وداعا الصرف الصحي
بعد أيام معدودة سينسى الجميع أن عاصمتنا بلا صرف صحي، ستنسى الحكومة مشكلة الصرف الصحي، وستنساه الأحزاب، وستختفي كلمة “صرف صحي” من الصحف ومن المواقع الوطنية، وستختفي كذلك من صفحات وحسابات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
ستختفي الكلمة تماما، ولن تظهر لا في التوجيهات النيرة لسيادة الرئيس، ولا في بيانات الأحزاب، ولا في خواطر وتدوينات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، ولا حتى في أحاديث الناس العابرة.
ستختفي مشكلة الصرف الصحي، وكأنها قد حُلت تماما، ولن يذكركم بهذه المشكلة التي تتجدد مع كل عام أي مذكر. لن تذكركم بها إلا الأضرار التي ستتسبب فيها الأمطار التي ستتهاطل خلال موسم الخريف القادم.
ولن يتغير أي شيء خلال موسم الخريف القادم، حتى ردود الأفعال لن تتغير. بالطبع سيتضرر الكثير من المواطنين، وستكون هناك خسائر كبيرة لن تجد من يتطوع بإحصائها، وستصدر الأحزاب السياسية بيانات قوية تندد بتجاهل الحكومة للكارثة التي حلت بالعاصمة، وستتظاهر حفنة قليلة من المتضررين بحي سوكوجيم أمام القصر الرئاسي، هذا إن ظل هذا الحي موجودا حتى العام القادم. وفي نهاية المطاف سيقوم الرئيس بتعديل وزاري يصرف بموجبه وزير الصرف الصحي مع صرف وزراء آخرين وتبادل حقائب بعض الوزراء، فيصبح مثلا مدير الديوان وزيرا للتعليم، ووزير التعليم مديرا للديوان، وسيحتار الناس كثيرا لأنهم لن يعرفوا هل أن مدير الديوان الذي أصبح وزيرا للتعليم قد تمت ترقيته أم عقابه؟ وهل أن وزير الدولة للتعليم الذي أصبح مديرا للديوان قد تمت ترقيته، أم أن الأمر يتعلق بعقوبة؟
ولن يحسم ذلك الخلاف أبدا..
وربما يصبح بموجب تعديل موسم الخريف القادم، السفير السابق في دويلة توفالو وزيرا للخارجية، وربما سيصبح المحاسب بنفس السفارة وزيرا أيضا.
وقد يحدث ذلك التعديل ووزير خارجيتنا في زيارة لدولة عربية، فيدخلها بصفته وزيرا للخارجية ويخرج منها بصفته وزيرا للصيد.
ومن المؤكد بأن الوزراء الجدد سينظمون زيارات ميدانية للإدارات التابعة لوزاراتهم، وسيعد كل واحد منهم بتطوير القطاع التابع له. هكذا دائما هم الوزراء الجدد يَعِدون دائما بتطوير قطاعاتهم ومن أول يوم يزاولون فيه مهامهم الجديدة، ومع ذلك فلم يحدث أن تطور أي قطاع في هذه الدولة منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا.
لن يتغير أي شيء في هذا البلد، وإذا تغير فلن يخرج عن الشعار الذي رفعه الرئيس السابق معاوية ذات حملة انتخابية، إنه الشعار القائل بالتغيير في ظل الاستقرار.
وفي موسم الخريف القادم سيؤجر السيناتور محمد غدة بعض الصهاريج، وسينظم هو وتياره عملية شفط للمياه في بعض أحياء العاصمة، وستنظم كذلك جمعية بسمة وأمل بعض الأنشطة التطوعية للتخفيف من معاناة بعض المواطنين المتضررين، ولن تجد تلك الأنشطة من يذكرها.
ثم بعد ذلك سيدخل حزب “تواصل” على الخط، وذلك من خلال تنظيم أنشطة أوسع في عدة مقاطعات، وسيرافق تلك الأنشطة جدل كبير بين الناس، فالبعض سيشكك وينتقد تلك الأنشطة والبعض الآخر سيدعمها وسيرحب بها.
المهم أن الحكومة ستنزعج، وسيدشن الرئيس في آخر أيام الخريف القادم مشروعا مرتجلا جديدا، ربما تكون مخاطره البيئية أكثر من نفعه، وسيتم بموجب هذا المشروع صرف المياه الراكدة من مقاطعة توجنين إلى بحيرة أديني..
وفي نهاية موسم الخريف القادم سينسى الجميع بأن عاصمتهم بلا صرف صحي، وستنسى الحكومة من جديد مشكلة الصرف الصحي، وستنساه الأحزاب، وستختفي الكلمة من الصحف ومن المواقع الوطنية، وستختفي كذلك من صفحات وحسابات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لعام كامل، وذلك في انتظار موسم خريف جديد.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل