بين إسقاطات ناتالي يامب و تساقط تفاهاتها / سيدي علي بلعمش
الزمان أنفو – ناتالي يامب سويسرية من أصل كاميروني أو كاميرونية من فصل سويسري (و هو فصل تدرك بالتأكيد أنه أقدم بكثير من الفصل العنصري في موريتانيا).
صحفية لامعة الشعوبية ، تجيد لغة الدعاية ، متأثرة بتناقضات انتماءاتها المتصادمة أكثر بكثير من تناقض نجوميتها “المؤثرة” ..
يسارية كافيارية مدللة، تجيد التمثيل و فنون القراءة المحترفة على الشاشات المُعدَّة لخداع المتلقي بخطابة المتحدث ..
ناتالي أصبحت اليوم من أشهر الناشطات الإفريقيات من خلال صفحتها الممولة بسخاء و فريق نشط يجمع لها المعلومات و يحضر لها المواضيع ، يَسوقُها أحيانا إلى مآزق قاتلة بمعلومات خاطئة و موجهة ، هي أصبحت نقطة ضعفها المحرجة.
حاولت ناتالي إسقاط الحالة الموريتانية على قصة حصان طروادة ، فكانت هي الساقطة ..
و ركبت موجة افلام و إيرا ، فغرقت حين تبنت طرح متطرفي الفولان :(يمثل الزنوج في موريتانيا (السونينكي ، البولار ، الولوف…)، حدود 15٪ من السكان ، تمثل نسبة الفولان حدود 5٪ منهم ..)
هذه النسبة الميكروسكوبية ، تُعَطَّل القوانين من أجلها :
– كان من حق و باستطاعة الإدارة الموريتانية أن ترفض توظيف كل من لا يتكلم اللغة الرسمية للبلد …)
– كان باستطاعة الأمن أن يُفهمهم أن حكما ذاتيا للضفة لن ينتج غير دولة ببطانية أقوى شكيمة : أليست الضفة أرض إمارة الترارزة و إمارة البراكنة و إمارة إدوعيش !؟
إن أسوأ الناس حظا و أجهلهم للتاريخ ، هو من يحلم ببناء دولة في الضفة.
وَقَعت الطاحونة المأجورة في خرجتها الأخيرة “حصان طروادة الناتو في إفريقيا” ، في حقل الغام تناقضات لم تستطع الخروج منه :
– تقف ناتالي يامب مع الفولان في موريتانيا المدللين فيها و تدافع بأنيابها السامة عن فاغنر التي تبيد قراهم جماعيا بلا رحمة كل يوم على الحدود المجاورة !
- تصف الطاحونة المأجورة ناتالي يامب موريتانيا بالآبارتايد (في صفقة مع افلام و إيرا المجرمتين) و تنسى بأقل قدر من إحساس ، مأساة قريتي بارغا و كارما ببوركينافاسو حيث تم قتل 152 قروي من الفولان قبل أيام فقط ، بدعوى أنهم “قد يكونوا” حاضنة للجهاديين ، في تصفية عرقية لا لبس فيها ، لا يفرق أبطال رصاصها الغائر بين الطفل و المرأة و العجوز المحدودب .!؟
-
تهاجم ناتالي فرنسا و تفضح هيمنتها على إفريقيا و تغوص مخالبها في مقاتل حرس التبعية ممن تصفهم بالعمالة و تنسى أن أهم و أقدم خلاف بين أهل هذا البلد و الأقلية الفولانية المدللة هو رفضهم للغة البلد و محاولة فرضهم للفرنسية ، في صفقة شيطانية مع فرنسا لم تعد سرية ، ضمن بطارية إجراءات أخرى هنا و هناك في أماكن مختلفة من القارة ، لاستمرار الهيمنة الفرنسية !؟
تحتاج الزُعرورة ناتالي ، المفتخرة على قومها بانتمائها السويسري ، إمعانا في شعور أصيل بالدونية تحتاج قرونا من الزمن لترويض حصان عقدته ، إلى درس مبسط في ما تعتقد أنه مجال اهتمامها المُتقن :
1 – تُعتبر اللغة العربية إحدى أهم أربع لغات عالمية حسب تصنيف الأمم المتحدة و هي لغة القرآن (14 قرن) و الأمة العربية (22 دولة من بينها 9 دول إفريقية) . و قد سبقت اللغات اللاتينية للوجود بكثير (أصبحت الفرنسية لغة مكتوبة في القرن 15 م القريب)
2 – موريتانيا هي أرض المور منذ آلاف السنين و كل من لا يُشرِّفه أن يكون من المور ، يمارس حقه في الاختيار ، لكنه سيكون الدخيل المرحب به أو غير المرغوب فيه حسب علاقته بالمور المحكومة بقدسية المعتقد و احترام المشترك.
3 – يمتد السرطان الفولاني من السنغال إلى رأس الرجاء الصالح تماما مثل الحالة الغجرية و الكردية. و أرحم من يعاملهم على هذا الامتداد و أقل من يطرح عليهم شروط التعايش المجحفة هم المور ; و قد أنَّبَ الرئيس سينغور المختار ولد داداه مرة على تعيين وزير من الفولان و قال له بالحرف في واقعة مشهورة : ” يا مختار لا تفسد إفريقيا بتعيين وزراء من الفولان”.
و على من يعتبرنا عنصريين لأننا نرفض أن تكون موريتانيا أرض ميعاد الفولان كما تحاول الدول المجاورة للتخلص من ورطتهم ، أن يفهم أننا قادرون على الدفاع عن مواقفنا و عن حوزتنا الترابية ..
تَخبطُ ناتالي يامب في الأخطاء هنا ، يعود إلى إقحامها من قبل فريق إعداد ملفاتها الذي تحول من ذباب دعاية موجهة للعوام في مناخ مواجهة دولية شرسة (كل من يُحبُّك فيها يصدقك و كل من يكرهك يكذبك) ، إلى فضاء فكري و تنظيري لا تملك ناتالي و لا يملك فريقها ثقافته و لا تاريخه و لا القدرة على فك طلاسمه و لا النزاهة الفكرية للخوض في حقيقته..
إن فولان موريتانيا المدللين (و هذا أقل حقهم علينا و هو ما نفتخر به أمام دول الجوار و هو ما يمليه علينا ديننا و دورنا التاريخي في المنطقة) ، يرتكبون أخطاء فادحة في حق وطنهم و إخوانهم المور و في حق أنفسهم ، بمحاولة جعل موريتانيا أرض ميعاد الفولان من قبل سماسرة المنطقة و على رأسهم تام صامبا و بيرام و صار إبراهيما ..
على هؤلاء أن يفهموا أن للمور امتدادات أوسع في المغرب و الحزائر و مالي و أزواد و النيجر ، يمكن أن يشكلوا ردة فعل تُغيِّرُ كل التوازنات في المنطقة ، لكن المور بذكائهم الفطري و تفوقهم العقلي و فهمهم الواسع للتاريخ ، يفهمون أن الدول لا ينبغي أن تبنى على مثل هذا الأساس من جهة و يفضلون من أخرى ، أن تمثل هذه الحالات حزام أمان و بعدا ثقافيا و عمقا استراتيجيا ، أهم من مواجهة دول الجوار الشقيقة و الصديقة ، بجدلية التاريخ الأغبى !
هذا التفوق العقلي للمور و الفهم الفريد للتاريخ و الباع السياسي الراضع ، هو ما جعلنا نخرج في بداية السبعينات من جريمة فرنك (CFA) بإنشاء عملتنا الوطنية بتحدٍ حيَّرَ الجميع ، ما زالت المجموعة حتى اليوم عاجزة بعد أكثر من 50 سنة، عن اتخاذ قرار مثله رغم صراخ نخبها..
– هذا الفهم الناضج للدولة و لمعنى السيادة هو ما جعلنا نقتحم تأميم شركة المعادن في بداية السبعينات و نستبدل مئات الخبراء الفرنسيين بخبرات محلية ناشئة أثبتت ببراعة أن اقتحام التحديات هو ما يصنع الدول ..
هذه الشجاعة المُكبَّلة في مواجهة التحديات المحلية المغرر بها ، هي ما جعلت ولد الطائع يطرد كل الضباط الفرنسيين من البلد في وقت كان الجميع يهاب النظر في عيونهم ، يا ناتالي يامب ؛
أعتقد جازما أنك لا تعرفين عن موريتانيا غير ما تقرئينه على شاشات مُعَدَّة تجهلين مصدره..
أنصحك ، حفاظا على سمعتك الموهومة و مكانتك “المؤثرة” في الناحية الساذجة من الناس البسطاء ، أن تفهمي أنك أصغر بكثير من لعب دور كذبة المحرر في موريتانيا ، لأن التحليق خارج الجاذبية الشعبوية يتطلب أجهزة دفع لا تمتلكينها و ميكانيزمات معقدة لم تسمعي قط عنها .