المرأة الموريتانية بين هبة السياسة وقسوة الحريم …!!
رغم انشغالي هذه الأيام في التحضير لنقاش دكتوراه، لكن هناك أشياء أكبر عندي من خصوصيتي الذاتية، مهما كانت قيمتها مثل ما للحصول على دكتوراه من قيمة، ومن ضمن هذه الأشياء المرأة –طبعا- قضيتي الأهم بعد الدين والهوية.
وانطلاقا من هذا الهم الذي أحملة تجاه قضية المرأة، كان من للازم عندي تسجيل بعض الملاحظات حول تغييب النساء الموريتانيات عن المشاركة في لجان الحوار، القائم هذه الأيام بين أطياف النظام والمعارضة .!!
ونظرا لكوني دائما أرجع الأمور- التي لم يرد نص في تحريمها – إلي السياق التاريخي لما له من أهمية في تحديد المحرك الأساسي لثقافة المجتمعات الرجعية ، المجتمعات التي تحمل أثقالا من تراث السنين الخوالي مثل مجتمعنا ، الذي يسيره عقل الماضي وفقه الماضي وأدب الماضي ، وكل ماله صلة بالماضي، كأننا خلقنا من أجل مسايرة الماضي لنبرر أخطاءه حد التقديس …!!.
وقد لا نبالغ مثل غيري من دعاة التحرر من سلطة التراث بشكل نهائي ، مثل ما ذهب إليه طيب تيزيني في كتابه : ” من التراث إلى الثورة ” حينما أعتبر أن للحاضر إشكالاته التي يقتضي التكيف معها بمنطق معاصر لها وذلك في قوله : ” إن التراث : نتاج تاريخي خالص ، صب كل عصر ثقافته وتصوره فيه ، وتصور القدماء تصور تاريخي خالص يعبر عن عصرهم ومستواهم الثقافي ، كما أن تصورنا تصور معاصر يعبر عن روح عصرنا وعن مستوانا الثقافي ” .
ليس من الضروري أن أتفق مع الأستاذ طيب الذي يدعو لفصل الحاضر عن الماضي بشكل تام ، لأن المطلب قد لا يتحقق لمجتمع له خلفيته الدينية ، التي تتميز بمرونتها الحضارية ، الشيء الذي غاب عن ذهنية السادة الرجال أصحاب المنطق الديني الصارم تجاه المرأة …!!.
هنا نحن مضطرين لتوظيف التاريخ لكن في ناحية منه قد تجاهلتها السلطة الدينية ذات المنطق الذكوري لأنها بكل بساطة قد لا تحلو له …!!!!!!.
صحيح أن نظام المجتمع العربي الأبوي القديم ذو الثقافة القبلية التي كانت لا تحسب للمرأة حسابا ” لأنها لا تحمل سيفا ولا تقارع عدوا” قد غيب النساء عن أي دور في المصالحة ووفود السفارات ، لأن الأمر لا يعنيهن في شيء …!!!.
وهكذا أحيى الانقلاب الذي شهده مجتمعنا العربي إبان تحوله الرهيب في شأن النساء تلك العادة ، لتدخل المرأة عالم الحريم مبتعدة خطوات عن عالم السياسة والسفارة والمصالحة ….!!!.
ها نحن اليوم في موريتانيا التي يتغنى أصحاب الثقافة الاستعراضية فيها بأن المرأة عندنا لا ينقصها شيء مدللة وسيدة في بيتها وزوجها لا يستطيع أن يضربها …!!!!!َ.
هذه السيدة المدللة تعيش اليوم أكبر تغييب عن مشهد سياسي هام لأنه ذو طابع مصالحة ، فالذهنية المترهلة لثقافتنا يختزن عقلها الباطن وفي اللاوعي لديها أن هذا اللون من السياسة محذور على النساء ، لأنهن ناقصات العقل والفطنة والدهاء ، ومجبولات على الغدر والخيانة …هكذا حفظنا الماضي لنعيشه شبرا بشبر وذراعا بذراع ، إنه ماضي جلوس النساء في ظل الحريم وممارسة الغناء وأشياء أخرى في الخفاء …!!!
قد تجاهلنا من الماضي حضور نساء الأوس والخزرج لأهم عقد أتفاق عرفه التاريخ البشري على الإطلاق ، إنه اجتماع العقبة الثانية التي بموجبها سيهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم ليدخل هذان الحيان التاريخ بفعل ذلك الاجتماع المبارك والذي حضرته : أسماء بنت عمرو ونسيبة بنت كعب ، قد كان لحضور تلك السيدتين هدف ومغزى، باركه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتجاهله الفقه والثقافة لكي يكون للنساء مجالهن الخاص ….!!.
وقد تطوعت أمنا أم مسلمة باقتراحها المبارك هو الآخر ليكون لبيعة الرضوان ما كان من أهمية في طور النقاء والصفاء أثناء أهم مراحل تاريخنا المشرق ، قبل أن تكدره العنصرية الذكورية …!!!.
سبق لي وقلت في سياق منفصل إن الهبة التي نالت من خلالها النساء نصيبا تدخل من باب التدليل والكرم الذكوري ، الذي هو هيمنة وسيادة بنوع آخر ومنهج أكثر مكرا وتسلطا ، الهبة لها بريق خافت قد يتبخر أمام أول اختبار جاد مثل الحوار الجاري حاليا، والذي أقصيت منه المرأة في المعارضة وفي الموالاة على حد سواء ، وقاسم المنع بينهن هو إنهن إناث ، وهنا تدخل لعنة الأنوثة لتطارد المرأة في حيرة بين هبة السياسة وقسوة الحريم….؟؟؟
تربة بنت عمار- أستاذة التاريخ الإسلامي بجامعة نواكشوط