الحكومي دون انقطاع.
إنني انصح الموالاة قبل غيرها بضرورة التهدئة والمعارضة بعدم النزول إلى الشارع وذوي الرئيس بالحكمة والتأني، كما انصح إعلاميينا بالمساهمة الفعالة في تهيئة الرأي العام عبر التحاليل الموضوعية والنصح والإرشاد، لتمكين المواطن من حالة الجاهزية لكافة الاحتمالات، انطلاقا من الهاجس الوطني لا غير. وليعلم الكل أن الحفاظ على كيان الدولة واستقرارها ينبغي أن يكون فوق كل اعتبار.
وفي الختام: أعلن أن السيد رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز – وفي هذه الساعة بالذات- يتمتع بصحة مرضية، وعلينا –إن كنا غيورين على الوطن- الدعاء له بالشفاء، ليس من باب الموالاة له أو معارضته، وإنما لواجبنا الديني وحسنا الإنساني والأخلاقي ورغبتنا جميعا في انتقال السلطة بأقل ثمن وأقصر طريق وأنجع وسيلة.
عمدة بلدية أوجفت محمد المختار ولد احمين اعمر
بتاريخ: 2012-10-29