الإسهام الفكري والسياسي للمرأة العربية إبان النهضة؟
خلال حلقتنا اليوم سوف نتوقف قليلا مع السبب الأهم الذي شاب نضال المرأة في عالمنا العربي والإسلامي ، وبعد هذه الحلقة سوف نتابع مع من ارتضيناه من نساء النهضة ، نتيجة للتحفظ الذي أبديناه سالفا على بعضهن نتيجة لتأثر معظمهن بالنهج الغربي وانقسامهن حول التيارات المعادية للدين ، وقد وسع الهوة بينهن والدين خاصة ديننا الإسلامي جهلهن به ، ذلك الجهل الذي رضعنه منذ سيطرة الفقه الذكوري …!!.
أثناء التحول الذي ش
اع فيه تجهيل النساء ، وترويج فقهاء المسلمين للحديث المزور على الرسول المعظم ” لا تعلموهن الكتابة ” وألف بعض علماء الانحطاط كتابا يخالف نص الحديث الشريف الذي أورده البخاري في صحيحة : ” طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة “.
وانطلاقا من هذا يقول د/ محمد حسين اليوسفي معلقا على الالوسي مؤلف كتاب : ” الإصابة في منع النساء من الكتابة : ” “، إن فقيهاً بغدادياً مشهوراً هو الشيخ نعمان بن أبي الثناء الألوسي، قد وضع مؤلفاً في عام 1897 بعنوان: “الإصابة في منع النساء من الكتابة”، جاء في الصفحة 347 منه ما يلي: “فأما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله منه، إذ لا أرى شيئاً أضر منه بهن. فإنهن لما كن مجبولات على الغدر، كان حصولهن على الملكة من أعظم وسائل الشر والفساد.
وأما الكتابة فأول ما تقدر المرأة على تأليف كلام بها، فإنه يكون رسالة إلى زيد، ورقعة إلى عمرو، وبيتاً من الشعر إلى عزب، وشيئاً آخر إلى رجل آخر. فمثل النساء والكتب والكتابة ـ والحكم هنا لأبي الثناء الألوسي ـ كمثل شرير سفيه تهدي إليه سيفاً، أو سكير تعطيه زجاجة خمر. فاللبيب من الرجال هو من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى، فهو أصلح لهن وأنفع”.”!
هنا يتجلى هول الظلم وحجم التزوير…!!!
ونتيجة لهذا كان أول لقاء تم بين العالم العربي الإسلام في العصر الحديث – بعد ليل التخلف والجمود ومضاعفة كبت النساء وإخفاء معالمهن الإنسانية ، خلافا لما جاءت به الرسالة الإسلامية الخالدة من تكليف وتشريف ، ونظرا لأنهن صرن ضحايا بسب العادة والعرف وليس الدين الإسلامي في تعالمه العادلة – كان مع الاحتلال الغربي ، فتجردت المرأة نظرا لجهلها المركب من دينها الذي نظرت إليه بعين الشك والريبة ، فصفقت التيارات الراديكالية واللبرالية عاليا لمسخ المرأة من عمقها الديني وخلفيتها الحضارية …!!.
إن أهم منفذ دخل إليه الخصوم التقليديون في حصول المرأة على حقها الشرعي في المساواة والتعلم والمشاركة الكريمة في حياة كريمة أيضا، تستعيد المرأة من خلالها عضويتها الإنسانية ، كانت بسبب طغيان تياري اللبرالي والراديكالي ، تلك التيارات ذات المنبع المختلف عنا دينيا وحضاريا ، وهذا ما يقتضي منا القيام بجولة تاريخية في مسيرة وطبيعة تحرر نساء العالم العربي الإسلامي ، بعد معايشتهن دهرا طويلا مع الأمية والتخلف …!!.
وقد قسم د/ أسامة فؤاد شعلان تلك الفترة التي مر بها إسهام المرأة نفسها إلى ما يلي:
“مرت الحركة النسوية العربية بثلاث مراحل منذ بداية القرن التاسع عشر: المرحلة الأولى: مرحلة عصر النهضة التي ترافقت مع وصول الحملة الفرنسية إلى مصر سنة 1798 إذ عُد هذا التاريخ بداية اتصال العرب بأوربا والانفتاح على الغرب وثقافته، خاصة حول قضية المرأة وحقوقها، مما أدى بالنخب المثقفة في جامعاتها إلى تقليده محاولة للخروج من حالة التخلف والأمية والفقر السائدة في بلاد العرب، فبرز في هذه المرحلة: رفاعة الطهطاوي الذي نسب إليه بعد عودته من فرنسا سنة 1831 أنه أول من بشّر في البلاد العربية بمساواة المرأة مع الرجل في العصر الحديث ودعا إلى اشتراكها في العمل. وعلى النهج نفسه سار نخبة من المفكرين النابهين مثل بطرس البستاني وخير الدين التونسي وغيرهم ممن كان لآرائهم أبلغ الأثر في تنوير الأذهان ومناقشة قضايا المرأة بحرية تامة”.
وانطلاقا من هذا الظرف التمهيدي يرى شعلان أنه كان بداية لظهور “الجيل الأول من النساء الرائدات اللاتي أرست آراؤهن المنشورة عبر الصحف اللبنة الأولى لنشأة الحركة النسوية في العالم العربي، ومن هؤلاء النساء مريم جبرائيل نحاس المتوفاة بمصر سنة 1888، والتي صدر لها كتاب ترجمت فيه لشهيرات النساء في عصرها وغيره، وأنيسة عطا الله صاحبة «صحيفة المرأة»، ولبيبة هاشم صاحبة صحيفة «قناة الشرق»، ومريانا مراش الشاعرة والكاتبة الحلبية، وهي أول امرأة أنشأت مقالاً نشر لها في صحف النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والأديبة السورية أنيسة سعيد الخوري الشرتوني التي جمعت مقالاتها ومقالات شقيقتها عفيفة في كتاب اسمه: «نفحات الوردتين».
المرحلة الثانية: وتبدأ من نهاية القرن التاسع عشر إثر صدور كتاب «المرأة في الشرق» لمرقص فهمي (1870ـ1955) الذي أحدث هزة عنيفة…
أما على المستوى العملي فقد تأسست في هذه الفترة الاتحادات النسائية التي شاركت في مؤتمرات عالمية للمرأة، ودخلت المرأة في السجالات السياسية، وكان من أبرز رموز هذه المرحلة، هدى شعرواي التي سبق التعريف بها في حلقتنا السابقة ، ودرية شفيق، وسلامة موسى أمينة السعيد.
يتواصل ….
تربة بنت عمار